آراء

حكاية المندوب السامي للتخطيط لإضعاف أمازيغ الصحراء

أثارت المندوبية السامية للتخطيط، زوبعة أخرى، تدخل في إطار استفزاز بعض الأمازيغ،من جراء صيغة الأسئلة التي أعدتها مصالحها للإحصاء العام للسكان المزمع تنظيمه في شتنبر المقبل ، لأن المندوبية السامية التي يقودها الإتحادي احمد الحليمي سيكتفي بطرح سؤال حول اللغات التي يتحدث بها المغاربة أو يقرؤون بها أو يكتبون بها اليوم،ولأن السيد الحليمي لن يطرح سؤال اللغة الأم التي يتحدث بها غالبية سكان المغاربة ،وهوإجراء يطرح مجموعة من الأسئلة ويثير أيضا ملاحظات ، بعيدا عن الأحكام المسبقة ، أو “بعبع” الفتنة النائمة.

أولا : إن الإحصاء العام للسكان أو مايسمى بالمسألة الديموغرافية تزداد تعقيدا و أهمية، خاصة إذا كان البلد المعني مثل المغرب ، حيث تتعدد فيه الروافد ، وحيث يلعب نسبة عدد السكان بالمنطق ألساني اللغوي دورا مهما وخطيرا في نفس الوقت ، و محدّدا في غالب الأحيان للوضع السياسي إلى الدّرجة الّتي تجعل من السياسي متغيّرا تابعا للديموغرافي. وهو ما يجعلنا نتسأل ونرد بكل عقلانية عن أولئك الذين يتهمون الامازيغ لإيقاظ الفتنة والتغاضي عن طرح سؤال اللغة الأم على المغاربة ،إلا يعتبر ذلك حيلة مدبرة من مندوبية التخطيط لإجترار التعدادات المفبركة ولإثبات أن الوضع السياسي تابت وتابعا للوضع الديمغرافي على مقاس مندوبية الحليمي ، وهو إحصاء يراد به باطل ، فالامازيغ بوزنهم الديمغرافي لايسعون إلى ايقاض الفتنة كما يغرد البعض خارج السراب ، إنما يسعون إلى ترجمة هذا الواقع الجديد سياسيا ، وتكون هذه المطالب بشكل سلمي ، كالمطالبة برفع الحضر على العمل السياسي الأمازيغي ، وتشجيع المشاركة في الحياة السياسية ، بعد أن كرهها المغاربة،بحيث إنتشر العزوف السياسي ،وارتفعت نسب مقاطعة الإنتخابات الجماعية والبرلمانيةوو.

ثانيا: إذا كان الحليمي، متهم بتزوير الإحصاء من بعض الجمعيات الأمازيغية ، بدليل أن إعطائه أرقاما غير حقيقية لنسبة السكان الأمازيغ بالمغرب، فإنه من جهة يرد على هذه الاتهامات بالقول: «إن مطلب تغيير سؤال استمارة الإحصاء ليصبح متعلّقا باللغة الأم هو أخطر مما يظن هؤلاء، لأن ما يريدنا هؤلاء أن نفعله هو أن نقرّر في أصول الناس، ومعرفة من هو أمازيغي ومن هو غير أمازيغي، وهذا أمر لا أخلاقي علميا ومهنيا، وممنوع إطلاقا لأنه يتدخّل في إثنية وأصول الناس». وهو بهذا المنطق يريد آن يتجاوز عن قصد دور التعداد وأهمية العلاقة بين السياسي والديمغرافي ، ونسأله ، ماذا عن القضية الوطنية المطروحة اليوم؟ في جوهرها لها ارتباط بقضايا ديموغرافية بالأساس، حيث تشعر بعض الإثنيات بوزنها الذيموغرافي ومنها طبعا “بني حسان” بالصحراء ، وهي تتحدث عن الشعب الصحراوي ، وعن اللغة الحسانية ، وعن “الجمهورية العربية” ، إلا يعتبر قرار مندوبية ألحليمي ، إجحافا في حق أمازيغ الصحراء ؟،وتأييدا للمشاريع الوهمية لأعداء الوحدة الترابية ؟ و الأمثلة على ذلك كثيرة في بورندي وروندا، و في الكنغو، و قبل ذلك في البوسنة و الهرسك، و في الشيشان و الكوسوفو و الأكراد في تركيا….إلخ.

ثالثا: ما قاله المندوب السامي هو خطأ فادح لعدة أسباب. أولا، أن الإحصاء يراعي دائما الإعتبارالسياسي الذي يهم الأمازيغ بالدرجة الأولى قبل أي وقت مضى، فالمعلوم أن الإيديولوجية التي تربى عليها السيد الحليمي ، وقبله كتيبة “الحركة الوطنية ” التي سيطرت على المغرب سياسيا بتياراتها السلفية والعروبية القومية أصبحت تحضى بشرعية مفبركة تتأسس على التعداد أو النسب المعلومة التي لم تسأل عنها أحزاب سياسية تقليدية ولا حكومات سابقة ، ولا حتى جمعيات الأمازيغ التي أسست خطابها هي الأخرى على نصف قرن ، ولأن قرار السيد الحليمي اليوم بشأن لغة الأم ، قرارا عنصريا ، لان شرعية الأمازيغ السياسية قائمة في شمال إفريقيا مند قرون مضت ولا تختصر في 13 قرنا ، بل لا يمكن لا أحد أن يتزايد عليها وأسلافنا على علم بتاريخهم وأنهم وجدوا البلاد تحت قيادة سياسية واحدة مدت نفوذها حتى نهر السنغال جنوبا و بنت دول مزدهرة و قوية كالمرابطين و الموحدين والسعديين، هذه الشرعية السياسية و التاريخية ، مؤسسة على مرجعية المغاربة ،بل كانت تدعمها شرعية ديموغرافية باعتبار أن الأمازيغ يمثلون الغالبية السكانية.

رابعا : الهدف من التعداد، أو الإحصائيات فهو يعني سياسية الدولة في تدبير قضايا الأمة ، وفي علاقتها مع الصندوق النقد الدولي واملاءات الدول الغربية ، ونظر لكون السيد الحليمي طرح مشكل حرف تيفيناغ ، وأكد أن سبب احتجاج الجمعيات الامازيغية هو رغبتها عن عدم إظهار ضعف إستعمال هذا الحرف،وهي مخاوف مشروعة لدا الجمعيات المعنية خاصة وان إقرار حرف تيفيناغ كان بقرار ملكي ، وان المعنيين بالدرجة الأولى في هذا الأمر هي المؤسسة الملكية التي يمثلها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية،وعليه فإن السيد الحليمي والذي يمثل موظف سامي في ظل حكومة الإسلامويين ، يريد خلق زوبعة الحرف من جديد ،كما يسئ ومن خلالها إلى المؤسسة الملكية التي وافقت على هذا الحرف ، وبالتالي ضعفه فهو حتما يعني فشلا للمؤسسة الإستشارية الملكية “الإيركام”،التي تمثل تدبير الشأن الأمازيغي للدولة بالمنطق الرسمي ، وليس ، بمنطق مطالب الشعب.

إن التجربة السياسية الأمازيغية في شمال إفريقيا فريدة و غنية . فهي تجربة تمكننا من معرفة مدى تأثير الديموغرافي في السياسي عبر التاريخ، كما أن دراسة هذه الحالة اليوم يستوجب منا بناء الصرح الديمقراطي بعيدا عن لغة الإقصاء والتهميش السياسي ، وهي تصرفات يمكن أن تعطينا صورة لفهم الأزمات السياسية في شمال إفريقيا والعالم “العربي” كحالة السودان و الصراع في هذا القطر بين العرب في الشمال و الزنوج في الجنوب، و هذه التجربة تعطينا أيضا صورة عن الأزمات الموجودة في دول الساحل في إفريقيا و حتى أوروبا “اسبانيا وأمازيغ كناريا” ، حيث أن جوهر هذه الأزمات التي تحتدم لتصبح نزاعات مسلحة، يرجع إلى مسألة التهميش والإقصاء السياسي . فهل استعان السيد الحلمي بطرحه القومي و بحكايات كتاب الملل والنحل ، لإضعاف امازيغ الصحراء .؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *