ثقافة وفن

“السينما والهجرة” يعيد للواجهة سؤال أكادير بلا قاعات سينمائية

يعيد مهرجان السينما والهجرة الذي من المنتظر أن تنطلق فعالياته بأكادير خلال الأسبوع الثاني من نوفمبر المقبل، إلى الواجهة سؤال الإغلاق المتواصل للقاعات السينمائية.

وسبق لفعاليات ثقافية وشبيبية أن نفذت شكلا إحتجاجيا رمزيا، على هامش إختتام الدورة الأخيرة للمهرجان، حيث اختار هؤلاء الشباب لغة “الصمت” وإشعال الشموع كشكل يرمز إلى الأجواء التي تمر منها الجنائز، في إشارة إلى الترحم على القاعات السينمائية بالمدينة.

كما استغلت الفعاليات المذكورة مناسبة حضور مسؤولين على القطاع السينمائي بالمغرب وممثلين ومخرجين ومنتجين ووسائل الاعلام الوطنية والعالمية لتمرير رسالة واضحة، وهي الاهتمام بهذه القاعات القديمة التي تعتبر مآثر تاريخية وثقافية وتوثق لجزء من ذاكرة المدينة، وخاصة سينما السلام التي صمدت في وجه زلزال 1960.

وفي السياق ذاته دعت ناشطة جمعوية بأكادير إلى وجوب صيانة “سينما السلام” وحمايتها من الغرض الذي تسعى أيادي خفية إلى الوصول إليه، وهو “تحويلها إلى عمارات بحكم تواجدها في مناطق استراتيجية أسالت لعاب لوبيات العقار، وهو المصير الذي يتهدد سينما الصحراء وريالطو بأكادير وكوليزي بانزكان والباهية بتزنيت واللائحة طويلة”.

وقبل هذا، وفي إختتام الدورة الماضية من المهرجان ذاته، زغردتْ الممثلة المغربية سهام أسيف استبشارا، وصاح الممثل رشيد الوالي فرَحا، عندما أعلنَ مالك القاعة السينمائية “ريالطو” عن التراجع عن قرار الالغاء، وصفّق الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج، عبد اللطيف معزوز الذي كان حاضرا للقرار.

“وعندما انتهى المهرجان وانطفأت أضواؤه، انفضّ الجميع إلى حال سبيله، لتنطفئ أضواء القاعة إلى الأبد، وتصير مدينة أكادير، التي تتربّع على عرش المرتبة الثانية في سلّم المدن المغربية الأكثر استقطابا للسياح بعد مراكش، بلا قاعة سينمائية، منذ ذلك التاريخ، ولا تزال إلى اليوم” يُعلق الإعلامي محمد الراجي.

نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي دخلوا على الخط، وأسسوا صفحة على الفايسبوك بعنوان “حملة انقاذ قاعة سينما ريالطو واختيها بأكادير، اتصلت جريدة “مشاهد” بأحد روادها و تحدث لها، بحسرة، على أن إغلاق أخر ما تبقى من قاعات العرض السينمائي بأكادير هو إعدام لتاريخ المدينة الثقافي، وطمس لمعالم من معالمها الشاهدة على الحيوية الثقافية لسكانها”، بحسب المتحدث.

واعتبر منتج سينمائي أمازيغي بإنزكان، في تصريح مقتضب لـ “مشاهد”، أن السينما المغربية برمتها تعاني من مشاكل جمة أبرزها مشاكل التوزيع والتناقص الكبير في عدد قاعات العرض التي وصل مجموعها إلى خمسين قاعة فحسب، تعاني جلها من قدم تجهيزاتها وتقلص عدد روادها، إضافة إلى مشكلة القرصنة المنتشرة على نحو واسع، والمعوقات التقليدية مثل مزاحمة التلفزيون والإنترنت لقاعات السينما”.

وبحسب إحصائيات للمركز السينمائي المغربي، كان المغرب في مطلع ثمانينيات القرن الماضي يضم أربعين شركة توزيع، في حين تجتذب القاعات نحو أربعين مليون مشاهد سنويا. أما حاليا فقد تراجع العدد إلى أربع شركات لتوزيع الأفلام، بينما انحسر عدد المشاهدين إلى أقل من مائة ألف مشاهد في العام الواحد.

كما يعاني توزيع الأفلام في المغرب من مشكلة القرصنة المنتشرة على نطاق واسع، فضلا عن مزاحمة وسائل الاتصال الجماهيرية كالتلفزيون والإنترنت لقاعات السينما، بحيث يفضل عدد كبير اللجوء إلى هاتين الوسيلتين بدلا من ارتياد القاعات. فأفلام في كل مكان وفي المغرب بإمكان أي شخص أن يشتري بقيمة خمسة دراهم مغربية آخر وأهم الإصدارات السينمائية الأميركية والعالمية وحتى العربية منها، لذا يقبل كثيرون على ذلك وبات ذهابهم إلى السينما نادرا أو معدوما.

ويؤكد الموزع السينمائي نجيب بنكيران -الذي يوزع الأفلام المغربية منذ الثمانينيات- أن “توزيع الأفلام يعاني من مشاكل كبيرة، فإضافة إلى مشاكل مزاحمة الإنترنت والتلفزيون والقرصنة، يساهم عدم قيام أصحاب القاعات بصيانتها وتجهيزها في إبعاد الجمهور عنها”، ويضيف في تصريح صحفي سابق لوكالة المغرب العربي للأنباء أن “القاعات موضوعة اليوم أمام تحدي التجهيز الرقمي الذي تتحول إليه السينما العالمية تدريجيا، وكلفة ذلك مرتفعة جدا”، لكنه يرى أن أكبر مشكلة تواجه الموزع حاليا هي مشكلة تقلص القاعات مما يؤدي إلى انكماش السوق.

الخلفي: جهة سوس تحتاج اليوم إلى مركب سينمائي متطور

قال وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي أن “جهة سوس ماسة درعة، التي تعتبر من الجهات الحيوية نظرا لمؤهلاتها السياحية والثقافية والاقتصادية، تحتاج اليوم إلى قاعات سينمائية بل إلى مركب سينمائي متطور، لاسيما وأن بها العديد من المهرجانات والتظاهرات السينمائية الهامة مثل مهرجان السينما والهجرة، ومهرجان سينما الجنوب…” وأبرز أن هذه “الجهة تحظى بلا شك بنصيب كبير في استراتيجية الوزارة المتعلقة بتأهيل البنية التحتية الخاصة بالسينما المغربية”.

وأكد الوزير  أن “ظاهرة إغلاق القاعات السينمائية مشكل يؤرق الجميع” اعتبارا لتعدد المتدخلين في هذا الميدان، مشددا على أن “ظاهرة إغلاق القاعات السينمائية مشكل يؤرق الجميع، وهي ظاهرة ناتجة عن عدة عوامل من بينها تراجع نسبة الارتياد على القاعات السينمائية والقرصنة والانترنيت وتحويل بعض القاعات إلى مشاريع تجارية مدرة للربح”.

وأوضح الخلفي في حديث صدر ضمن ملف خاص حول الدورة العاشرة لمهرجان أكادير الدولي للسينما والهجرة (5/9 نونبر 2013) أن وزارته “واعية بهذا التحدي الذي يؤثر على نسبة الارتياد على القاعات السينمائية وأيضا على الإبداع السينمائي المغربي”.

وأبرز أن ذات الوزارة وعيا منها بضرورة “وقف هذا النزيف، وانطلاقا من المكتسبات ومن التشاور مع المختصين، تعمل على إحداث مركبات سينمائية مؤهلة و جذابة وعلى تشجيع بناء القاعات السينمائية آخذة بعين الاعتبار تخفيض الضرائب، وذلك بشراكة مع جهات ووزارات أخرى كوزارة الثقافة، مع إشراك القطاع الخاص في العملية.” وبعدما أفاد بأن ذات القطاع خصص مبلغ 690 ألف درهم لدعم ورقمنة 7 قاعات سينمائية وطنية، بكل من الدارالبيضاء ومراكش وتطوان ومكناس وسلا، لم يفته التشديد على أن “غياب القاعات السينمائية بجنوب المملكة يعتبر مشكلا حقيقيا”.

وأضاف أنه “مثلا العديد من التظاهرات السينمائية بالجنوب تقام دون التوفر على قاعة سينمائية التي هي المكان الحقيقي لعرض الأفلام وليس مكانا آخرا”، مشيرا إلى أن ورزازات التي تستقطب كبريات الإنتاجات العالمية وتعد قبلة للإنتاج الأجنبي، هي الأخرى لا تتوفر على قاعة سينمائية بعد إغلاق ما كانت تتوفر عليه.

واعتبر أنه أمام هذه الوضعية غير الطبيعية تعمل الوزارة جاهدة على تغيير الأوضاع “في إطار السياسة التنموية التي تنهجها الدولة مع مدن الجنوب، في إطار الجهوية الموسعة”.

وعلى صعيد متصل، شدد الخلفي على أهمية التوصيات المتضمنة في الكتاب الأبيض للسينما الذي سهرت علي إعداده اللجنة العلمية للمناظرة الوطنية للسينما (أكتوبر 2012) والذي يعد أرضية صلبة لتدارس كل القضايا المتعلقة بالسينما المغربية قصد تطوير الصناعة السينمائية ببلادنا، وأيضا للخروج برؤية جماعية واضحة المعالم عن هذا القطاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *