حوارات

مجيبير: دعوات الانفصال أفقها مسدود وأدعو صحراويي الخارج لزيارة بلدهم للوقوف على حقيقة مغالطات قيادة البوليساريو

عبد السلام مجيبير، فاعل جمعوي وسياسي بمدينة أكادير، مستشار جماعي سابق بجماعة أكادير، وواحد من أبناء قبائل تكنة قبيلة إزركيين اشتوكة أهل الشيخ محمد، وهو بالمناسبة خال جيمي الغالية.

ويقول مجيبير الفاعل السياسي والجمعوي والكاتب العام للمنتدى الوطني لشباب الصحراء، في حوار له مع “مشاهد.أنفو”، إن الأوضاع في مخيمات الحمادة تشهد احتقانا كبيرا يقابله عنف يمارس من طرف عسكر الجزائر وميلشيات البوليساريو على شباب التغيير، مضيفا أن الجميع مدعو لحماية أبناء الصحراويين من الجيل الثاني الذين ازدادوا بديار المهجر إلى العودة إلى وطنهم للوقوف على الحقيقة بعيدا عن دعايات قيادة البوليساريو التي تعيش في بذخ وترف.

كيف تفسر وجود حالات انفصالية محدودة داخل بعض الأسرالصحراوية في حين أن جل أفرادها مواطنون وحدويون؟

إن الظروف التي صاحبت هذا المشكل منذ بدايته في السبعينات تخللته أخطاء وأغلاط أدت إلى اعتقالات البعض بدون موجب حق وهذا نعتبره داخل في إطار الاختلالات التي عرفتها مرحلة السبعينات والثمانينات، إلا أن سياسة الانفراج التي نهجتها الدولة المغربية. وذلك من خلال إقرار هيئة الإنصاف والمصالحة حيث تم الإنصات والاستماع إلى جل الحالات الماسة بحقوق الإنسان داخل ربوع الوطن عامة وداخل الصحراء خاصة، حيث تم جبر الضرر وتم صرف التعويضات للضحايا، كل هذه المتغيرات لا يجب أن نمر عليها مرور الكرام.

فأضحينا أمام حالتين من الضحايا، ضحايا استطاعوا التعايش وآثروا النسيان واندمجوا في المجتمع، وآخرون آثروا الرفض والامتناع عن الانخراط في أي توجه يكون مبنيا أو قائما على التسامح والنسيان واستشراف المستقبل. لا يخفى على أحد مدى الإحساس بالظلم والحقد الدفين والرغبة في الانتقام التي تتملك الأطراف الرافضة لأي تعايش أو تسامح، الشيء الذي يجعل الحقد والغضب والانتقام هو السبيل الوحيد والأوحد بل أصبح أمرا مرتبطا بالوجود.

أظن أن جبر الضرر والاعتذار والتعويض مسألة لا يمكن التعامل معها باستخفاف… بل يجب الوقوف عند سياستها وفلسفتها حتى نتمكن جميعا من التعايش في سلام مع الذات، ومع المجتمع، ليبقى التطلع إلى المستقبل في ظل ديموقراطية حقيقية تشاركية حداثية تقطع بشكل تام مع ممارسات الماضي البغيض وهي الطريقة الكفيلة لبناء الأوطان، وتهيئ الأجيال لمستقبل يضمن الحياة الكريمة لكل المواطنين المغاربة، فما ضاقت الأوطان بأهلها ولكن قلوب الرجال تضيق.

تشهد مخيمات الحمادة بتندوف انتفاضات شبابية، هل يتعلق الأمر بثورة على استبداد قيادة البوليساريو؟

كما هو معلوم، وعلى إثر الأحداث التي عرفتها مخيمات تندوف مؤخرا، التي تتمثل في الاعتداءات اللاإنسانية التي تطال ”شباب التغيير” من طرف عسكر الجزائر وميليشيات البوليساريو، وأمام هذا الوضع المقلق الذي عمر زهاء أربعين سنة بين مد وجزر، الشيء الذي زاد الوضع أكثر ضبابية بالنسبة للإنفصاليين. وأمام انسداد هذا الأفق ومن خلال تجربتنا المتواضعة التي قمنا بها في إطار الدبلوماسية الموازية، مع بعض النخب الصحراوية بأوربا التي تحمل شعار الانفصال، تبين لنا بجلاء مدى إحساسها بالغبن والتهميش والعنصرية في صناعة القرار داخل المخيمات.

كما تبين لنا كذلك أن معظم الشباب الصحراوي المقيم بديار المهجر خاصة إسبانيا، يشده الحنين لزيارة ذويه وعائلاته بالأقاليم الجنوبية، غير أن الخطاب الدعائي المضاد ولّد في نفسية هؤلاء الشباب نوعا من الخوف على مصيره ومصير أبنائه أثناء زيارة هذه الإقاليم. إن هذه الدعايات المغرضة يقوم بها ما اعتبره “ثوريو الصالونات” أو مناضلي خمسة نجوم، فهؤلاء يعيشون في بذخ وترف، ويتمتعون ويسافرون ويجتازون أوربا طولا وعرضا، ثم يطالبون اللاجيئين في مخيات الحمادة بأن يصمدوا ويناضلوا في ظروف مناخية واقتصادية واجتماعية يصعب على الإنسان العيش فيها، كيف يعقل أن نرهن آلاف الناس للعيش في ظروف صعبة باسم النضال؟ وباسم حلم تحقيق دولة؟

إن الاختلالات الأخيرة، والانتفاضات التي تزعمها شباب رافض للوضع في المخيمات، كفيلة بأن تضع هؤلاء الذين أطلق عليهم “مناضلو وثوريو الصالونات” كما سماهم تشي غيفارا في وصفه ل”ثوار بوليفيا”، فمن أراد أن يدفع الناس إلى البقاء في تلك الحمادة ما عليه إلا أن يقيم معهم لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وبعدها سنكتشف !! فمن أراد أن يأكل الثوم ـ “على العلم فإن الثوم لا يأكله الصحراويون”ـ فما عليه إلا أن يأكله بفمه وليس بفم الآخرين، أتمنى من الله أن ينور بصيرة الجميع حتى تغلب مصلحة الوطن على المصالح والعقد الذاتية.

هناك تفكك على مستوى الأسرة الواحدة تسبب فيه نزاع الصحراء هل لك أن تقدم لنا نموذجا قريبا منك؟

ينبغي أن نسجل بحسرة أن جل هؤلاء الشباب تجاوزوا عقدهم الخمسين، ولم يتحقق الحلم الوهم، إضافة إلى غياب دفء الأسرة والعيش في ما تبقى من عمرهم مع أهاليهم وأقاربهم، علما أن معظم أباء أو أمهات هؤلاء الشباب المغترب فارقوا الحياة بدون حضورهم، فأسرتي عانت من هذا التفكك، سواء على مستوى الداخل من خلال التجربة المريرة للغالية دجيمي باعتباري أحد أخوالها، كما أستحضر قصة مشرقة تحمل عدة دروس ورسائل، وهي قصة شقيقي محمد وعائلته الصغيرة المقيمة بالديار الاسبانية الذي لم يستمتع بلقاء عائلته طيلة 35 سنة، وبعد نقاش وتوضيح الحقيقة الغائبة عن أذهانهم، قرر زيارة عائلته بالمغرب رفقة أبنائه، حيث كان من المقدر أن يلتحق والده برحمة الله يوم عيد الفطر ورأسه مسنود إلى ركبتيه، أكيد أن تجليات هذه الواقعة ستبقى محفورة في ذاكرته وذاكرة أبنائه إلى الأبد، وستبقى كلماته المقرونة بالشكر والحمد لله على أنه كان حاضرا وإلا فإنه لن يغفر لنفسه.

لقد كان لزيارة أخي محمد وعائلته الصغيرة بالغ الأثر عليهم وعلى كافة أفراد عائلتي، لقد التأم الشمل أخيرا، وعاد الدفء للعائلة، وأضحت الوالدة فرحة بابنها ولقائه وما زادها فرحة هي معرفة أحفادها الذين باتوا يزورونها كل صيف بمدينة أكادير عروس الجنوب المغربي.

ومن خلال التجربة الإنسانية الرائعة التي عشناها مع أخي وعائلته، أتوجه إلى كل العائلات الصحراوية بديار المهجر إلى زيارة ذويهم بالمغرب دون تردد، لأنكم ستكتشفون الحقيقة بأنفسكم، طبقا للمثل الذي يقول: “ليس من رأى كمن سمع”، وستدركون حتما أنكم أضعتم عمرا لن يعود في أشياء لا تستحق العناء، وأتمنى أن لا تخطئوا في حق أبنائكم، حيث المستقبل المجهول !! إني على يقين أن الكثيرين منكم يدركون هذه الحقيقة في قرارات أنفسهم، فلا تترددوا ولا تخجلوا، فحياة المرء قصيرة، والعيش بعيدا عن الأهل والديار يزيدها قتامة وقساوة وتعاسة، فجنبوا الأجيال الصاعدة كل هذه المتاعب.

ما هي الآثار السلبية لهذا التفكك على نفسية الأسر الصحراوية؟

أود أن أشير إلى النتائج السلبية المترتبة في ظل هذا الصراع المفتعل والذي يتجلى في وجود أزمة عميقة داخل الأسر الصحراوية.. بين مؤيد للانفصال وبين معارض له، وكذلك مستقبل الأطفال الذين ولدوا بالديار الأوروبية الفاقدين لكل هوية أو انتماء.

إن إيماننا بدولة الحق والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، كفيل بخلق مناخ وأرضية للحل السياسي المنشود والذي يرضي جميع الأطراف ويتجاوز جميع الجراحات ويدفن جميع الأحقاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *