ملفات

هكذا استقبلت عائلات بالعيون خبر احتراق أبنائها في فاجعة طانطان

لم تكن عشرات العائلات بمدينة العيون على علم بأن توديع أبنائها الصغار كان نهائيا، وإن كان على أمل لقاء جديد بعد بضعة أيام سيقضونها في بوزنيقة والرباط بعد مشاركتهم في الدورة السادسة للألعاب الرياضية المدرسية التي تنظمها وزارة الشباب والرياضة.

جرى عكس ما كان منتظرا فهبت رياح القدر عكس توقعات الأطفال وأهاليهم، عندما صدمت شاحنة من الحجم الكبير الحافلة التي تقلهم، فتحولوا في بضع دقائق إلا قليلهم إلى رماد.

هول الفاجعة

في كل ركن من أركان مدينة العيون صراخ، وقاعة حفلات بين هذا الحي وذاك، لكنها في الحقيقة مآثم عزاء الأطفال الهالكين في محرقة طانطان الجمعة الماضي، وهو المأثم الذي تكفل به الملك محمد السادس فور علمه بالفاجعة التي أودت ب 34 طفلا.

في حي كاطالونيا حيث كان الطفل ” زهير.ع ” يعيش قيد حياته، وجدنا أشخاصا يديرون لنا ظهورهم، ويصوبون وجوههم باتجاه مقبرة تجاور المنزل، كأنهم يعدون القبور وينسجون في مخيلاتهم أحدها لابنهم البار وهو يلومون القدر بتعاسة.

يتحدث الأب إلى “مشاهد.أنفو ” وهو يحاول أن يتمالك نفسه من النحيب، يشرح كيف كان ابنهم متشوقا للمشاركة في تلك البطولة، وبين الحين والآخر يستدرك كلامه الذي يتقطع بترديده” إنهم طيور الجنة، إنهم طيور الجنة.

صباح لا كالأصباح

بإحدى الأزقة الضيقة في حي الإنعاش المطل على الواد، ظلام دامس يملأ القاعة إلا من منافذ للواجهة الأخرى يتسرب منها نحيب من حين لآخر، وأنين نسوة يسمع صراخهن من الخارج، تحسرا على مصير ابن العائلة والحي “عصام.ك”، الذي غادر المكان دون أن تكتب له عودة إلى أحضان العائلة من جديد.

صباح غير عادي، ذاك الذي تلقيت فيه مكالمة لم أصدق فحواها، هكذا صرح أب عصام لمشاهد أنفو، ويضيف ، هرولت إلى المكان لأستطلع الأمر وأتأكد من صحته، كنت أعتقد أنها حادثة سير عادية واعتقدت أنني سأجد الحافلة والشاحنة موضوع الحادث على الطريق أو جنبها، لكنني عندما وصلت للمكان لم أجد إلا رمادا.

سأل أب عصام عن ابنه فقيل له بأنه قد يكون من الناجين فطلب منه التوجه نحو طانطان، فتوجه، ثم طلب منه أن يكمل الطريق نحو كلميم عله يلفي هناك فلذة كبده، لكن ظنه خاب فعاد إلى العيون منكس الرأس.

الله يرحمهم ولكن

اتجهنا صوب حي شعبي اسمه ” كوفيرتو “، وبين كل عائلة مكلومة وأخرى يزداد حجم الأنين، والشيء الذي يوحدهم، قاعات مأتم متشابهة، وقصص فراق أبناء كل وكيف يسردها لنا.

هنا في ” كوفيرتو” نشأ “أسامة .س “، أبوه لم يكن بمقدوره امتلاك نفسه من البكاء وهو يحمل منديلا في يده، يكتفي بالقول الله يرحمهم، قبل ان يستطرد ولكن الطريقة التي مات بها بشعة لن اتحملها.

بحسب أب أسامة فالموت مصير كل منا، لكنه يتحسر على موت ابنه ورفاقه حرقا دون أن ينقدهم أحد، ودون أن يتخذ المسؤولون الاحتياطات اللازمة في مثل هذه الحالات.

وعكسه يقول أب الهالك “علي.ع ” لمشاهد أنفو، فهو يقف يتلقى التعازي على عتبة منزله بحي سوق الجمال، والابتسامة على محياه رغم هول الكارثة التي أودت حياة ابنه.

يصرح الأب بنوع من قوة الإيمان ” أبني عزيز علي، لكن الذي أخذه مني أعز منه ”

دموع المندوب

صادف تواجدنا بحي الجمال تواجد مندوب وزارة الشباب والرياضة بالعيون، الأخير لم يتمالك نفسه عندما خر بالبكاء وسط الأهالي بالشارع العام.

يتحدث المندوب عن صدمته الكبيرة عندما تلقى الخبر صباح الجمعة، ويصرح بأنه لم يكن في بادئ الأمر أن يتوصل بالسلطات مخافة أن يكون الخبر كاذبا، قبل أن تصل أخبار مؤكدة، وبين الفينة والأخرى يردد أنهم أبنائي جميعا، سيما أنهم يحملون بطائق تابعة للوزارة الشباب والرياضية.

في بيت كاتب العصبة

هنا في حي محمد ابن ابراهيم، إجماع على كرامة الرجل وطيبوبته، الجميع يتحدث عن كون ” عزيز أبو علي ” كان شخصا مثاليا يحتدى به في المعاملة والأخلاق، يتحدث بعض معارفه عن كونه حسب شهادات بعض الناجين من محرقة طانطان عمد إلى انقاذ طفل ورميه نحو الخارج فرجع لانقاد آخر لكن النيران حالت دون عودة فكان في عداد الهالكين.

أسنكار و”توديع” الأب المريض

يحكي “عبد الرحيم” أحد أعضاء العصبة، وأحد المرافقين للطاقم إلى الرباط أن البطل العالمي المغربي ” الحسن أسنكار “، قبل أن يعود برفقة الوفد ذهب لزيارة أبيه المريض بمدينة الرباط من أجل الإطمئنان على حالته الصحية، وكأنه ذهب ليلقي عليه نظرة أخيرة.

“عبد الرحيم” كان سيلقى نفس المصير،لكن التزاما بمدينة العيون عجل بعودته لوحده يوم الخميس، قبل أن يتابع صباح الجمعة على مواقع التواصل الإجتماعي تفاصيل محرقة نال لهيبها من اجساد مرافقيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *