آراء

الذي يتلقى العصي ليس كمن يتولى عدّها

على سقوف باهتة، لبيوت طينية عاصرت حقبا تاريخية، وفي ملاجئ مداشير ايت بعمران كما اعتبرتها اسبانيا وأعلنتها سلفا، تغرب كل مساء شمس ذابلة، لتطوي صفحة نهار مؤلم آخر، تعيشه أسر منكوبة، لم تعرف طعم الفرح منذ أمد طويل.

فثمة أب منهك، وأبناء غير راضين أن يعودوا في آخر النهار، وينسلون خجلاً إلى ما تبقى من المنزل المهدوم خشية أن يصطدموا بالواقع المرير الذي يتراكم كل يوم بعد فاجعة الفيضانات منذ أيام دون أن يتمكن أولي الأمر منهم رفع الحصار، كأن البشرية لم تعد تهم احد وان المنطق الإنساني اسطوانة مشروخة، في ظل تنامي العنف في بقاع العالم.

وهناك أطفال عاينوا الواقع وطوال الوقت ينتظرون، وآخرون يعانون من مشاكل صحية مزمنة، وأمهات متعبات من قلوبهن الذي يتفطر حزناً عليهن.

إنها حكاية أخرى، من تلك الحكايات المطوية في الزحام، آثرنا أن ننبشها ونظهرها على الملأ.. لعل من يقرأ فيرق وجدانه ويعرف أن ثمة خلف الزجاج والستائر وصمت عار على جبين دولة لم تحترم مواطنيها، آهات وأنات .. أجسادا يكويها الألم، ولا أحد يعتني بها.

يتفطر قلب غيور على هذه البلدة وهو يبكي بحرقة عندما يرى الظلم بعينه يلاحقه .. قد يقول قائل: كيف تجرؤ السلطات على بيع مساعدات إنسانية، وعلى تضييق الخناق على الإنسان بكل هذه القسوة غير أن هناك من يقدرها ويسري في منوالها إنها عصابة تسلطت على الساكنة الأصلية فباعت أراضيهم وثرواتهم، ودعمت الظلم والفساد، ولم يعد ممكن محاصرتها فهي الأمر والناهي.

لكن بالمقابل هم غافلون حقا، ولا بصيرة لهم، ومن الغباوة أن تعلوا فلسفة الطماعين الجشعين حكمة الحكيم، لعلهم يستحضرون معادلة الأطفال في زمن الماسي، وأن مواليد الفيضانات بسيدي افني قد يتذكرون يوما معاناتهم ويتأكدون وبدون جحود على ظلم دوي النفوذ والمفسدين منهم ويتعزز يقينهم كلما سمعوا عن حكايات أخرى عن مواليد السبت الأسود الأليم.

عموما فإن حكايات معاناة أطفال وأسر سيدي افني، ومخيمات آيت بعمران “Los campos “كما يسميها الإسبان ولهم في ذلك تبرير سيكون موضوع حكاية أخرى لاتختلف عن مخيمات تندوف.

حكاية من حكايات المآسي التي لا يعرفها كثيرون، فالجرح لا يؤلم إلا من به ألم.. وقديما قال أمازيغ الصحراء: الذي يتلقى العصي ليس كمن يتولى عدها (Wali ichtan akourai ured zound wa li tiskarn).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *