خارج الحدود

فنان صيني يأخذ الفن الى ابعاد قصوى .. مازجا بين الغرابة والمازوشية‎

هي يونشانغ هل هو الفنان الصيني الاكثر راديكالية، الاكثر غرابة ام الاكثر مازوشية؟ انه جميع هؤلاء من دون ادنى شك بالاستناد الى “اعمال” هذا الرجل البالغ 48 عاما والذي وضع نصب عينيه حدودا وحيدة هي البقاء حيا.

ولا ينام هي يونشانغ قبل بزوغ الفجر، فهو يستقل زواره في منزله الذي يستخدمه ايضا كمشغل في حي كاوتشانغدي في بكين المعروف بمعارضه الفنية الطليعية.

وهذا الرجل المتوسط الطول والمفتول العضلات حليق الرأس بالكامل تقريبا لكن لديه خصلة شعر صغيرة فوق اذنه اليسرى. وجلده مخطط بالندوب.

وبمظهره الخجول، يقدم هي يونشانغ لزواره اكوابا من الشاي المزروع في منطقة شينجيانغ، وسط صمت لا يخرقه الا اصوات قططه خلال تسابقها.

ويقول هي بصوت مبحوح تظهر فيه اثار تدخينه 120 سيجارة يوميا “اذا ما كان الامر يستحق العناء، بإمكاني وضع سلامتي الشخصية في المرتبة الثانية. لكنني ابقي على الاشياء كلها تحت السيطرة، فمن الضروري الا اقتل نفسي”.

وينقلب جو الجلسة الى رمادي عندما يضع هو يونشانغ قلادته الشهيرة المصنوعة من الذهب الخالص مرفقة بعظمة طولها 23 سم مستخرجة من ضلوعه الخاصة.

فمن دون سبب طبي، اجرى الفنان عملية في الثامن من اغسطس 2008، وهو تاريخ لم يختره من باب الصدفة اذ انه تاريخ افتتاح الالعاب الاولمبية في بكين. وكانت العالم كله شاخصة نحو الصين اما هو فاختار الخضوع لعملية جراحية في مقاطعته يونان جنوب الصين.

العبثية، العري، الدماء، الصدمات، الندوب، لكن ايضا الشعر، الحميمية، التناقضات: كلها عناوين تختصر عالم هي يونشانغ.

واعمال هذه الفنان المتعدد المواهب في النحت والتصوير والرسم، تعرض وتباع في اوروبا وصولا الى اميركا مرورا باستراليا.

وهذا الرجل المتزوج والأب لولد واحد بنى شهرته العالمية على احداث ملطخة بالدماء.

كما الحال في يوم من ايام  اكتوبر 2010 حيث جمع 25 شخصا في انتخابات بالاقتراع السري لاختيار ما اذا كان سيمزق جسده من الترقوة الى الفخذ. وتم التصويت لصالح هذا الخيار باكثرية 12 صوتا مؤيدا مقابل اعتراض 10 وامتناع ثلاثة عن التصويت.

وهذا العمل الذي اطلق عليه اسم “متر واحد من الديموقراطية” يضم صورا وتسجيل فيديو يصعب تحمل مشاهدته، بالامكان رؤيتها في منطقة 798 للفن المعاصر في بكين.

ومن خلال الحاقه هذه الجروح بجسده، يرمي هو الى “ضخ قوة اكبر” الى اعماله. ويقول “اريد نقل رسالة بأنني مستعد لدفع ثمن كبير لاظهار قلقي حيال العالم”.

لكن هي يونشانغ يحب ايضا الاستعراضات القاسية والخاطفة، عبثية كانت ام شاعرية.

فقد قام في احدى المرات بتعليق نفسه على رافعة ورأسه الى الاسفل وحمل بيده سكينا فوق احد الانهر، وذلك في محاولة لـ”فصل دفق النهر الى قسمين”.

وفي استعراض اخر، قام هو يونشانغ بجمع الحصى من على شاطئ في انكلترا ثم نقله على مدى 112 يوما، اي ما يوازي 3500 كلم سيرا على الاقدام، ثم اعاد وضعها في مكانها الاصلي تماما.

وبرأي جوديث نلسون مؤسسة معرض “وايت رابيت” في سيدني والمتخصصة في الفنانين الصينيين الحديثين، فإن “هي يونشانغ يعتبر كيميائي الالم”.

وتوضح لوكالة فرانس برس ان “مشاهدة عذاباته تثير مجموعة من الردود القوية”، مضيفة ان “هي يونشانغ يرى في الالم والانزعاج الاقصى اللذين يخضع لهما طوعا، بعدا خارقا يصنع من اي خطوة عادية عملا فنيا”.

وباعماله الغريبة كابتلاعه مياه البحر المالحة وتعريض عينيه لضوء جدار من اللمبات وحبس نفسه في مكعب اسمنتي واحراق ثيابه خلال ارتدائه لها وصولا الى جلده، يثير هي يونشانغ انزعاجا.

وتعتبر نلسون انه “يلعب دور الناقد الصامت للمجتمع الصيني المعاصر الذي يعاني ناسه شتى انواع العذابات باسم المال، سيما انهم يعتقدون ان هذا المال سيوفر لهم حماية افضل”.

حاليا، اشهر الفنانين الصنينيين هو المنشق اي وي وي الذي يتعرض لملاحقة شرسة من النظام الشيوعي. ويتبادل اي واي واي وهي يونشانغ، وهما جاران في حي كاشوغاندي، الاعجاب.

ويقول اي وي وي لوكالة فرانس برس ان “عمل هي يونشانغ هو مزيج من اللعب، الرواية الشخصية، الرسالة السياسية والقصيدة الشعرية”، مضيفا “بعمله يحاول التقاط الحياة وسط الانقاض”.

لكن خلافا لاي وي وي، نجح هي يونشانغ في البقاء بعيدا عن مرمى الشرطة.

على العكس، فقد واجه مشاكل في الخارج، لكن من دون تفاقمها بشكل خطير.

ففي 2007، خلع هي يونشانع ملابسه في وسط الشارع في نيويورك ونظم مسابقة للعبة “ماه – جونغ” يتم خلالها استبدال احجار القرميد الصغيرة باحجار طوب ضخمة. لكن هذا النشاط توقف قبل نهايته. كما حصل في 2005 عند محاولته البقاء عاريا برد قارس على صخرة في شلالات نياغارا.

وفي معرضه الفني الاخير الشهر الماضي، قام هي يونشانغ بطلاء اظافر عشر عارضات بدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *