آخر ساعة

وتتبدد أحلام الانفصال على صخرة الواقع

بعد إعلان المغرب عن رغبته الصريحة في منح حكم ذاتي لأقاليمه الجنوبية تحت سيادته سارعت الجزائر الى ردود الفعل الأولية بالرفض حتى قبل قيادات البوليساريو و الذين هم في نهاية المطاف شاء من شاء و أبى من أبى مغاربة على خطأ، أخطؤوا في قناعاتهم وصاروا يغردون خارج السرب و صنفوا انفسهم طوعا في خانة خونة الوطن و أرغموا الكثيرين على تبني مبادئهم حتى وإن إختلفت قناعاتهم.

ومما لا شك فيه إن دفاع الجزائر عن البوليساريو، يكشف لنا عن تصور واقعي يرتكز على أساس أن الجزائر ولاعتبارات جيوستراتيجية نابعة من عقلية مريضة تبحث عن زعامة واهية بالمنطقة تصر على خلق دويلة، رغم عدم توفرها على أدنى شروط الدولة وفقا لمعايير وقواعد القانون الدولي.

فموقف الجزائر من قضية الصحراء كان دائما ضد مصلحة المغرب، و حتى المنطقة كلها ويتلخص هدف السياسة الخارجية الجزائرية على إبقاء قضية الصحراء المغربية ملفا مفتوحا، وذلك في مقابل إستراتيجية المغرب الذي يرغب في إقفال الملف، غير أن الجزائر ترد ببساطة أنه ليس هناك ما يمكن الحوار بشأنه سوى ما تحدده هي كمحتوى للعلاقات الثنائية.

إن الجزائر تعمل جاهدة مند سنين على تحييد بعض أصدقاء المغرب، بالتحرش بهم أملا في أن يصطنعوا لهجة أكثر حيادا في التعبير عن مواقفهم وقد نجحت مع جنوب إفريقيا التي أصبحت الآن الناطق الرسمي لأطروحة البوليساريو في مجلس الأمن، بل أكثر من هذا صارت تنظر و تتفلسف دولة في أقصى جنوب قارة إفريقيا في قضية أقصى شمال قارة إفريقيا، تغيرت المفاهيم ونسيت بعض الدول، التي تحشر نفسها، تاريخها هذا إن كان لها تاريخ أصلا وإن كان التاريخ يبتدئ عندهم في الفترة الإستعمارية فتاريخ المغرب عريق بعشرات القرون، وأرقى و انقى و أصفى و أطهر من تاريخ العملاء و المنافقين.

بالإضافة إلى ذلك فجبهة البوليساريو هدفها الوحيد هو تعميق حالة أللاستقرار وتشجيع المواجهات في الصحراء وهي بذلك تدخل في خانة المنظمات الإرهابية ولعل ما وقع في ليبيا عبر مساندة فاشلة لنظام معمر القدافي ومده بمقاتلين مأجورين يعد اللبنة الأولى ليكتمل الصرح الذي شيدته قيادات تبيع الوهم للساذجين في مالي بل أكثر من هذا فإن فتح الباب أمام الموريتانيين و الجزائريين و الماليين ومن كل بقاع العالم أن يكونوا من سكان تندوف فقط لتضخيم عدد السكان هناك ليطرح أكثر من علامة إستفهام عن أحقية المنافقين من سذاجة المنخدعين. ينضاف إلى هذا الوضع أن عصابة الرابوني بدأت تقوم بأنشطة في المنطقة العازلة من الجدار وذلك باستقبال بعثات دبلوماسية وكذلك الترخيص لشركات أجنبية بل لشركات مرتزقة للتنقيب عن البترول، ويعد هذا بمثابة هجوم على أرض لم تكن يوما لهم وإنما هي إمتداد طبيعي و سيادي للمغرب في أرضه.

عموما يمكن القول أن مواقف الدبلوماسية الجزائرية هي مواقف ثابتة منذ سنة 1974 م وتباعا لذلك ظلت هذه المواقف مناهضة لشرعية مغربية الصحراء، وقد ظهر ذلك من خلال مواقف قادة قصر المرادية الدين كرسوا سياسة العداء والمناورة لا لشيء سوى غيرتهم و حسدهم من بلد جار يشق طريق التنمية و النمو بثبات وراء ملك شاب شغله الشاغل هو خدمة بلده و حبه لوطنه ولأرض أجداده.

وقد ازداد غيض الجزائر ضد المغرب و تصعيد موقفه إزاء قضية الصحراء خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة، حيث أقدمت على اقتراح تقسيم الصحراء على المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة السيد جيمس بيكر، وذلك لصرف النظر عن الاتفاق الإطار الذي لقي قبولا واسعا في الأمم المتحدة ولدى الاتحاد الأوربي في المقابل نجد الجزائر تدعي بالمقابل في وسائل الإعلام ان لا ناقة لها ولا جمل في قضية الصحراء، وهنا ينطبق المثل ”الله يعطينا وجهك”.

إن إبقاء ملف الصحراء المغربية مفتوحا يشكل هدفا في حد ذاته بالنسبة للجزائر، ويصاحب ذلك التطلع إلى أن يتم بواسطة المراوغة الحثيثة إحداث ثغرة في الموقف الأمريكي مع مضاعفة الجهود لكسب مزيد من التأييد للأطروحة الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حالة واحدة يمكن أن تشعر الجزائر بأنها مجبرة على التفاوض، وهي الشعور بأنها تتضرر من عدم مسايرة منطق التعاون وحسن الجوار في نطاق اتحاد المغرب العربي، وقد رأينا أنها لا تقيم وزنا لمثل هذا الخطاب، بل إن طمعها في ممارسة الزعامة في المنطقة لم يخب، وهي تزداد تمسكا بمراهناتها في هذا الصدد، على إيقاع ريع النفط الذي يؤجج لديها الركون باقتناع إلى مخططها القائم على النفس الطويل، والاقتناع بأن الآخر محكوم عليه بالتنازل والرضوخ إلى ضغوط قاهرة.

وفي الأخير يمكن القول أنه ومنذ أن أعلن المغرب عن إرادته في استرجاع الصحراء المغربية الموجودة تحت الاحتلال الإسباني واجه معارضة ليس فقط من إسبانيا- الدولة المحتلة- ولكن أيضا من اطراف اخرى معادية للمغرب وعلاوة على ذلك فقد برزت تدريجيا معارضة الجزائر والتي اعتبرت دائما نفسها مهتمة بما يجري في المنطقة، وبسبب غياب مطالب ترابية مباشرة لها، فإن الجزائر ستتحرك عبر ما سمي بالبوليساريو وأمام هذا الإشكال من المعارضة فإن عمل الدبلوماسية المغربية سيظل مرهونا بهذا الملف، الذي سيطرح عبر عدة واجهات إفريقية -عدم الانحياز- هيئة الأمم المتحدة، فعبر هذه المسارب ظل المغرب القوي بحضوره في الصحراء يسعى إلى تحييد خصومه بدءا من إسبانيا ومرورا بموريتانيا باستثناء الجزائر التي ظلت متشبثة بمواقفها إلى حد يمكن القول معه أن قضية الصحراء ستشكل قطب الرحى في تحرك قصر المرادية التي استخدم آلياته وتراكماته لإذاية المغرب ومنع كل تسوية لا ترضيه في المنطقة.

ختاما نقولها ”بفم مليان” وكل فليفهمها كما شاء نقول ”أنه في العرين ريح لا يقربه بنوا الثعالب، غابت الأسود أم حضروا، وتبقى الصحراء في مغربها و المغرب في صحرائه إلا أن يرث الله الأرض ومن عليها رفعت الأقلام و جفت الصحف”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *