آراء

الأدب والفن والسينما ووسائل الإعلام .. العمق المغيب !

تطورت الوسيلة المعلوماتية التقنية وولغت بخيلها ورجلها في كل بيت ، وتفننت في إيصال الخطاب والصورة والفيلم ، واختزلت ماكان يستغرق زمنا إلى ثوان تشاهده كأنك حاضر رأي العين.

مشاكل المسلمين وأخبارهم تشغل العالمين بوصفهم أمة “القوة” إن هم أدركوا كلمة تدين لهم بها العرب وتدفع لهم بها الضرائب ، تعيش مخاضا لغد الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لازال ممتدا ضد الاستبداد الذي عمر لقرون فيما عرف بالربيع العربي.

مطالب أرضية مشروعة متحققة بسواعد الجميع غدا أو بعد غد لاشك.

ووسط هذا المعمعان ، كيف تحصل تلك الازدواجية في قلب الفرد في سعيه وأيامه في الدنيا ؟

بين إرادة آلة ” الحاكم” الظالم الغاشم الكاذبة الذي يزداد شجعا كبقية الجوقة العربية، يوزع الأحلام على مواطن بئيس ،هي خطابات تنكسر على جلمود الواقع المر وغياب العدل ، وبين رسالة “خصوصية” ، فشل الإعلام والفن والأدب والسينما تعريفها للإنسان وهي من أبسط حقوقه وضروراته كرغبته في الحب والمعيشة .

هذا الخبر ،”العاجل”، “الحصري”، و “الانفرادي” ، الذي لم تستطع كبريات القنوات العالمية أو الجرائد الجرأة على فتحه أو التطرق إليه في تحقيق أو قصاصة خبرية بسيطة حتى، ولم تفلح التقنية في إيضاحه وتقريبه وتخيله بعدما فتح عليها كل شيء .

هذه القصة الأدبية النفسية التي تنكر لها المثقفون والأدباء ورميت في ركن الإهمال وتجاوزتها يد الرسامين ومعزوفات الموسيقيين ، وصار المحدث عنها ماضويا ظلاميا يكره الحياة !

تصفح المعلومة يا أخي بحثا عن الجديد في مجال تخصصك واهتمامك وانس إن شئت كما تريد ، وتغافل عن قصدي إن وجدته غيبا ،غريبا ،غير مقنع أو كريها إليك تشمئز من ذكره لأنه ينغص تلك “الحياة الحلوة” ، أو اصبر على مرارة كلماتي واسمع للحظة واصبر هنيهة ، فرب سامع أوعى من مبلغ ، وادع لكاتب السطور.

هذا الذي قد نؤخره ونتهرب من النقاش فيه والتهمم به والبحث عنه وفي تفاصيله وسبر أغواره ومعرفة أسراره ، ماهو؟ ومادرجة مصيريته في تحديد مساري ؟

أعود إلى الإعلام الذي نوع معروضاته ممثلا للحضارة الحواسية الدوابية ناقلا “نحلة الغالب” بكل إخلاص ، فاته العمق، وغاب عنه الإنسان بكل جزئياته حينما روج للعنف ،للاستهلاك ،للإباحية ، للدعارة ،للخنا ،للإجرام ، لمصاصي الدماء، لكل ما هو هابط إلا استثناءا ناذرا لا تكاد تعده ، وتجده في عالميته يجعل من المرأة تلك الدمية التي تروج للبضاعة وتستقبل الزبون و”تضاجع” “الذكر” ، استنادا الى النظرية الداروينية “المخبولة” أن الإنسان مجرد قرد تطور من سحلية في جزيرة ، يجب أن يشبع غرائزه الدوابية ويستمتع بكل شيء ثم بعد ذلك عدم ولا حياة أخرى ، فلا قانون يعلو ، فساد واستبداد من نوع آخر.

تجد أحسن دور القبور في الغرب هي من تدفن الميت في صمت تواري الجثة عن الأنظار فلا غسل ولا حزن ولا عمق ولا معنى ، ضياع في ضياع وتشبت بالدنيا ، فلا عجب من ارتفاع نسب الانتحار مهما بلغوا من الرفاه .
حتى في بلادنا العربية ، غابت القيم وماتت الذمم و فسد الحكم وظلم المواطن في معاشه وثروة وطنه فلا هو سعيد في حياته ولا هو يعرف شيئا اسمه “لقاء الله”.

كيف أزاوج بين الجزء “المطلبي الخبزي” الذي يجب أن يحضر بنسبيته في فكري وبين ذلك “الهم الأكبر” وهو أن تعرف الله ، تحبه وتسعى إليه ، ليكون لوجودي مضمونا وهدفا ومعنى ، ولكي لا أضيع وسط هذا الهوس وهذيان العالم وضوضاء الحروب والنضالات؟

وأنا أعالج جسد والدي رحمه الله –الذي انتقل هذه الأيام- مع الغسالين في غرفة معزولة ورأيت ربما لثان مرة جثة أمسكها بين يدي وأتلطف بها رحمة ، رقة ومحبة وأحرص عليها ، دون أن تكون منها حركة وهي إلى حين كانت بيننا، تركت في نفسي أثرا تفاوت وقعه ، ومشيت إلى المقابر حيث “البيت” الذي غيب طينته تحت باطن الأرض وعدت ،وشغلتني الصور واللحظات.

تذكرت يوما كنت اشتريت فيه “كفني” أتعرف إلى هذا الثوب الذي سألبسه في آخر حياتي وأتفقد “الحنوط” وأنا مغلوب بطينتي وأشم رائحته عسى ان أخفف من ثقل الأوزار و تعلو نفسي لتطلب المعالي وأفزعها إلى اللقاء ، اتهمني أهلي بالجنون وأنا في نظرهم لازلت “شابا” في مقتبل العمر ، فعدت إلى حيث تركته فوجدتهم تصدقوا به ليخفوه عني ويزيلوه من الدار “ظنا أنه شؤم”.

حضرني أن أخط سطورا أورط فيها نفسي وأنا “المحتاج” إلى الحديث عن الموت علها تكون لي تنبيها وتشفع لصاحبكم يوم يتزاحم الناس في الحياة الحقيقية.

حضرني أن أكتب وأخرق منهجية المتعارف عليه المتداول المنسوج طولا وعرضا تذكيرا أولا لنفسي بالمآل .
حضرني أن أكتب وأذكر وأغالب فتنة مائجة رائجة وهي لغة الغفلة البائرة.

تذكر وتذكير ليس دروشة أو انعزالا أو تباكيا ، وإنما سعي دؤوب في صحبة وصدق وبذل .. الآخرة ؟

هذا هو الديدن الذي يجب أن يشغلني كل يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *