آراء

الإعداد لمؤتمر الشبيبة الطليعية وسؤال التأثير السياسي

يستعد شباب حزب الطليعـــة الديمقراطي الإشتراكي هـــذه الأيام من أجل التحضير والإعداد الجيـــد للمؤتمر الوطني الخامس للشبيبة الطليعية المزمع عقده قريبا.

و إلى جانب التحضير المادي واللوجيستيكي و التنظيمي ارتأيت من خلال هـــذه الورقة إغناء النقاش حول هــذا العرس النضالي الكبير و إثـــراء الرصيــد الأدبي للشبيبة.

ما بين المؤتمرين

انعقد أخر مؤتمر للشبيبة الطليعية يوم 18 فبراير 2011 و رفع أشغاله للمشاركـــة و الإعداد لمحطــة تاريخية لن تنساها الذاكرة الشبابية و الشعبية عموما و هي 20 فبراير ، هـــذه المحطة التي شارك فيها و بفعالية مناضلات و مناضلي الحزب بمختلف الأقاليم ، و حضيت فيها الدار البيضاء بمشاركة أوســـع ، لتبدأ مساء نفـــس مخاض مغرب يتنازع مصيره قوى الفساد و الاستبداد من جهــة و قوى التغيير الديمقراطي من جهـــة أخرى ، وضمن هــذه الأخيرة من استعجلوا “التغيير” و ركبوا على الأحداث و سوقوا لصورهـــم “الفوتوشوبيـــة” و منهم من انتقل إلى الضفة الأخرى من الصراع و زكى دستورا ممنوحا و بارك أحزابا قال لها الحراك العشريني كلمة واحدة ” ارحل” .

و خلال هــذا الحراك ، قدمت الشبيبة الطليعية مناضلين استرخصوا حرياتهم (يونس بلخديم و أخرون) و أخرون كسرت أضلعهم و هشمت أسنانهم (بثينــة ، زياني….) و أخرون حوصروا في حرياتهم و تمت مضايقتهم (بوغالب) و تنفيـــذ أعمال إجرامية في حقهــم (سارة سوجار…).

و على المستوى التنظيمي و الإشعاعي و السياسي ، حملت الشبيبة الطليعية مشعل تجسيــد مواقف الحزب و الدعاية لتحاليله و تصوراته ، في قوالب و صيغ مختلفة (المشاركة في الأشكال الإحتجاجيــة ، تنظيم جامعات فصلية ، تنظيم منتديات و ندوات عموميــة ) والتواجد في منظمات النضال لجماهيري (أديج ، جمعية حقوق الإنسان ، ….).

و هــكذا أصبحت الشبيبة الطليعية مشتـــلا لتخرج مناضلين حزبيين تضاهي صـــلابتهم الصخور الكرانيتية الناذرة ، و أطـــر حزبية قلما جادت بها شبيبات أحزاب تمول من فوق و تحت الطاولــة و أتيحت لها جميــــع الإمكانيات .

أسئلة التأثيـــر السياسي

و هــذا ما حمل حزبنا على الوعي بكون الشباب الحزبي المنظم والواعي و المتملك لأليات تحليل علمـــي هو مخرج من مخارج أزمـــة الإتصال الجماهيري لهيئـــة سياسيــة تنشــد التغيير الحقيقي ، لذلك أرى أنه من أجـــل الوصول إلى هــكذا رهان يقتضي من بين ما يقتضي :

1-توسيع قاعدة الشبيبة الحزبيــة:

يشكو حزب الطليعــة من ضعف بنية الاستقبال ، و هــذا الضعف المرتبط أساسا بالحصار المخزني على حزب لا يدور في فلك الحاكميـــن ، فالإمكانيات الماديــة كانت عائقا أمام التطور الكمي لمناضلي الحزب ، لأن الحاجة إلى مقرات و تجهيزات و مصاريف التنقـــل و غيرها هي حاجة لوسائل التواصل اليومي مع الشباب و تتبع تكوينهم ، تكوينا سياسيا و إيديولوجيا .

2- التكوين ضرورة وليس ترف:

ما جدوى ملايين الشباب يدورون في فلك الحزب بل و يهتفــــون بشعاراته ، ما لم يتملكوا أليات التحليل العلمي للواقــع و إقتناعهم بإيديولوجيـــة لأنها هي الرابط الأكبـــر الذي يجمعنا إلى جانب الوحدة التنظيمية والسياسيــة ، و نصادف في الساحة السياسة قدرة أحزاب الإدارة على تعبئـــة عشرات الآلاف من الشباب في تجمعات عموميـــة “للبروباغندا ، و لظرفيـــة عابرة و تفشــل في ارتباط هــؤلاء الشباب بهــذه الأحزاب.

فالمعرفـــة سلاح ووسيلة يتملكها المناضــل لتحصينه ضـــد إختراقات الأفكار السطحيــة والعابرة و التي تشــوه وعيــه الحسي و الجنيني ، و لتسطير برنامـــج تكويني فثمــة أليات بديلة و مرحليـــة ، منها أساسا لقاءات محدودة العدد و محددة محاور التكويــن ،إستثمار المكتبة الماركسية المتاحــة على الأنترنيت لإغنـــاء قدرات المناضلين و مستواهــم ، و ربط محاور تكوين المناضل بإهتماماته الاصليـــة و تخصصاته الدراسية مثـــلا .

3- التواصــل و الإشعاع:

من بين مؤشرات ضعف أحزاب اليسار بالمغرب ، عــدم قدرتها على خلق منبــــر إعـــلامي ، تتوفـــر فيه شروط الإحترافيــة و المهنيــة و يتيح الدعايــة لتصوراته ، و يكون جامعا و محتضنا لخطاب كل اليسار ، ومبادرا لفتـــح نقاشات و طرح قضايا للرأي العام و توفـــره على نوافـــذ تنشر مظالم الناس و تثير إنشغالاتهم اليوميـــة و إعطاء إجابات علميــة لذلك ، بـــدلا من صحافة الرصيف المهيمنة حاليا و التي تبسط “فضائح” و لكن لا تطرح “بدائل” بكل بساطة لأنها مقاولات تجاريـــة و ليست تيارات سياسية ذات مشروع مجتمعي.

و من المعلوم جدا ، أن هـــذه الإمكانية متاحـــة و لا تحتاج إلا لإرادة و مبادرة وقـــرار ، خصوصا بعد هــذه الثورة التكنولوجية التي تتيح موقع إليكتروني في أعلى مستويات جودته لا في شكله و لامحتواه بإمكانيات ماديــة جــد بسيـــطة.

هـــذه أبرز المحاور التي يجب على شبيبة حزبنا الاستغال عليها ، أدبيا قبل المؤتمر و عمليا بعد المؤتمر ، بإعتبارها محاور تجيب عن جزء من ســـؤال التأثير السياسي للشبيبة والحزب ، والذي يؤرق بالنا جميعا.

ملاحظة أخيرة

في الآونة الأخيـــرة نستشف محاولات لتسييد صورة أن شباب المغرب وضع خطا فاصلا في علاقته بالشأن العام ، ونفوره وعزوفه…وغير ذلك من المغالطات.

ولعل من بين أكبر المغالطات التي قد تعتري هذه الأرضية ككل وتفقدها مضمونها العلمي عدم تدقيق بعض المفاهيم الشائعة وإحلال مكانها الصواب ولو كان مهجورا.

أولا ليس هناك شيء إسمه قطيعة الشباب مع السياسة والشأن العام بصفة عامة،إنما هناك مشاركة غير واعية ونتيجة عفوية غير مسؤولة وغير ذات هدف إستراتيجي أو مرحلي ، وهذا التعاطي غير العقلاني للشباب مع الشأن العام ناجم عن تمثل السياسة في ذهنية الشباب ، نتيجة ما رسخته الدولة،حيث إما أن السّاسة شرذمة من الإنتهازيين والوصوليين وإما أن السياسة أقرب الطرق إلى السجن !!! وتعششت هذه الأفكار بشكل مرضي ومستفحل في ظل غياب تثقيف شعبي علمي وسط الشباب لتصحيح هذه التمثلات الخاطئة وبالمقابل تمليكه و تسليحه بآليات التحليل العلمي وتوجيه طاقاته نحو السبل ذات الأفق الواعد المنعكس إيجابا على الشباب ومستقبله.

أما من حيث المسؤولية في هذا التعاطي السلبي للشباب مع الشأن العام ترجع بالأساس وبلا غلو ولا ذاتية إلى الدولة،فإذا كانت هذه الأخيرة تتعاطى في السابق بالقمع الشرس وإحصاء الأنفاس فالآن تتعاطى بإغراق ساحة النضال الشبابي بتنظيمات صفراء بغاية تمييع العمل في الميادين ذات الصلة بالشباب فضلا عن المراقبة البعدية وتصيد فرص تقويض وتلغيم مجال إشتغاله.

والمفارقة العجيبة كيف تنشد الدولة الآن مشاركة الشباب في الشأن العام،وتختزله في العملية الإنتخابية وفي مغرب لازال يطرح فيه سؤال جدوى المشاركة في جو غير سليم حيث إغراق الساحة السياسية في تنافس وهمي بين أحزاب تفتقر إلى القدرة لا على السلطة ولا على المعارضة ( بالنظر لعوائق تشريعية وسياسية).

والمفارقة العجيبة الأخرى في أن جانب من المسؤولية يتحمله كذلك بعض المعول عليهم،فبدلا من تدعيم الانخراط الواعي للشباب في الشأن العام ، يعملون على تخوين الجميع ورفض الإشتغال في المنظمات الجماهيرية ونجدها تؤطر لهذه القطيعة سياسيا وتؤصّل لها نظريا و تكرس للامبالاة بإعتبارها شكل من أشكال التمرد والإحتجاج في حين أنها موقف عدائي وبدائي لا مكان فيه للإرادة والوعي ومن ثمة فهي خارج التاريخ ، فالفرار من المسؤولية،مهما كانت المبررات ، إرتماء نحو المجهول ولن يجد له أحد مسوغ في تاريخ حركات النضال الاجتماعي في تاريخ الشعوب.

*مناضل حزبي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *