ملفات | هام

تحليل: ثمن التضحية برأس “المجذوب” .. السيناريوهات المحتملة

عرَفت قضّية زيارة برلماني حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي للحُدود المغربية-الجزائرية يوم الخميس 28 ماي الماضي تطورات مُثيرة وصلت إلى حدّ معاقبة مسؤولين عسكرين كبار من طرف حسني بنسليمان، وما تزال تداعيات الواقعة تثير الكثير من ردود الأفعال داخل الحزب وخارجه، بعد أن انتشرت أنباء حول تدخّل جهات عُليا في ملف اعتبر حساسا من الناحية الأمنية.

ويَنتظر البرلماني المثير للجدل عبد العزيز أفتاتي ما ستسفر عنه المسطرة الانضباطية بعد إحالة ملفه على هيئة التحكيم الوطنية المنبثقة عن المجلس الوطني للحزب. فهل يستطيع حزب العدالة والتنمية التّضحية برأس أفتاتي لإرضاء عيون الغاضبين في مرحلة وُصفت بالحسّاسة، مع ما يتطلبه الاستعداد التنظيمي للانتخابات الجماعية؟

وما هي التداعيات السياسية لقرار طرد أفتاتي من الحزب؟ وإلى يحد يحتاج الحزب لخدمات عبد العزيز أفتاتي خصوصا وأن الكثير من منتقدي العدالة والتنمية يعتبرون أن الرجل يخدم الحكومة بتصريحاته وخرجاته المثيرة للجدل؟ وهل سيكون للقرارات المنتظر اتخادها من طرف ”محكمة البيجيدي” انعكاسات على الوضعية التنظيمية والمسار السياسي لحزب فضل عدم الدخول في مواجهة مباشر مع القصر، خاصة وأن حزب المصباح عاش خلال الأيام القليلة الماضية على وقع هزات خارجية شكلت منعطفا جديدا لمواقف قياداته، منها تلك المتعلقة بمهرجان ”موازين”، وشريط ”الزين لي فيك”، وقضية ”الحب الممنوع” بين الشوباني وسمية بنخلدون.

ماذا ينتظر مستقبل العدالة والتنمية بعد تنامي موجة من الانتقادات خارج الحزب وداخله قد تُحدث زلزالا داخليا تسبب فيه ”المجذوب” الذي ينوى أن يشن حربا ضروسا على القرار؟

”المجذوب” يحدث ضجة حول مستقبل تماسك حزب المصباح

يعيش الحزب الإسلامي الأكثر تنظيما بالمغرب على إيقاع ارتدادات سياسية وتنظيمية غير مسبوقة في تاريخه السياسي، فبعدما كان المستوى التنظيمي والانضباطي ”للعدالة والتنمية” محط إجماع المحللين الأكاديميين بعد أربع سنوات من فوزه بالانتخابات التشريعية، حيث باث قرار تجميد مهام رئيس لجنة الشفافية داخل الحزب ”عبد العزيز أفتاتي”، يثير الجدل حول مسار ”الديمقراطية الداخلية” لحزب يصوف بأنه ”متماسك داخليا” ويقود حكومة بعد ”دستور 2011″.

أحمد البوز أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالرباط، يعتبر أن قرار تجميد عضوية أفتاتي من جميع هياكل الحزب قد اتخذ، و”اتخذ حتى قبل الاستماع الى الشخص” وهذا يطرح قضية أكثر عمقا حول مصير ”الديمقراطية الداخلية” لحزب ابن كيران الذي يقدم نفسه كحزب ديمقراطي، ”تتخذ فيه القرارات المصيرية بالتداول”.

ويستبعد البوز في تصريح لـ ”مشاهد”، ”حدوث مقاومات داخلية إذا ما تم طرد أفتاتي بالنظر الى الوضعية الاعتبارية والصفة الجديدة التي يتمتع بها عبد الإله بنكيران بعد أن أصبح رئيسا للحكومة وأضحى مصدرا للمنافع والمناصب بالنسبة لعدد من أطر الحزب الراغبين في الاستوزار”.

ويذْهب البوز إلى أن قرار طرد أفتاتي لن تكون له تداعيات ”داخلية” تعصف بمستقبل تماسك الحزب، فإذا كان بنكيران، يقول نفس المتحدث، قد حسم الموضوع في قرارات نفسه وباتفاق مع الجهات المتضررة من الزيارة، أي إذا كان القرار نهائيا فوق مكتب بنكيران بأنه بالضرورة سيصبح نهائيا داخل الحزب ككل، نظرا لقوة حضور الأمين العام، ويردف البوز “لا أعتقد أن هذا المعطي يمكن أن يتغير، سوى إذا كانت قيادة العدالة والتنمية قد اتخذت هذه القرارات من أجل درّ الرّماد على العيون إلى أن تهدأ العاصفة”.

وكان عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة لحزب المصباح، قد أكد عقب اتخاد قرار تجميد عضوية أفتاتي”أن الزيارة التي قام بها عبد العزيز أفتاتي إلى الحدود الشرقية خلفت استياء لدى جهات في الدولة، لحساسية المنطقة من الناحية الأمنية والعسكرية. وخلفت أيضا “عدم ارتياح لدى قيادة الحزب لما ترتب عليها من أحكام واتهامات”. معتبرا أن، تجميد عضويته، إجراء احترازي لتفويت الفرصة على من يكيدون للوقيعة بين الحزب ومؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة الملكية”.

لكن القرار الذي هز تنظيم العدالة والتنمية، ينتظر أن يؤثر على تماسك التنظيم بعدما أغضب العديد من المقربين من عبد العزيز أفتاتي الذي يستعد لتجيش عدد من المحامين من الحزب وخارجه للدفاع عن سلامة موقفه. وسيكون لأي قرار يفيد بطرد أفتاتي بصفة نهاية تداعيات سلبية على تماسك الحزب، وقد تسير الأمور إلى درجة خلق تيارات غير معلنة خصوصا بعد ما موصفه متتبعون ”التناقضات التي تطفو على السطح من حين لأخر بين القيادة والأعضاء حول عدد من القضايا منها موازين…”.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات غاضبة من بلاغ الأمانة العامة للبيجيدي، حيت اعتبر حسن بوخف رئيس تحرير جريدة التجديد الناطقة بلسان الحركة الدعوية لحزب المصباح أن “قرار تجميد عضوية افتاتي، اتخذ قبل الاستماع له”، ”ومن التقاليد البديهية قبل اتخاذ مثل هذه القرارات الاستماع للمعني بالأمر أولا والتأكد مما اعتبرته الأمانة العامة عملا غير مسؤول فضلا عن كونه يشكل انتهاكا لمبادئ الحزب وتوجهاته العامة”، ويضيف بوخف، ”أن تجريم زيارة الحدود يعتبر تقصيرا من شأنه فتح باب التأويلات الماسة بحق السيد أفتاتي في النظر العادل من طرف هيئة التحكيم الوطني”.

وانتقد رئيس تحرير جريدة التجديد وعضو حركة التوحيد والإصلاح حسن بوخف، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي ”فايسبوك” الإدانة التي يحملها البلاغ لأفتاتي دون الاستماع إليه وقبل أن تنظر هيئة التحكيم في ملفه. وهذا الأسلوب، يؤكد بوخف، ”ضل حزب العدالة والتنمية يشجبه في تعاطي السلطات مع ملفات المواطنين حين تدينهم إعلاميا قبل عرضهم على القضاء”.

بندقية أفتاتي .. تخدم بنكيران والحكومة أكثر مما تزعجها

كثيرة هي المرات التي سبب فيها عبد العزيز أفتاتي متاعب للأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران وبعض قيادي الحزب، بسبب تصريحاته اللاذعة في عدد من القضايا الحساسة، خصوصا تلك المتعلقة بقضية تسريب وثيقة تبادل العلاوات بين مزوار وبنسودة، والتي وجد فيها رئيس الحكومة نفسه في وضع حرج في مواجهة ما يوصف ”بالدولة العميقة”.

وانتقد حينها أفتاتي ما وصفه الطريقة ”غير القانونية” التي دبّر بها الملف، وهاجم القضاء وانتقد محاكمة موظفين دون فتح تحقيق مع المعنين المباشرين ”بالفضيحة”، وقد أثار أفتاتي حفيظة بنكيران حين شارك إلى جانب قيادة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي في يوم دراسي نظم من طرف مركز إين رشد في 6 أبريل 2014، حول اليسار، الإسلاميون، والديمقراطية، حيث خرج عقبه بن كيران بتصريح ناري ضد الجماعة.

وعكس ذلك يرى الاستاذ الجامعي والإعلامي محمد حفيظ ، أن أفتاتي لم يكن يزعج بنكيران بقدر ما كان يخدم حكومته بالدرجة الأولى، مضيفا في تصريح لـ”مشاهد” أن “الانتقادات التي كان يوجهها للخصوم لم تكن قط مناهضة للخط الرسمي لحزب العدالة والتنمية، بل كان دائما يدافع عن اختيار الحكومة واختيارات بنكيران … وقبيل اتخاد قرار تجميد عضويته كان قد تحدث في تصريحه الأخير وكأنه عضو من الحكومة، وأنه عمليا كان داعما لعملها، ولم يكن مختلفا مع قضايا الحزب” يضيف حفيظ.

في نفس السياق نفى أستاذ القانون الدستوري أحمد البوز في تصريحه لـ “مشاهد” أن يكون القرار مجرد تصفية لحسابات داخلية بين الأمانة وأفتاتي، معتبرا أن ما يقوم به أفتاتي يخدم بنكيران بشكل كبير ويخدم الحكومة وحزب العدالة والتنمية بشكل قوي.

وعزّز البوز ما ذهب إليه حفيظ، معتبرا أن بنكيران يحتاج لخدمات أفتاتي أكثر من أي شخص أخر، لأن بنكيران في حاجة لمن يلعب دور ”كوي وبخ”، الذي يتقنه أفتاتي بشكل جيد، لخدمة ازدواجية الخطاب داخل العدالة والتنمية من أجل الحفاظ على التوازن الذي يجنب المصباح أي انحراف وانتقاد من أعضائه.

وخلافا لذلك فقد خضع أفتاتي لضغوط قوية في عدد من المناسبات من طرف العديد من المقربين له، ومن طرف الأمين العام للحزب نفسه، الذي هاجمه في العدد من التصريحات إلى درجة وصفه ”بالمجذوب لي غادي يجيبها فراسو”، وقد جرى في ما سبق إبعاده من الأمانة العامة بقرار من بنكيران، كونه يشكل خطرا على موقع القرار الحزبي، حيت كان من أشد المعارضين لاستوزار أخنوش في حكومة العدالة والتنمية.

وكان ينتقد بقوة العدد الكبير من الوزراء في الحكومة والتي وصفها بـ”حكومة الترضيات” في عدد من تصريحاته الصحفية، وكان أفتاتي من بين الرافضين لاستوزار صلاح الدين مزوار أيضا، بعد خروج حزب الميزان بقيادة شباط، وضل يصفه بـ”الفاسد” بعد فضيحة ”تبادل العلاوات”، حتى تلقى توبيخا خلال الحكومة الثانية لابن كيران لتيراجع عن تصريحه أو بصمت على الأقل، وكان أفتاتي من بين برلماني المصباح الذين قادوا هجوما لاذعا على جهاز مديرية مراقبة التراب الوطني، مطالبين بضرورة ”إخضاعه لمراقبة البرلمان”.

قضايا المصباح فوق طاولة “أفتاتي”

قبل تجميد عضويته من داخل الحزب، كان عبد العزيز أفتاتي يرأس لجنة النزاهة والشفافية التي يصفها أعضاؤها ”يترانسيراسي المصباح” والتي تعتبر ”آلية للمعالجة الذاتية” داخل الحزب.

وكانت اللجنة التي يترأسها أفتاتي تتدارس عدد من الملفات الحساسة لأعضاء الحزب من بينهم الأمين العام عبد الإله بنكيران، فقبل تجميد عضويته من جميع هياكل الحزب، قال أفتاتي إن لجنة النزاهة والشفافية التي يترأسها بالحزب تعتزم التحقيق مع بنكيران حول ما أثير بخصوص امتلاكه لمطبعة دون التصريح بها، وأن ” لأمين العام للحزب سيقف كباقي أعضاء الحزب أمام اللجنة للتحقيق معه في ملف امتلاكه لمطبعة”.

وقد أثار عبد العزيز أفتاتي زوبعة داخل الحزب حين أعلن أن “ترانسبارنسي المصباح”، ستحيل لأول مرة عدد من الملفات لقياديين في العدالة والتنمية استفادوا من المال العام بطريقة غير قانونية، وهو الأمر الذي وضع أفتاتي في فوهة بندقية المقربين من القرار السياسي داخل الحزب وخارجه.

هل يستطيع بنكيران التضحية بأفتاتي، أم أن تجميد عضويته مسألة وقت

أفاد مصدر داخل الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لـ “مشاهد” رفض ذكر اسمه، بأن عددا كبيرا من أعضاء الأمانة العامة يستبعدون التضحية برأس أفتاتي لأنه ”مناضل حقيقي”، وأن الأمور قد تعود إلى نصابها، خاصة وأن المسألة لا ترقى إلى مستوى حجم الحساسية المتداولة في الإعلام، وليست أول مرة يتخذ فيها قرار التجميد.

ورفض المصدر ذاته أن يطلعنا عن فحوى كواليس اتخاذ قرار الطرد، الذي قال بصدده أن بنكيران خضع لضغوط كبيرة من طرف أعضاء في الأمانة العامة ليغلق ملف أفتاتي، مرجحا أن أفتاتي قد يكون مخطئا وأن محكمة الحزب ستتخذ القرار المناسب في حقه، غير أن بنكيران ”نيشان” حين يكون الأمر حساسا فانتظر قرارات غير متوقعة يقول القيادي في حزب البيجيدي.

وعاد المصدر ليؤكد أن أفتاتي لم يكن يقصد إثارة هذه الضجة، مضيفا أن موضوع تجميد عضوية أفتاتي جاء لأخذ المسافة من الأحداث الجارية وتقديرا لتداعيات الموضوع وحساسيته بالنسبة للقصر والجهاز العسكري، مرجحا أن تعود الأمور إلى نصابها في الأيام القليلة القادمة إذا تفهمت الجهات المتضررة حجم تأثير قرار الطرد على الحزب من الناحية التنظيمية.

وبخصوص مسألة قدرة الحزب على التضحية برأس أفتاتي، يعتقد أحمد البوز أستاذ العلوم السياسية أن الرجل ربما سيستعيد وضعيته داخل الحزب لأنها ليس أول مرة يسري فيه قرار تجميده، فقد جرى نفس القرار عقب مراسلة افتاتي للسفير الفرنسي سنة 2009 فيما كان يعرف بقضية وجدة.

ويضيف المتحدث نفسه، أن الأمانة العامة لحزب المصباح “ربما تريد من خلال القرار إرسال رسالة إلى الملك والجهاز العسكري بأنهم متفهمين لهذا الغضب، وقد ضحوا نسيبا بأفتاتي إلى أن تهدئ العاصفة”.

واعتبر الأستاذ الجامعي والإعلامي محمد حفيظ أن التضحية بأفتاتي لن تكون لها أهمية كبرى داخل حزب ضحى سابقا بخطابه وتسامح مع الفساد وانحرف على مساراته الكبرى، وأكد حفيظ أن عبد الإله بنكيران ومعه الأمانة العامة للحزب قادرة على التضحية بأفتاتي عندما ستحس بخطورة الوضع على علاقتها بالقصر.

واعتبر أن هذا أمر متوقع بالنظر إلى السرعة التي اتخذ بها القرار التجميد ”وكيبان بأن التضحية بأفتاتي لم تعد أمرا مستبعدا” يقول حفيظ، لأن كيفية اتخاد القرار لم تكن بدوافع من العدالة والتنمية أو الحكومة بل هناك ضغوط على أعلى مستوى، وعندما يوضع بنكيران أمام خيارين، بين رضى القصر أو عضو، سيختار التضحية بعضو، ويمكن تعويض غدا بعضو آخر.

أما أحمد البوز فقد رجح إمكانية عودة الأمور إلى نصابها، معتبرا أن بنكيران في وضعية ضغط جراء الاحداث المسارعة التي تعرفها الحالية السياسية، وفضل أن يوجّه هذه الرسالة، مؤكدا، أنه ربما ستعود الأمور الى نصابها، وأن المسألة مسألة وقت، غير أن البوز لا ينفي أن بنكيران يمكنه أن يضحي بأفتاتي اليوم ليربح المعركة غدا. مضيفا أن “”خطاب العدالة التنمية خضع لتحول كبير، ومسار الحزب مفتوح على خطاب جديد يمكن أن يفعل فيه أي شيء لكي لا يخسر علاقته بالقصر”.

إلى ذلك اتصلت “مشاهد” بالقيادي في جماعة العدل والإحسان حسن بناجح، لكنه رفض التخمين في مسألة التضحية بأفتاتي، معتبرا أن الأمر شأن حزبي داخلي، وباعتباره فاعلا سياسيا، رفض الإدلاء برأي ما في هذا الموضوع. وعُرف أفتاتي بدفاعه عن بعض مواقف العدل والإحسان الشيء الذي كان يحرج بنكيران في مواجهة بعض الجهات النافذة داخل الدولة، وقد تضامنت العديد من قيادات الجماعة مع أفتاتي ضد قرار التجميد.

وقد سبق لـعبد العزيز أفتاتي، أن وجه دعوات مصالحة مع العدل والإحسان مؤكدا على أن وضعية الانتقال الديمقراطي التي تعيشها المملكة تجعلها في حاجة إلى مشاركة جميع القوى السياسية “بما فيها التي توجد خارج المؤسسات ومنها جماعة العدل والإحسان”. واعتبر أن نجاح تجربة “الانتقال رهين بمشاركة الجميع دون إقصاء”، وربما تكون هذه الأسباب من بين أخرى هي التي عجلت برأس أفتاتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *