وطنيات

اتفاقية الصيد بين أوروبا والرباط .. هل أخطأ المغرب التقدير؟

اعتبر بيان للخارجية المغربية مصادقة النواب الأوروبيين الثلاثاء الماضي على اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب “نصرا دبلوماسيا” للرباط.

وصوت على هذه الاتفاقية 310 نائبا، أي بزيادة 14 صوتا عن اتفاقية سنة 2011، فيما عارضها 204، بينما امتنع 49 شخصا وارتفع عدد الذين رفضوا التصويت إلى 202، أغلبهم من الحزب الإشتراكي الأوروبي.

وجاءت هذه المصادقة عقب مرحلة من التوتر بين الطرفين استمرت لثلاث سنوات، حيث طالبت أصوات في البرلمان الأوروبي بـ “تعديل أو تعليق هذه الاتفاقية لكونها تشمل شواطئ الصحراء الغربية المتنازع عليها ولا تأخذ بعين الإعتبار مصالح سكان هذه المنطقة”.

ودفعت تلك الأصوات المعارضة البرلمان الأوروبي إلى رفض هذه الاتفاقية في نهاية 2011، بعدما أصدرت الهيئة القضائية التابعة للبرلمان الأوروبي قرارا مفاده أن هذه الاتفاقية “تفتقد للسند القانوني وتتعارض مع التشريعات القانونية”.

وبررت الهيئة قرارها باعتبار أن الاتفاقية شملت شواطئ “الصحراء الغربية” المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو دون أن يتم استشارة الطرف الصحراوي في ذلك عند توقيعيها.

وترى هذه الهيئة المتخصصة في النزاعات القانونية أن الأقاليم الصحراوية لا تستفيد من العائدات المالية لهذه الإتفاقية، وهي أسباب كافية في نظر الهيئة لإلغاء الاتفاقية أو حذف الجزء المتعلق بالشواطئ الصحراوية منها.

من جهته يعتبر المغرب أن مبررات المعارضين للاتفاق مجرد “إدعاءات ومزايدات سياسية”، وورقة ضغط تستعملها المنظمات الصحراوية والجهات المؤيدة لها للتشويش على العلاقة المتميزة التي تربط المغرب بالإتحاد الأوروبي.

العلاقات المغربية الأوربية

شكل ملف الصيد البحري منذ استقلال المغرب، مصدر توتر دبلوماسي بين الرباط ومدريد. وكان في البدء يكتسب أهمية سياسية واقتصادية، فمن جهة أسعف المغرب في التفاوض مع إسبانيا حول استعادة أجزاء من الصحراء تدريجيا مثل “طرفاية” و”سيدي إفني” ومن ثم الصحراء بالكامل، ومن جهة أخرى كان يمتلك معنى إقتصاديا بحكم أن التعويض كان يساهم في الرفع من ميزانية المغرب في وقت كانت موارد البلاد محدودة.

ومنذ انضمام إسبانيا إلى الإتحاد الأوروبي سنة 1986، لم تعد إسبانيا هي المفاوض لتجديد إتفاقية الصيد، بل الإتحاد الأوروبي.

وفي سنة 1999 أقدم المغرب على إيقاف اتفاقية الصيد البحري وامتنع عن تجديدها وذلك لعاملين إثنين؛ الأساليب المدمرة للثروة السمكية التي يستعملها الصيادون الإسبان، مما يهدد المياه الإقليمية بإندثار هذه الثروة، والشروط المجحفة ضد الإقتصاد المغربي، فإيرادات الدولة من إتفاقية الصيد البحري لا يعادل الثروة السمكية.

غير أن المغرب أعاد تجديدها بشروط جديدة، حيث استمر المغرب والإتحاد الأوروبي في تجديد هذه الإتفاقية كلما أشرفت على الانتهاء وكان آخر تجديد هو الثلاثاء الماضي، حيث تم ذلك لأربع سنوات قادمة أي إلى غاية 2015، بناءً على نفس الشروط والبروتوكولات التي قامت عليها الإتفاقية السابقة.

الخارجية الأمريكية تدخل على الخط

منذ تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي في أبريل من سنة 2007 إلى منظمة الأمم المتحدة، زالذي ينص على منح الصحراويين حق الحكم الذاتي لتسيير أوضاعهم السياسية والاقتصادية تحت السيادة المغربية، لم يشهد ملف الصحراء تطورا لافتا يمكن تصنيفه بالمنعطف الذي يمنح بعدا جديدا للنزاع حتى أعلنت الولايات المتحدة اقتراحها الذي قدمته إلى مجلس الأمن يوم 9 أبريل 2013 وينص على ضرورة تكليف قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.

العنصر الثاني الذي بدأ يلقي بتأثيراته على ملف الصحراء هو نهج جبهة البوليساريو استراتيجية الحد وعرقلة استغلال المغرب للثروات الطبيعية في الصحراء. وتهدف البوليساريو من وراء هذا إلى إظهار المغرب فاقدا للسيادة ولا يمكنه استغلال منتوجات الصحراء دوليا.

هل أخطأ المغرب التوقيع على الاتفاقية؟

شكل إلغاء البرلمان الأوروبي لإتفاقية الصيد البحري مع المغرب يوم 14 ديسمبر 2011 منعطفا في توظيف ملف ثروات الصحراء في النزاع القائم بين المغرب والبوليساريو.

وبعد سنة ونصف من المفاوضات صادق البرلمان الأوروبي على الاتفاقية يوم 10 ديسمبر ولكن بشروط مرتبطة بحقوق الإنسان في الصحراء واستثمار جزء من التعويض في الصحراء.

ويرى الخبير المغربي “حسين المجدوبي” أن المغرب “ارتكب خطئا يمس سيادته على الصحراء بتمييزه الصحراء عن باقي المغرب”، مضيفا أن الإتحاد الأوروبي صادق على إتفاقية الصيد بشروط تمس سيادته ومغربية الصحراء لأنه قام بتمييز منطقة الصحراء في الإتفاقية حقوقيا وماليا عن باقي مناطق المغرب”.

وهذا ما أكده، حسب رأيه، وزير الصيد البحري الإسباني “أرياس كانييتي” في مناسبات عديدة عندما قال إن “الاتفاقية الجديدة تأخد بعين الاعتبار الهواجس الحقوقية وتنمية مناطق الصحراء التي يطالب بها بعض النواب”، في إشارة إلى الأحزاب اليسارية والخضر والليبراليين.

الإنتصار الدبلوماسي بين الوهم والحقيقة

أكد “عزيز أخنوش” وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي، أول أمس الثلاثاء بالرباط، أن “بروتوكول اتفاق الصيد البحري الذي صادق عليه البرلمان الأوروبي، “عادل ومتوازن”، مضيفا أن هذا التصويت يعد بمثابة “دعم للسياسة التي تنهجها المملكة”.

كما اعتبرت عضوة البرلمان الأوروبي “رشيدة داتي” أنه، من خلال تصويته، بأغلبية واسعة على بروتوكول الصيد، يكون البرلمان الأوروبي قد جدد التأكيد على إرادة الإتحاد السير قدما في علاقاته مع المملكة.

وأوضح الكاتب العام للصيد البحري بوزارة الفلاحة والتغذية والبيئة “كارلوس دومينغيز” أن الحكومة الإسبانية تعرب عن ارتياحها عقب مصادقة غالبية كبيرة من النواب الأوربيين على بروتوكول الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

بالمقابل، صرح ممثل جبهة البوليساريو لدى الاتحاد الأوروبي “محمد سيداتي”، لوكالة أوروبا برس أن “جبهة البوليساريو مستعدة لبذل الجهود لتفادي تطبيق هذه الاتفاقية”، واعتبر “سيداتي” أن الإتحاد الأوروبي “يشجع المغرب على إحتلال الصحراء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *