خارج الحدود | هام

خيبة الأمل في مرحلة ما بعد الميز العنصري تؤجج الاحتجاجات بجنوب إفريقيا

يرى محللون للشأن الجنوب إفريقي أن الاحتجاجات المكثفة التي تشهدها الجامعات بهذا البلد منذ بضعة أيام تعبر عن استياء ناجم عن خيبة أمل الشباب إزاء الوعود التي لم يتم الوفاء بها منذ نهاية سنوات الميز العنصري سنة 1994.

وتعتبر هذه الاحتجاجات، التي شلت معظم الجامعات، الأكبر من نوعها منذ دخول هذا البلد عهد الديمقراطية على يد مؤسسي جنوب إفريقيا الحديثة، بزعامة نيلسون مونديلا.

وفي هذا الصدد، يرى ثيو فنتر المحلل السياسي بجامعة بوتشيفستروم (جنوب غرب جوهانسبورغ) أن هذه الاحتجاجات التي وصفت “بالربيع الجامعي” من قبل الموقع الإخباري “نيوز24” جاءت لتميط اللثام عن الغضب الاجتماعي المتزايد جراء تنامي الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية في البلاد.

والواقع أنه بعد مرور 22 عاما على انتهاء النظام العنصري، يبدو المؤتمر الوطني الإفريقي الذي تأسس عام 1912 من أجل الدفاع عن مصالح أغلبية السكان السود، عاجزا على الوفاء بوعوده من أجل حياة أفضل لفائدة الشعب وخصوصا الشباب.

وتفيد إحصائيات رسمية بأن 22 في المائة من سكان جنوب إفريقيا، المقدر عددهم ب 55 ميلون نسمة، يعيشون في الفقر، بينما تبلغ مداخيل السكان البيض ستة أضعاف دخل غالبية السكان السود.

وحسب محللين، فإن المظاهرات الطلابية، التي قد تتحول لتصبح حركة وطنية، تأتي للتذكير بهذه الحقيقة المرة، التي تؤججها وضعية اقتصادية مرشحة هي الأخرى للتعقيد.

كما أن التظاهرات التي تشهدها الجامعات احتجاجا على الرفع من رسوم التدريس بالنسبة للدخول الجامعي المقبل، تأتي عقب سلسلة من الاحتجاجات التي نظمها سكان الأحياء الفقيرة للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والارتقاء بالخدمات الأساسية.

وفي هذا السياق أحصت مصالح الأمن بالبلاد ما لا يقل عن 2289 مظاهرة عنيفة في خلال الفترة الممتدة من مارس 2013 إلى مارس 2014، أي بزيادة 1907 مظاهرة مقارنة بسنة 2012-2013.

ويعتبر رافي بهاتيا مدير التصنيف السيادي التابع لوكالة “ستاندارد آند بورز” الدولية أن هذه الاحتجاجات التي تعصف بالبلاد تتغذى أساسا من واقع عدم قدرة الاقتصاد على تحقيق معدل نمو قادر على خلق فرص الشغل وتقليص نسبة الفقر والبطالة.

وتتزامن هذه الاحتجاجات، التي ستصل ذروتها اليوم الجمعة بتنظيم مسيرة حاشدة نحو مقر الحكومة في بريتوريا، مع صدور أرقام حكومية تظهر أن اقتصاد البلاد مازال يعاني من صعوبات ستعقد الجهود الرامية إلى احتواء مكامن العجز الاجتماعي والاقتصادي.

وهكذا فإن معدل النمو قد لا يتجاوز هذه السنة 1.5 في المائة، وهو ما ينبئ بشبح تراجع التصنيف السيادي لهذا البلد الذي يعد الأكثر تقدما على صعيد القارة الإفريقية.

وحسب جي إف روهشيانكيكو الخبير الاقتصادي في بنك “غولدمان ساكس”، فإن المعطيات الصادرة عن وزارة الاقتصاد تزيد من احتمال هذا التراجع خلال هذه السنة.

من جهته، يرى محافظ البنك المركزي أن الإطار الماكرو إقتصادي للبلاد يبقى قويا بما فيه الكفاية للدفاع عن تصنيف إيجابي لفائدة بلاده.

وبالمقابل، يعتبر أوبري ماتشيكي، الباحث في مؤسسة “هيلين سوزمان” بجوهانسبرغ أن جمهورية جنوب إفريقيا تتجه حتما نحو عاصفة حقيقية من السخط يحركها الفقراء والطبقة العاملة والطبقة الوسطى.

بدوره، يقول المحلل ثيو فنتر إن المشاكل التي تعاني منها البلاد هي أعمق بكثير من مجرد أزمة في الجامعات، لافتا إلى أن الاحتجاجات الطلابية تعبير عن إشكالية أكثر حدة، تتجلى على الخصوص في الفقر وعدم قدرة الحكومة على إيجاد حلول لمظاهر عدم المساواة.

ومن باب المفارقة، يرى محللون أن حجم اقتصاد جنوب إفريقيا تضاعف مرتين منذ وصول حزب المؤتمر الوطني الافريقي إلى السلطة، إلا أن مكاسب هذا التوسع لم توزع بشكل عادل، مشيرين إلى أن من شأن ذلك إذكاء موجات التدمر، وذلك في غياب إرادة واضحة لإخراج البلاد من هذه الأزمة.

وكان وزير الأمن، ديفيد ماهلوبو، قد حذر من أن المظاهرات الطلابية يمكن أن تشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار البلاد وأمن الدولة، لاسيما في أفق الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في سنة 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *