آخر ساعة

خرافة البوليساريو .. من التأسيس إلى النهاية

مقال رأي:

تأسست جبهة البوليساريو، في عز الحرب الباردة بين المعسكرين، الغربي والشرقي. ومن الثابت تاريخيا، أن العالم العربي نفسه، الذي كان خارجا لتوه من الاستعمار، انقسم إلى جبهتين متعارضتين، الجبهة الأولى اتخذت الإيديولوجية الاشتراكية/الشيوعية، كخيار سياسي واقتصادي وثقافي. أما الجبهة الثانية، فاتخذت الإيديولوجية الليبرالية/الرأسمالية، كخيار مغاير، سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

المغرب العربي، كجزء لا يتجزأ من العالم العربي، قد انقسم نفسه إلى جبهتين، فقد اتخذت الجزائر ومعها ليبيا الخيار الاشتراكي، بينما اتخذ المغرب و معه تونس الخيار الليبرالي.

وقد انتقل الصراع الذي عاشه المعسكران الاشتراكي و الرأسمالي بشراسة، إلى الفضاء المغاربي، حيث حضر في البداية على شكل تنافس محموم، حول صلاحية الخيارات الإيديولوجية القادرة على قيادة المرحلة قبل أن يتحول إلى صراع مسلح.

وخلال هذه المرحلة من تاريخ الصراع؛ تم التفكير من طرف الجزائر وليبيا في الإمكانيات المتاحة للي دراع المغرب، الذي لقن الجزائر درسا بليغا خلال حرب الرمال سنة 1963، الشيء الذي اعتبره الحليفان الاشتراكيان مؤشرا على تنامي قوة المغرب، ومن ثم تنامي قوة الخيار الليبرالي/ الرأسمالي في المنطقة المغاربية.

و قد ساهم المحيط العربي في تأجيج الصراع أكثر. وهناك مجموعة من الوثائق التاريخية، التي تؤكد الدعم الخليجي للمغرب، وفي المقابل تؤكد الدعم المصري/السوري/العراقي للجزائر، وإلى مستويات متقدمة، وصلت إلى حدود المشاركة المباشرة لمصر جمال عبد الناصر في حرب الرمال، إلى جانب الجزائر.

في ظل هذه الأجواء القاتمة –إذن- ولدت جبهة البوليساريو، كتعبير مباشر عن الصراع الإيديولوجي و الاستراتيجي، الذي كان جاريا في المنطقة المغاربية، وتسعى إلى انفصال الصحراء عن الوطن الأم المغرب.

ورغم ما قد توحي به التسمية من نزوع تحرري، فإن ذلك لا يعدو أن يكون غطاء للأطروحة الانفصالية، المدعومة إقليميا و دوليا من منطلق إيديولوجي، وكل ذلك بهدف إضعاف المغرب، عبر إخضاعه لمقص التقسيم. وتؤكد مجموع هذه المعطيات السياسية والإيديولوجية، التي ساهمت في ظهور الحركة الانفصالية، تؤكد على مجموعة من الحقائق، التي تضحد بالدليل الأطروحة الانفصالية:

– لم يرتبط تأسيس جبهة البوليساريو الانفصالية بمعطيات تاريخية، التي يمكنها أن تمنحها الشرعية السياسية، كممثل شرعي للصحراويين، بل ارتبط هذا التأسيس بمعطيات إيديولوجية وسياسية، ضمن الصراع الذي فرضته الحرب الباردة. ولذلك فإن المسوغ الوحيد لاستمرارية أطروحة البوليساريو، هو استمرارية وضعية الحرب الباردة، والصراع الإيديولوجي بين المعسكرين الغربي والشرقي.

وهذه معطيات لا تستند الآن إلى الواقع، لأن العالم خرج من زمن الحرب الباردة نهاية الثمانينات، مع سقوط كل قلاع الاتحاد السوفييتي، وتربع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة وحيدة تحكم العالم.

-ترتبط جوهريا بسابقتها، وهي امتداد لها. أي أن نهاية المسوغ الإيديولوجي الذي استندت إليه أطروحة الانفصال في الصحراء، يعني نهاية المشروع السياسي، الذي شيدته الجبهة، وكالة عن المعسكر الاشتراكي. وأي تعنت من قادة الانفصال في مواجهة معطيات المرحلة، يحكم على هذا المشروع بالموت السياسي، كامتداد مباشر للموت الإيديولوجي، الذي عايشوه- وما يزالون- طيلة العقدين الفارطين

-المغرب ربح المعركة ضد أطروحة الانفصال، منذ السقوط المدوي للإيديولوجية الاشتراكية/الشيوعية دوليا وإقليميا. والمرحلة التي تمر بها الآن قضية الصحراء، ما هي سوى مرحلة فاصلة بين مرحلتين متناقضتين، مرحلة الانفصال، ومرحلة الوحدة وفرض السيادة الوطنية على الصحراء المسترجعة من الاستعمار الإسباني. والمغرب الآن يمتلك أوراق رابحة كثيرة؛ تدعمه في مواجهة خيار الانفصال، وتكريس خيار الوحدة والسيادة الكاملة على كامل ترابه الوطني، و على أراضيه المسترجعة بوجه خاص.

ولعل أهم هذه الأوراق، ما يرتبط بتاكتيك الجديد الذي ينهجه المغرب في معالجة القضية، من خلال إشراك جميع الفاعلين، من أحزاب ومجتمع مدني، ونخب فكرية، ومن ارتبط منهم بالقضية على وجه الخصوص. وهو تاكتيك ينسجم تماما مع الوضع السائد في العالم، حيث تم القطع مع كل أساليب احتكار القرار السياسي من طرف جهاز الدولة.

ولعل هذا المنطق هو الذي تحكم إلى أبعد الحدود في صياغة مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب إلى الأمم المتحدة، وحصلت على تأييد دولي واسع، وخصوصا لدى الدول الفاعلة في صناعة القرار الدولي. وقد نجح هذا المقترح في جر البساط من تحت أقدام عصابة الرابوني ومن يدعمها، من خلال إشراك الساكنة في تسيير شؤونها بشكل ديمقراطي؛ يمكنها من انتخاب أجهزة تمثيلية تقودها.

إن ما يؤكد مجموع هذه المعطيات و الخلاصات المرتبطة بها، هو الوضع المأزوم التي تعيشه الجبهة الانفصالية، وضع تؤكده المعطيات على أرض الواقع، فالاستنزاف البشري وصل أبعد مداه، حيث أفواج الصحراويين تفد كل يوم لتعانق الوطن هاربة من الجحيم، الذي يمارس عليها داخل ستالاكات لحمادة ضدا على الشرعية الدولية، التي تجرم هذه الأفعال، وبتهمة اقتراف جرائم حرب ضد الإنسانية.

وبالإضافة إلى هذا الاستنزاف البشري، الذي يهدد القاعدة السكانية في مخيمات العار، فإن المشروع الانفصالي الذي ولد ميتا مند اليوم الأول ينفضح في كل مرة أكثر أمام العالم، الشيء الذي تعبر عنه المبادرات المتوالية لمجموعة من الدول، بسحب اعترافها بالكيان الوهمي، مع ما يرافق ذلك من فراغ سياسي، أصبح يهدد المشروع الانفصالي في العمق، رغم الدعم اللامحدود لسكان قصر المرادية.

ويزكي هذا الانفضاح المضاعف الذي أخذ يتعمق أكثر في السنوات الأخيرة، مجموعة من الحقائق الصادمة، التي بدأت تتسرب رغما عن الآلة القمعية الجزائرية؛ ونذكر منها:

– انفضاح الاغتناء اللا مشروع لرموز عصابة الرابوني، على حساب المحتجزين الصحراويين وذلك عبر المتاجرة في المساعدات المقدمة للسكان من طرف ما تبقى من المنظمات المانحة.

– تورط البوليساريو في علاقات مشبوهة مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي؛ بل والمشاركة الفعلية في الأعمال الإرهابية في تونس وليبيا ومالي.

– إفلاس شعار حقوق الإنسان الذي رفعته البوليساريو مدعومة من الجزائر في وجه المغرب، لتوسيع مهمة المينورسو، التي كانت تلوح بها في كل مرة. والآن انقلبت الآية رأسا على عقب، وأصبح المغرب يلعب هذه الورقة، وهذه المرة من موقع متقدم جدا، خسرت فيه الجزائر وربيبتها البوليساريو ما تبقى من رصيدهما المتواضع أصلا.

– الترحيب المتواصل للمنتظم الدولي – وخصوصا الدول العظمى – للمقترح المغربي للحكم الذاتي، باعتباره مقترحا جادا، وذا مصداقية. مع ما يرافق ذلك من عمل مواز يقوم به المغرب، بخصوص مشروع الجهوية الموسعة، التي تستهدف جهة الصحراء المغربية بشكل خاص، عبر فتح المجال أمام الساكنة لتسيير شؤونها، مع الارتباط بالوطن الأم.

ويرتبط الوضع المأزوم، الذي أصبحت تعيشه الأطروحة الانفصالية؛ بتحولات دولية، تؤشر جميعها على نهاية المنظومة الإيديولوجية، التي ساهمت في تأسيس البوليساريو، الشيء الذي خلف فراغا كبيرا لم يتمكن قادة الانفصال ومن يدعمهم من جنرالات الجزائر، من تعويضه إلى حدود الآن، رغم ما يبذلونه من مجهودات، عبر محاولة ضخ دماء جديدة في شرايين المشروع الانفصالي، الذي يبدو أنه دخل مرحلة السكتة الدماغية.

وقد منيت مجموع هذه المحاولات بفشل ذريع، وآخرها المحاولة الساعية إلى تحويل القضية الانفصالية، إلى قضية حقوقية؛ لتوريط المغرب في جرائم وهمية؛ ترتبط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء وجر المنتظم الدولي إلى مواجهة هذه الانتهاكات عبر توسيع مهمة المينورسو.

ونفس الفشل الذريع منيت به من قبل الخطط الانفصالية، المرسومة من قبل المخابرات الجزائرية، والرامية إلى نقل الحراك الإيديولوجي الانفصالي إلى داخل المغرب، انطلاقا من مدن الصحراء المغربية المسترجعة من الاستعمار الإسباني، وذلك استعدادا لترويجه حزبيا وجمعويا، سواء في الشارع المغربي، أو بين أروقة الجامعات المغربية، من خلال تجنيد بعض الطلبة الصحراويين الفاشلين، ودفعهم إلى تفجير مكبوتاتهم في الفضاءات الجامعية.

ماذا إذن بعد فشل هذه المخططات المرسومة بدقة فائقة من طرف المخابرات الجزائرية؟ هل ننتظر أن تتفتق عبقرية الطغمة الجزائرية الحاكمة على مخططات جديدة، يمكنها أن تعوض هذا الفشل الذريع ؟

أم إن الأطروحة الانفصالية تعيش أيامها الأخيرة، ولا يمكن إنقادها من موتها المحقق، وهو موت منطقي يجد تفسيره أكثر في المعطيات الدولية الجديدة، التي تفرض نفسها، رغم عناد قصر المرادية الداعم لأطروحة فاشلة، تريد أن تعيش خارج سياق الزمان والتاريخ و الجغرافية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *