مجتمع

السبت الأسود بسيدي افني .. اللحظة المؤلمة

مقال رأي:

دخلنا مرة أخرى في الذكرى الرابعة للسبت الأسود، ولا شيء تغير، غير خطاب “كولو العام زين”. فبعد تشطيبات من طرف ذوي القرار السياسي والأمني بالرباط على آخر ما تبقى من أعضاء السكرتارية المحلية إفني بعد أن أدو خدمتهم كما أرادها المخزن، وحتى لا نكون أغبياء في كل مناسبة نقول إننا أخطأنا فيها ولم نتدارك الأخطاء إلا بعد فوات الأوان، سيدي افني ليست ككل المدن المغربية ليس فقط من حيث هندستها المعمارية ولا من حيث تفاعل أبنائها مع الحراك الاجتماعي ولا أيضا مدينة الفناء كما يريدها البعض ولاولا …، ميزتها أنها صانعة القرار السياسي في الصحراء عبر فترات من التاريخ، كان لها السبق في تفضيل الحماية الإسبانية على الفرنسيين، وكانت عاصمة لحاضرة آيت بعمران.

هي مدينة مازال الإسبان يدعون أنها مدينتهم بفسيفسائها وذكرياتها السارة والتعيسة، وأن تربتها مازالت تحتضن جدتهم سانتاكروز، أما بالنسبة للسكان الأصليين فالمدينة ليست إلا ضفتي واد “أسيف أنذر” الذي يفصل قبيلتين متحالفتين منذ الأزل، في جهة كلومينا أو حي للامريم، أراضي قبيلة آيت اخلف، وفي الجهة اليسرى من جبل بولعلام قبيلة امستيتن، لكن أفراد القبيلتين صارتا بدون مخالب اليوم، فتم اغتصاب الأرض والاستحواذ عليها بطرق مشبوهة وساهمت السلطة في تغيير بنيتها السيولوجية على مقاسها الخاص.

الحديث عن موضوع سيدي افني، طويل جدا يحتاج إلى مقالات، لكن في مقالنا اليوم سنقتصر على خطورة “البلوكاج السياسي” الذي نعيشه منذ سنة 1947 إلى اليوم، وحتى نتعرف عن الأسباب، والأخطاء المتراكمة، لابد من التذكير بأهمية النقد الذاتي لنعرف أين نحن من قيمتنا التاريخية، التي لا تمحى من الذاكرة.

أولا: المدينة عاشت فترات مهمة في التاريخ المعاصر، وكسب أهاليها تجربة سياسية، لم يطلع عليها المغاربة إلى حدود اليوم. عاشت مرحلة التأسيس والازدهار مابين 1934 إلى 1947، أي حوالي 13 سنة كافية للاندماج وبناء المؤسسات، بما فيها العسكرية والإعلامية والرياضية، وهي مرحلة أخرى اندمج فيها أمازيغ الصحراء مع الإسبان وتم استغلالهم ببعد ديني من طرف “فرانكو” حين أغراهم بمهاجمة الشيوعيون”الرخو” إدعاء منه أنهم كفار ويجب محاربتهم، وخلف ذالك مأساة من كلا الجانبين مازالت ساكنة أمازيغ الصحراء تعاني منها إلى حد اليوم. ويكفينا الإطلاع عما كتب عن المدينة وتاريخها السياسي، دون أن ننسى طبعا أهمية العرف في إدارة قضايا القبائل، حتى إن ساكنة المدينة تم تصنيفها إلى أصليين وأسبان ودخلاء، وحسب بطائق بيضاء وخضراء وحمراء، وهو ما يعني أن المدينة يسيرها حاكم أشبه بحكم مبارة رياضية.

ثانيا: ما بعد فترة الإزدهار عاشت المدينة مابين 1947 إلى سنة 1957، مأزقا سياسيا اجتمع فيه السياسي بالحربي، لكن خطورة تلك المرحلة يقتضي منا التأكيد على أن أسباب معاناة الأمس لا تزال قائمة اليوم، بدء بالحديث عن سبب اندلاع ضجة التجنيس بسيدي افني 6 أبريل 1947، التي قادها الحاج أشنيض من فرقة آيت شعيب، من قبيلة إمستيتن وهو بالمناسبة “طالب” أراد الذهاب إلى الحج بمعية زملائه وعندما وصلوا إلى تطوان أكد لهم المشرفون على أن جوازات سفرهم اسبانية وهو ما أغضبهم وانعرج زعيمهم في اتجاه تونس وتتلمذ على يد أعضاء من الحزب الدستوري التونسي مبادئ السلفية كما هو وارد في يومياته، واتخذ قرارا في البداية بمفرده بإصدار بيان يتهم فيه الإسبان بمخالفة الشريعة الإسلامية كما اتهم زعماء القبائل بالإستلاب والتعاطي للخمر وغيره من أساليب الخطاب الديني “القذرة” التي تسببت في صناعة الفتنة وظهور بوادر اليأس مس الإستقرار بالمنطقة وتسبب في حرب ضروسة قادها الجنرال “فرانكو” ضد آيت بعمران.

ثالثا: مابين سنة 1957 إلى 1969، هي من أصعب المراحل التي عاش فيها أمازيغ الصحراء ويلات الحرب الفرنكوية، انتهت بهزيمة الجيش الاسباني المدعم بالأسلحة الألمانية ونتج عنها خسائر في الأرواح والمنشآت وعلى قلتها. مرحلة لم تحض إلى حدود اليوم بقيمتها التاريخية ولا حتى بتقدير صانعي أمجادها، فالتاريخ يشهد أن هناك إهمالا للدولة المغربية لهذا الرصيد التاريخي المجيد، كما أن هناك تهميش قل نظيره للمقاومين وأعضاء جيش التحرير بل أسرهم أيضا.

رابعا: مابين 1969 إلى 2005، وهي من المراحل العصيبة أيضا، عرفت بالتقارير المغلوطة عن آيت بعمران، ومخاوف من ملامحهم البطولية رغم أنها مغربية ، علاوة على كون المنطقة ملاذا للمتمردين، فكانت سياسية الجنرال أفقير، وبعده وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري ترتكز على القضاء على الوجود التاريخي لآيت بعمران فتمت خلخلة هذا المفهوم بالاعتماد على التقطيع الترابي المخزني الغرض منه تفكيك مفهوم القبائل، فعوضتها الجماعات المحلية، تابعة لإقليم تزنيت المحلة المخزنية القديمة التي تحدث عنها صاحب كتاب “المغرب عبر التاريخ” إبراهيم حركات وعلاقتها بأمازيغ الصحراء، وكيف أن سياسية إدريس البصري ووصايته عملت على تقطيع جزء هام من منطقة آيت بعمران المحدودة خاصة الأراضي الخصبة، ويتعلق الأمر بتالوين واكيسل المحسوبتين إلى اليوم على إقليم گلميم.

خامسا: مرحلة مابين 2005 إلى 2014، وهي مرحلة الخروج “المحرج” للدولة حينما تحركت ساكنة الإقليم لأول مرة ما بعد وفاة الراحل الحسن الثاني وإقالة وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، فانطلقت أول مسيرة احتجاجية في 22 ماي 2005، تطالب “بالتغيير”، وصاحبتها أحداث متسلسلة ذات طابع سلمي سرعان ما أفقدت آليات اشتغال المخزن بوصلته ودخل ليعيد من جديد علاقة آيت بعمران مع الدولة إلى معادلة الصفر، بعد أن حفر في ذاكرة الساكنة ما بات يعرف بأحداث السبت الأسود 2007. وبالمناسبة طالب فيه تنظيم سكرتارية افني آيت بعمران بعمالة افني، ورغم أن طابع مطالب هذه السكرتارية اجتماعي، فإن هذه التجربة فشلت واستنفدت شروط قيامها بإشراكها في تدبير الشأن المحلي، وبتشارك مخفي من السلطة المحلية وانتهت هذه المرحلة بتحقيق مطلب العمالة.

سادسا: “مرحلة التأمل 2014 …، بمجرد استنفاد السكرتارية المحلية افني آيت بعمران لمهمتها، ظهرت بوادر خطاب جديد، يربط افني بالصحراء، كانت أولى المبادرات تأسيسه يرتبط بتنظيم أمازيغ الصحراء في عيد العمال بالعيون 01 ماي 2008، تحت مسمى “لجنة اتحادية آيت بعمران”، والتي ناقش فيها أمازيغ الصحراء ولمدة شهر تقريبا وضع أمازيغ الصحراء ومطالبهم الحقيقية التي تجاوزت ماهو اجتماعي إلى إشراكهم في المفاوضات في أي حل مرتقب لمشكل الصحراء، اعتبارا أنهم جزء من اللعبة الديمقراطية في الصحراء وأيضا السياسية، لما لا وتوصيات الأمم المتحدة بشان الصحراء ظلت تربط المنطقة بما يسمى “ملف إفني والصحراء”، ونظرا لإثارة هذا الموضوع أصبح الشغل الشاغل لخصوم هذا الطرح إستغلال أحد فرق ومكون من مكونات قبائل آيت بعمران في تحريك ملف الانفصال بسيدي افني ولأول مرة.

والحقيقة للتاريخ فهذا الوجود وإن كان على قلته ارتبط بتعين أول عامل من أصول أولاد دليم على منطقة سيدي افني، وهو يقال إنه له امتداد في فرقة آيت ياسين بقبيلة صبويا، وهو ما حذا به إلى تحريك ملف الإنعاش، وتوزيع البطائق على مقربيه، وإغداق مواليه بأموال جعل الحسانييون “المتدربون طبعا في أمور الشونتاج” يطالبون بحقوق أشبه بما يروج في الصحراء، وفي ظل هذه المرحلة، أصبح الحديث عن الانفصال وهما سرعان ما تلاشى، بإقالة عامل ماماي من منصبه وعودة أحد مؤسسي البوليساريو إلى حاضرة وادنون..، وتبين أن الأمر لا يعدو أن يكون أوهام تحت الطلب تحركها أيادي لها مصلحة مالية وسياسية في نفس الوقت.

اليوم نتذكر ذكرى السبت الأسود الأليمة، وهو درس اتعب الجميع، وحرك شمال إفريقيا كلها، لكن درس من جهة يحتاج إلى خروج مسؤولي الدولة وبشكل حضاري وذكي لإنقاذ ماء الوجه، وإعطاء دماء جديدة. فالدولة تتعب وتحتاج بين الفينة والآخر إلى شجاعة للاعتراف بذلك وبالمنسوب إليها منذ سنة 1969، هذا هو درس الديمقراطية اليوم، أما دون ذلك فسيدي إفني تبقى منسية ومهمشة، تحتاج إلى إنصاف، كما أن بواديها فحدث ولا حرج، وهو ما يعني أن المسوؤلين الذين يفترض فيه تغيير الوضع، غير قادرين على التخلص من الطابع التقليدي لتعامل الأجهزة مع المنطقة.

أما أبناء سيدي افني، على ما يبدو ما عليهم إلاّ تخفيف الصدمة وأن يعترفوا بأن حدث السبت الأسود، ساهم فيه الجميع وفي الذاكرة الأسماء والمتظاهرون والأمنيون…، لكن غاب “مفبركوا” الحدث اليوم وساد الصمت في هذه اللحظة وبقيت الذكرى، حتى لا ننسى السبت الأسود، والذي يجب أن نعترف أنه قرار سياسي ليس صحيحا، تعبنا من لحظته المؤلمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *