متابعات

رئاسيات الجزائر .. نجاح بوتفليقة لعهدة رابعة إهانة للشعب الجزائري

حطم ترشح عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية الجزائرية المنتظرة في 17 أبريل 2014 كل الأرقام القياسية من حيث الغرابة وشره السلطة الذي عبر عنه الرئيس المريض والغير قادر على مخاطبة الشعب الجزائري منذ شهور طويلة إلى حد أنه غاب حتى عن عيد استقلال الجزائر ولم يلق أي خطاب بالمناسبة.

بوتفليقة الذي سيحتفل بعيد ميلاده الحادي والسبعين خلال مارس 2014، حكم الجزائر لمدة 15 سنة وهي أطول مدة حكم فيها رئيس جزائري إذ حطم الرقم القياسي المسجل في عهدة الراحل بومدين الذي عمر في قصر المرادية 13 سنة بعد انقلابه العسكري على أستاذه وصانعه أحمد بن بلة.

الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حكم الجزائر بقوة الحديد والنار مستعينا بالجيش والمخابرات، بل تحديدا مستغلا تناقضات الأجهزة الجزائرية، وأقصى المعارضة السياسية واعتقل الصحفيين والمدونيين، الشباب الذين اعتقلوا بتهم المس بأمن الدولة ونكل بالصحافيين وقتل الفنانيين وشرد السياسيين في المنافي والمعتقلات.

لذلك نجدد كمناضلين حقوقيين مغاربة تضامننا المطلق معهم، ودعوتنا المنظمات الدولية المعنية لحقوق الإنسان الضغط على النظام الجزائري من أجل إطلاق سراحهم وفتح تحقيق في كل الجرائم السياسية التي ارتكبت في الجزائر واتهمت بها القوى الإسلامية المتطرفة لوحدها.

الغرابة التاريخية في ترشح بوتفليقة، هي أنه لأول مرة في التاريخ السياسي العالمي لا يستطيع المرشح الرئاسي مخاطبة الشعب الذي يتمنى أن يصوت عليه، فعبد مالك سلال رئيس الوزراء الجزائري هو الذي أعلن على أمواج تلفزيون الجزائر والنهار، ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة.

وأجدني متفقا تماما على ملاحظة الأستاذ علي بلحاج القيادي الإسلامي الذي رفضت أوراق اعتماده كمرشح، اتفق معه عندما قال بأن عجز الرئيس الجزائري عن تقديم أوراق اعتماده شخصيا وعجزه عن ملئ استمارات الناخبين المطلوبين في الولايات الخمسة والعشرين أو من خلال الناخبين الكبار في البرلمان الجزائري كما ينص على ذلك القانون الانتخابي الجزائري، دليل على أن بوتفليقة رجل مريض لا يقوى على تسيير شؤون البلاد. فهل ستحكم الجزائر من أسرّة المستشفيات الباريسية؟

أما الزعامات السياسية الجزائرية فقد أجمعت على أن ترشح بوتفليقة لولاية رابعة دليل على أن النظام الجزائري مصر على تزوير الانتخابات، وعلى إعلان بوتفليقة رئيسا للجزائر حتى وفاته. هذا ما أكده جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد الذي صرح لوسائل الإعلام عقب تأكد ترشح بوتفليقة بأن الجيش الجزائري يستعد لإعلان الجزائر جمهورية وهمية أو وراثية في المستقبل، في إشارة منه إلى النفوذ المتزايد الذي بات يحظى به سعيد بوتفليقة أخ الرئيس (والذي ساهم مؤخرا في مفاوضات شراء سلاح روسي وغواصتين حربيتين).

أما زعيم حركة رشاد المعارضة في الخارج، والتي تتبنى مقاومة النظام الجزائري باعتباره نظاما غير شرعي يجب مقاومته مقاومة سلمية وليس معارضته، ترى في ترشح بوتفليقة استمرار لحكم المخابرات DRS، وتتهم فرنسا بحماية بوتفليقة ونظامه من الانهيار بدعوى الخوف من الإسلاميين، كما أن حركة رشاد عن طريق ناطقها الرسمي الفعلي الدبلوماسي العربي الزيتوت، أكد أن الشعب الجزائري هو الذي يجب تقرير مصيره وليس الشعب الصحراوي المزعوم الذي تصرف الجزائر على احتضان قيادته المجرمة خيرات الشعب الجزائري المحروم.

النخبة السياسية الجزائرية المحترمة قاطعت الانتخابات الرئاسية، بداية من التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية حزب سعيد سعدي، الذي اعتبر الانتخابات الرئاسية الحالية مسرحية ضعيفة الإخراج ودعا إلى مقاطعتها مرورا بحركة عبد الله جاب الله وحركة مجتمع السلم بقيادة عبد العزيز مقري، الذي اعتبر يوم ترشح بوتفليقة يوم حداد وطني على الديمقراطية الجزائرية المغدورة.

وجبهة الإنقاذ الإسلامية التي طالبت بضرورة إعلان الحكم الجزائري مرحلة انتقالية تسمح بفتح حوار جدي وصريح حول مستقبل الجزائر بمشاركة كل القوى الحية بالبلاد قبل أية انتخابات، ولكن هذه الدعوة بطبيعة الحال لا تعرف طريقها إلى التنفيذ لان جنرالات الجزائر لا يريدون الديموقراطية ويعملون بالليل والنهار من اجل تعطيل المسار الديموقراطي.

الشعب الجزائري قاوم الاستعمار الفرنسي لمدة طويلة حوالي 132 سنة وحصل على استقلاله بفضل تضحيات المجاهدين والمقاومين، ولكن جنرالات فرنسا خرجوا من الأبواب ليدخلوا عبر النوافذ وسيطروا على خيرات الشعب الجزائري.

إننا كشعوب مغاربية ننتظر انتفاضة الجزائريين ضد الحكم العسكري الديكتاتوري، الذي عطل التنمية بالجزائر وآخر الاتحاد المغاربي وشجع واحتضن الإرهاب وأصبح جنرالات الجزائر يهددون الجيران ويفتعلون الأزمات من أجل تفريق الشعوب المغاربية ومن أجل الهاء الشعب الجزائري، في حروب دونكيشوتية الهدف منها إطالة أمد نهب ثروات الشعب الجزائري.

الميزانية العامة للجزائر تتعدى 70 مليار دولار وأسعار الغاز والبترول في تصاعد كبير لكننا لا نرى انعكاس ذلك على شعبنا في الجزائر بل نرى بؤسا وفقرا وثراء غير مشروع لأقلية حاكمة فاسدة. ولعل فضائح صوناطراك والخليفة شاهدة على هذا الفساد، لنقارن بين الثروات الطبيعية الجزائرية وبين ما تملكه تركيا، ولنقارن الإنسان التركي والإنسان الجزائري. فالأتراك في تنمية اقتصادية هائلة وتقدم على سلم التنمية الاجتماعية -الرتبة 21 هذه السنة)، رغم أن تركيا تحيط بها الأزمات والأعداء من كل صوب وحدب. فيما الجزائر تتدحرج في أسفل الرتب الاجتماعية والاقتصادية (الرتبة 113 هذه السنة في سلم التنية البشرية العالمي).

إنني لا أريد أن أقارن بين الجزائر وبلدي المغرب الذي لا يملك من الثروات الطبيعية إلا الشيء اليسير، ولكن يتفوق تنمية ودخلا على الجزائر الشقيقة، هذه ليست مزاعم شوفينية أو ادعاءات باطلة، وإنما هي الحقيقة. فمعدل الأجور في المغرب مقارنة مع مجموع الميزانية العامة للدولة التي تبلغ 21 مليار دولار، تبقى أهم من الجزائر رغم أن المغرب يعاني أزمات اقتصادية وسوء تدبير وبطالة وتكاليف تغطية قضية الصحراء المفتعلة من طرف أشقائنا في الجزائر والتي تنهب ميزانية الدولة.

الشعب الجزائري مطالب بالقيام بثورة ثانية ضد أذناب الاستعمار الفرنسي ومخلفاته في الجزائر، ولن يكون ذلك سوى بمقاومة سلمية تدفع إلى تحقيق تغيير ديمقراطي يقطع مع حكم الجنرالات ومع القمع الممنهج الذي تعرفه حرية الإعلام والصحافة، حيث سجلت منظمات حقوقية دولية مثل “هيومان رايت وواتش” في تقريرها السنوي الأخير، على أن الجزائر عدوة للصحافة ولحقوق الإنسان، وإنها ما تزال تمنع المنظمات الحقوقية الدولية من ولوج أراضيها، في الوقت الذي تدعي فيه الجزائر حرصها على حقوق الإنسان بالصحراء المغربية، انها المفارقة !

إن الشعب الجزائري قادر بصموده ووحدة قواه على أن ينهي حقبة حكم ورثة الحرب الباردة الذي نهبوا ثروات الجزائريين وعطلوا ركوب الجزائر لقطار التنمية والحداثة والديمقراطية.

الجزائر دولة محورية في شمال إفريقيا، لكنها مسكونة اليوم بعفاريت التسلح والخديعة والمؤامرات ضد الشعب الجزائري وضد الجيران، وسنكون نحن المغاربيين سعداء بربيع جزائري سلمي وديمقراطي، يعيد إلينا الحلم النوميدي الوحدوي ويعمق أواصر المحبة والتعاون المغاربي.

إننا نعلم تمام المعرفة أن كلفة اللامغرب مكلفة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، لذلك يجب أن نسعى دائما لتحقيق الوحدة المغاربية، في أفق التخاطب والتحاور مع الشركاء الدوليين من موقع القوة والندية لا من زاوية الهزيمة والانقسام والدونية.

* باحث في العلاقات الدولية.

* المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان.

* عضو مركز الجنوب للتنمية والحوار والمواطنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *