متابعات | هام

بوصوف يكتب عن “مسؤولية الآخرين” في صعود اليمين بفرنسا

شهدت فرنسا، الأحد الماضي، إجراء الدور الأول من الانتخابات الجهوية التي منحت حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرف، صدارة الأحزاب المتنافسة، بعد حصوله على أزيد من 30 في المائة من أصوات الفرنسيين، وجاء في طليعة ست جهات من أصل 13 جهة تتكون منها الجمهورية الفرنسية.

هذه النتائج المحصلة في الدور الأول لهذه الانتخابات ليست سوى استمرارا للمسار التصاعدي لحزب “مارين لوبن” منذ الانتخابات الأوروبية في ماي 2014، التي خلق فيها المفاجأة بحصوله على 25 بالمائة من عدد المقاعد المخصصة لفرنسا؛ كما تؤكد اختراق حزب الجبهة الوطنية للنسيج الحزبي الفرنسي؛ منهيا بذلك عهد القطبية الحزبية بين اليمين التقليدي ممثلا في “حزب الجهوريين”، واليسار في “الحزب الاشتراكي” الحاكم، اللذين غابت بينهما الحدود على الرغم من الاختلاف الإيديولوجي، وتماهيا إلى حد تطابق برامجهما الانتخابية.

إن النتائج المعبَّر عنها في الانتخابات الجهوية الفرنسية تثير الكثير من القلق لأنها تعكس تحولا في اختيارات نسبة مهمة من المجتمع الفرنسي، وتوجهها نحو خطاب إقصائي وقومي متشدد؛ وذلك يرجع إلى عدة عوامل.

تتحمل الأحزاب الوطنية الفرنسية، خاصة الحزب الاشتراكي والجمهوريون (تجمع من أجل حركة شعبية سابقا)، مسؤولية “تغوّل” الجبهة الوطنية. فخطابها السياسي بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس الشهر الماضي، وتبني السياسة الأمنية المطلقة في معالجة أوضاع الإسلام وتدبير الهجرة في فرنسا، جعل خطاب اليمين المتطرف أكثر مصداقية، خصوصا وأنه يستغل الحالة النفسية للمواطنين لبث التخويف ولتجريم الآخر.

من جهة أخرى، فإن عدم قدرة المسلمين على إنتاج خطاب مطمئن للمجتمع الفرنسي، والاكتفاء برد الفعل كلما وجهت إليهم أصابع الاتهام، يُضعف من خطاب الاندماج الذي تتبناه جل الأحزاب الفرنسية، ويقوي الخطاب اليميني المتطرف المعتمد على مبادئ العنصرية والتجريم والكراهية، ويجعله أكثر واقعية بالنسبة للمواطن الفرنسي في ظروف كهاته.

أضف إلى ذلك مسؤولية الدول المصدرة للهجرة التي وإن كانت تتوفر على جاليات مهمة مقيمة في فرنسا، لكن جهودها تجاه هذه الجالية تبقى محدودة أو فئوية موجهة إلى فئة من المهاجرين دون أخرى. كل ذلك يجعل هذه الجهود غير موحدة ولا تحمي مكتسبات المهاجرين بصفة عامة، فيصبحون فئة هشة من السهل مهاجمتها وتأليب الرأي العام عليها وجعلها وقودا للحملات الانتخابية لليمين المتطرف.

إن معالجة هذا الصعود المتسارع لليمين المتطرف في فرنسا يتطلب رجوع النخبة السياسية الفرنسية إلى روح الجمهورية، وبلورة سياسة مبنية على مبادئ الجمهورية، سياسة تعزز الحرية والمساواة والأخوة، دون الانجرار وراء الخطابات المتطرفة والسياسيات المبنية على المقاربة الأمنية.

وفي هذا الإطار، يُفترض على المسلمين إنتاج خطاب ديني مواطن يركز على الانتماء للوطن ومشاركة أفراده في آمالهم وآلامهم؛ وأن يجعلوا من أنفسهم نماذج وعناصر استقرار وازدهار لتلك المجتمعات وليس مصدر قلاقل، مع الانخراط المجتمعي التام من أجل ترسيخ مبادئ التعدد والتنوع.

أما بالنسبة للدول المصدرة للمهاجرين، فيتعين عليها اتخاذ المبادرة تجاه جالياتها، ومن ورائها الجاليات المهاجرة بصفة عامة، من خلال بلورة سياسات عمومية تسهل عملية إدماج مهاجريها في هذه المجتمعات.

* الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *