كواليس

الحصار والقبضة الحديدية .. آخر ورقة لمحمد عبد العزيز ومن معه داخل المخيمات

“لا أخفيكم أننا حين قررنا عدم منع من يريدون الذهاب إلى المغرب، كنا على قناعة تامة أنهم راجعون لا محالة، وسينقلون لإخوانهم بالمخيمات الواقع البئيس للصحراويين بالمغرب، إلا أن المفاجأة كانت أن أغلب من يذهب إلى المغرب قد يعود بالفعل إلى المخيمات لكن سرعان ما يحن إلى الرجوع من جديد إلى المغرب، وهذه المرة يرجع بمعية آخرين يستهويهم تجريب نفس المغامرة”.

التصريح هنا لرئيس جبهة البوليساريو الذي وعي تمام الوعي، بعد أن أراد لعب ورقة الثقة في النفس، خاصة تحت الضغوطات المتتالية من قبل هيآت دولية  قصد الترخيص لمن يريد من ساكنة المخيمات الذهاب إلى المغرب، حيث باءت ورقة الثقة بالنفس بالفشل، إذ لم يجن بعد هذه التجربة سوى الخيبات المتكررة من جراء تفضيل عدد من قبل المحتجزين، شيوخا وشبابا بدون استثناء، البقاء بالمغرب، حيث  استغل أولئك الذين استفادوا من قدومهم للمغرب في إطار تبادل الزيارات الفرصة ليفروا من جحيم المخيمات، مفضلين البقاء بين ذويهم  بوطنهم الأم، معبرين في آن الوقت عن أسفهم وحسرتهم عما أضاعوه من وقت ثمين من حياتهم جريا وراء السراب والوهم.

إن التصريحات العلنية لمن قرر البقاء في بلده هو أنه “لمس معنى الحرية والكرامة التي  ينعم بها إخوانه بأرض المغرب ويحس مدى قيمتها،  كما تبين له بما لا يترك مجالا للشك، زيف ادعاءات  القيادة البئيسة بشأن واقع اضطهاد بني عمومته إلى غيرها من الأكاذيب، التي لم تعد تنطلي على أحد، خاصة مع تطور وسائل الاتصال وتعدد القنوات الفضائية والتي أصبحت تشكل نقمة دائمة على زبانية محمد عبد العزيز” كما يصف ذلك عدد من العائدين إلى أرض الوطن.

فكل من قرر طواعية الاستقرار ببلده عاش ولاحظ عن كتب اندماج كل المغاربة بمن فيهم سكان الأقاليم الجنوبية في الدورة التنموية، دون أدنى إحساس بالدونية أو العيش عالة على الآخرين أوعلى فتات مساعدات الجمعيات والمنظمات الغير حكومية.

فما سماه محمد عبد العزيز ”بالمغامرة” ما هو في الأخير سوى الوعي بالواقع والذي لم يعد بالإمكان حجبه، وهي حقيقة وضعيتهم تحت نير عبودية زمرة من منعدمي الضمير الذين آثروا الاسترزاق بمعاناة بني عشيرتهم.

هي حقيقة تنكيل الطغمة المستبدة بالصحراويين رهائن قضية زائفة، حكم عليهم بالرغم عن أنفسهم بالذل والهوان، لتتعالى في الأخير أصواتهم مطالبة بالكرامة والحرية، بعد أن زالت الغشاوة عن أبصارهم، وتبينوا حقيقة من يسمون أنفسهم “قادة” وماهم في الواقع سوى نمور من ورق يستقوون بأسيادهم الجزائريين.

إن موجة الاحتجاجات المتتالية و المتأججة بالمخيمات والتي قوبلت بشتى أنواع القمع، من لامبالاة إزاء تفشي الأوبئة إلى التجويع  والتعطيش الممنهج إلى كل أساليب الترهيب من تحريض “البلطجية” على الساكنة واعتقال أبنائها وتلفيق التهم الواهية لردعهم وكبح جماحهم، إلا مؤشر عن هذا الوعي المتنامي، وكذا مبشر ببداية نهاية القيادة المتسلطة على الرقاب.

وما نزيف المخيمات من رهائنها كوكبة تلو الأخرى، كان آخرها ستة عائلات قررت البقاء بأرض الوطن سوى تعبير عن رفض هذه الساكنة أن تظل رهينة لأطماع الزمرة البئيسة، ولأسيادها وصانعيها، وكذلك ترجمة واقعية للوضع في المخيمات الذي يؤكد ويؤشر بالملموس أنه في حالة فك الحصار على رهائن تندوف فسيستفيق محمد عبد العزيز ذات يوم على خيم فارغة من أصحابها إلا من أزلامه.

محمد عبد العزيز يعيش حاليا أتعس أيام حياته فهو لا يستفيق من كابوس حتى يعيش آخر، فمن النزيف المستمر للمحتجزين الذين يستقرون نهائيا في المغرب إلى الضربات المتتالية “لشباب التغيير” مرورا بالانفلاتات اليومية التي تقض مضجعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *