آخر ساعة

الفساد بالبوليساريو يسحب عنها غطاء المظلومية أمام الرأي العام الدولي

شكلت قضية الصحراء منذ بداية السبعينات من القرن الماضي خيارا إستراتيجيا للدولة نظرا للتحديات التي أصبحت تواجه هذه الأخيرة و المرتبطة أساسا بفعل المساومة في موضوع السيادة الوطنية و حري بالذكر أن الخيارات التي كانت متاحة لصانع القرار منذ بداية المشكل محدودة و لم تترك له مساحة واسعة للتفاوض حيث سرعان ما أعلن العاهل الراحل الحسن الثاني بداية الثمانينات عن قبول خيار الاستفتاء كبديل تكتيكي وجواب مرحلي عن سؤال تقرير المصير و قد كان الدافع لهذا الامر عنصرين بارزين : أحدهما أن ساكنة الصحراء الموجودة بالأقاليم الجنوبية أكثر عددا من تلك الموجودة بالمخيمات وإذا ما أجريت عملية الاستفتاء بالمعايير المتعارف عليها دوليا فسيكون الحسم في النهاية لصالح خيار الاندماج، العنصر الثاني أن منظمة الاتحاد الافريقي ومنظمة الامم المتحدة كانت آنذاك تساند المغرب بشكل مطلق في إستكمال وحدة أراضيه لأنها ترفض كل إقتطاع للحدود الموروثة عن الاستعمار كما ينص على ذلك البند الثاني من ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية وكما تناصر ذلك دول حركة عدم الانحياز و التي يعتبر المغرب أحد مؤسسيها

وأمام التطورات الإقليمية التي حدثت بالعالم و ألقت بظلالها على مسار النزاع منذ الحرب الباردة واندثار المعسكر الاشتراكي وظهور ما سمي بالنظام العالمي الجديد تحت قيادة واحدة و من يسير في فلكها أصبح لزاما على الدولة أن ترتهن لمواقف الدول الخارجية ذات النفوذ الكبير بمجلس الأمن، فكان لزاما تدشين مرحلة جديدة عنوانها : البحث عن حل سياسي متوافق عليه يحقق السلم والأمن داخل المنطقة فكان الاتفاق على وقف إطلاق النار و بدء المفاوضات بين أطراف النزاع للخروج بحل سياسي فكانت النتيجة تباينات كبيرة على مستوى المواقف المعلنة ووجود شرخ كبير على مساحة التفاوض بالرغم من تقديم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها إحدى الأجوبة المنطقية عن سؤال تقرير المصير و في هذا الإطار و سعيا لتهييء الأجواء و خلق الشروط المناسبة لتنزيل المبادرة و إقناع الأطراف الأخرى للانخراط الجاد و المعقول لابد من رصد عنصرين أساسيين :

الفرص المتاحة

بغض النظر عن الفرص التي تتحدث عن المشروعية المغربية التاريخية و التي أثبتتها وثائق ومرجعيات متعددة وصدر بشأنها قرار بمحكمة العدل الدولية و قررت القوات الاسبانية الانسحاب من المنطقة و تصريح مبعوثين للأمين العام للأمم المتحدة السيد : “بيريز دي كويلار ” الذي قال في أول زيارة له للمنطقة منذ بداية التسعينات : “إن أهل الصحراء لا ينسجمون و خيار الانفصال” و المبعوث الأممي ” فالسوم ” الذي صرح     ُُُُُ”بأن خيار الحكم الذاتي هو الأنسب لحل مشكلة الصحراء”، فإن هناك العديد من نقاط القوة و يأتي في مقدمتها : التواجد على الأرض و ارتباط الساكنة بكل الأقاليم الجنوبية بالسيادة الوطنية و إذا أضفنا إلى ذلك المكتسبات التي عرفها البلد منذ الإعلان عن مبادرة 9 مارس و المصادقة على الدستور الجديد و ما صاحب ذلك من انتخابات نزيهة و تشكيل حكومة رفعت شعار ” الاصلاح في ظل الاستقرار” و التي شكلت نموذج للتحول الديموقراطي و النقاش السياسي بالمنطقة ككل، فإن تحصين هذا الخيار و الدفع به لأن يعم كل دول المنطقة يشكل رهانا حقيقيا لتكتل مغاربي

و إذا أضفنا إلى عناصر القوة المذكورة نموذج التنمية المزمع تنزيله بالأقاليم الجنوبية و الذي يعتبر أحد المداخل الأساسية لحل المعضلة الاجتماعية و تشجيع الساكنة على الإستقرار و العيش الكريم، فإن الأوراق الأخيرة للخصوم ستسقط بعد تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة كجواب سياسي و كتقديم ضمانات حقيقية لتنزيل مبادرة الحكم الذاتي، الشيء الذي سيشجع ساكنة الاقاليم الجنوبية على الانخراط المباشر في مشروع الدولة الوطنية و خدمة الصالح العام و سيشكل عنصر جذب لساكنة المخيمات في تبني خيار العودة النهائية و الاستقرار بأرض الوطن.

التحديات المطروحة

لعل وقوف الهيآت المانحة للمساعدات لمحتجزي المخيمات خاصة والراي العام الدولي عامة عن زيف ادعاءات الجبهة على عدة مستويات ،جعل غالبيتها توقن بضرورة مراجعة جذرية لمواقفها .

فقد وعيت بالطريقة الدنيئة التي تستغل بها الجبهة ملف حقوق الإنسان و الذي أصبح يستغل بشكل سلبي و مؤامراتي من طرف جمعيات وأشخاص انفصاليين ينشطون بالأقاليم الصحراوية على قضايا ثانوية و يسعون للتسويق لها في المحافل الدولية تحت غطاء المظلومية، في حين انهم من يدفع بفئات مغررة بها قصد التخريب والاعتداء على الاشخاص والممتلكات ويستغلون كل ردة فعل لردعم يتم استغلالها بمكر كبير ووقاحة باللجوء ايضا الى صور وهمية ملتقطة من مختلف بؤر التوتر وتقديمها لتلك الهيات وللمجتمع الدولي كنموذج للعنف الزائف اتجاه ساكنة المناطق الجنوبية وكذا الطلبة المنحدرين من هاته المناطق والذين يتابعون دراستهم بالمدن الداخلية للمملكة.

كما يتم الترويج لما تعانيه ساكنة المخيمات من شظف العيش و غياب أدنى شروط العيش الكريم على اساس كون هذا الوضع الماساوي الكارثي هو نتيجة شح المساعدات ل “اللاجئين” والذي يعمل على تضخيم اعدادهم، في حين ان هذا الواقع اللاانساني ما هو في الواقع سوى نتاج تحويل وسرقة المساعدات من قبل قيادة الرابوني وقصر المرادية والتي لم تعد لتنطلي على احد .

ولقد أجابت الورقة التأطيرية التي قدمت من طرف المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي مبينة وجود نخب فاسدة و التي راكمت الثروة و تحكمت في صناعة القرار محليا و بدأت تتناسل و تورث الحكم لبعضها البعض فأنتجت واقعا فاسدا، كان من نتائجه إنتفاضات معبرة عن سخط المحتجزين اتجاه الوضع القائم، إستغلت بذكاء من طرف الخصوم ليتم التلويح مجددا بورقة تقرير المصير

العنصر الآخر المجسد للتحديات هو الارتهان لمواقف الدول الخارجية مالكة القرار داخل مجلس الأمن الدولي، فمن المعروف أن هذه الدول تصرف مواقفها بناء على الحفاظ على مصالحها خاصة منها الاستراتيجية و قد ثبت تاريخيا أن منظمة الأمم المتحدة لم تحل أي مشكل يتعلق بالنزاع السياسي في إتجاه الاندماج بل على العكس من ذلك فهي دائما تسعى لتشجيع بؤر التوتر و خيار الانقسام ولعل نموذج” تيمور الشرقية” و ” جنوب السودان ” خير مثال على ذلك

على سبيل الختام

إن ما يعرفه مسار القضية الوطنية من تطورات إقليميا ودوليا وداخليا يحتم إستغلال كل الفرص المتاحة ومحاولة توظيفها و التسويق لها بشكل جيد، فعلى المستوى الدولي لابد من الرفع من وثيرة إشتغال الهيئات الدبلوماسسية الرسمية و الموازية و التحرك بأقصى سرعة ممكنة في هذا الاطار و على المستوى الاقليمي لابد من البحث عن خلق أجواء تسهل الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي و تعزيز روابط المحبة و المودة بين شعوب المنطقة في أفق تدشين إندماج سياسي، أما على المستوى الداخلي، فبعد تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة و نموذج التنمية لابد من البحث عن نخب تتمتع بالمصداقية و النزاهة و الكفاءة و تتحلى بالمسؤولية اللازمة لتنزيل مشاريع تعزز و تقوي رصيد السيادة الوطنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *