المشهد الأول

زيارة الملك محمد السادس للداخلة .. رسائل للخارج والداخل

خلال زيارته الأخيرة لمدينة الداخلة حاضرة جهة وادي الذهب، وجه الملك محمد السادس عدة إشارات لمن يهمهم الأمر، أولا من خلال بعثه لرسالة تهنئة لعبد العزيز بوتفليقة بمناسبة فوزه برئاسة الجزائر مذيلة بعبارة تتعلق بكونها حررت بالداخلة بالصحراء المغربية، وثانيا عندما تم استقبال وزير الداخلية الإيفواري بذات المدينة، مما أثار استياء قيادة جبهة البوليساريو التي تفاجأت من قوة هذا الاستقبال ودلالاته الكثيرة، وثالثا عندما سلط عدد من وسائل الإعلام الضوء على ملامح المجهود التنموي التي تعرفه مدينة الداخلة وجهتها.

وهي رسالة أخرى مفادها أن الأوراش التنموية حقيقية ومستمرة ولاتتأثر برياح الديبلوماسية الدولية، كما أن توقيت الزيارة هو في حد ذاته رسالة للمجتمع الدولي ولمجلس الأمن خلال مناقشته قضية الصحراء، إلى هنا نجح الملك محمد السادس على أكثرمن مستوى في تمرير رؤيته لقضية الصحراء، وتنفيذ معالمها على أرض الواقع.

لكن بالموازاة مع هذا المجهود الملكي الفعال، لايزال القصور والوهن يعتري الديبلوماسية المغربية، إذ رغم التصريحات المفرطة في التفاؤل التي أطلقها وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، فإن الأداء لم يتغير والإيقاع لم يرتفع والممارسات بقيت على حالها، إذ كان من المنتظر سن سياسة هجومية تورم تحقيق اختراقات لفائدة قضية الصحراء واستعادة عدد من المواقع.

فالنتائج واضحة في ظل الأعطاب التي تطال الديبلوماسية المغربية من قبيل غياب الكفاءة لدى عدد من الديبلوماسيين، واستشراء داء المحسوبية والزبونية في ما يتعلق بالتعيينات في مناصب المسؤولية في وزارة الخارجية، هذا بالإضافة إلى انعدام التواصل والإبداع والمبادرة لدى الغالبية العظمى من المسؤولين الديبلوماسيين المغاربة، حيث يعمد أكثرهم إلى الانخراط في تطبيق سياسة “كم حاجة قضيناها بتركها”، لذلك تحولت إقامة عدد من السفراء والقناصلة بالعواصم العالمية إلى عطل مؤدى عنها، أو بالنسبة للبعض الآخر إلى تقاعد مريح بعد المرور بإحدى الوزارات.

كما أنه على مستوى الديبلوماسية البرلمانية والموازية التي من الممكن أن يقوم بها منتخبو الصحراء، يلاحظ أيضا أن أداءها يحتضن قصورا كبيرا وإخلالا بالمسؤولية، حيث اكتفى غالبية المنتخبين بأقاليم الصحراء بتحويل القضية إلى أصل تجاري لمراكمة المنافع والامتيازات والبقاء في المناصب.

أما على صعيد مايسمى بالديبوماسية الشعبية، فإن الفشل أيضاً أعترى أداءها ماعدا بعض المبادرات الجادة والقليلةـ، حيث تفشت ظاهرة مشينة تتمثل في تمكين بعض جمعيات الريع من امتيازات مالية مهمة، علما أن تأثير هذه الجمعيات للأسف محدود، وفي غالب الأحيان تأتي تحركاتها بنتائج عكسية.

لقد حان الأوان لإعادة النظر في أداء الدبلوماسية المغربية، وتجاوز السلبيات التي تطال العمل الديبلوماسي الرسمي والشعبي والبرلماني، والابتعاد عن “الموسمية” في معالجة قضية الصحراء، والتحلي باليقظة المستمرة والتعبئة القوية والتحرك الفعال، خصوصا وأن قضية المغرب الأولى عادلة ما ينقصها فقط سوى محامون بارعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *