المغرب الكبير | هام

أمازيغ الجزائر يحرقون الحانات والخمور وسط صمتٍ حكومي

انطلقت في الجزائر حملة شعبية ضد الخمور والحانات تركّزت في المناطق الأمازيغية، ووصلت إلى حد إحراق محلات لبيع الخمور في بعض المناطق.

وتحمل الحملة اسم “شباب أمازيغ أحرار لإعادة الحشمة والحرمة والمحافظة” إلى ولايات القبائل، حسب تصريحهم.

ونظمت منذ 14 غشت 2016، احتجاجات كبيرة عبر عدد من الولايات، مطلبها الأول غلق الخمارات والملاهي، معتبرة أن تواجدها أمر لا يليق بالمجتمع الأمازيغي المحافظ، بينما أثارت الحملة اعتراضات أحزاب محسوبة على الأمازيغ رأت فيها تعدياً على الحريات الشخصية.

لكن في الوقت نفسه انضم إلى هذه الاحتجاجات عددٌ من رؤساء الأحزاب وممثليهم، كالأمين العام لحركة الإصلاح، فيلالي غويني، والقيادي البارز في حركة مجتمع السلم (حركة إسلامية)، نعمان لعور، إضافة إلى عدد من المؤسسات والمنظمات، للضغط على حكومة رئيس الوزراء عبد المالك سلال لإعادة النظر في قانون منح التراخيص وتيسير بيع الخمور وفتح الملاهي.

 

نهضة شباب الأمازيغ

 

وأطلق شباب منطقة القبائل بالجزائر الحملة في المنطقة الممتدة من ولايتي بومرداس والبويرة -غرب الجزائر- إلى جيجل وسطيف من الناحية الشرقية.

محمد آيث سي سالم الناطق باسم حملة “شباب أمازيغ أحرار”، والذي يتخذ من ولاية بجاية، على بعد 270 كيلومتراً شرق الجزائر، مقراً للحركة، أوضح أن الحملة تهدف إلى تطهير الولايات من “فوضى الخمر والملاهي”.

وقال سالم  إن نسبة انتشار الملاهي أو “المخمرات” – كما يطلق على محل بيع الخمور بالجزائر- في منطقة القبائل، تمثل نسبة 60% من مجموع ما سجل على مستوى البلاد، وهي نسبة “تشوه المنطقة المعروفة بتدينها”، على حد وصفه.

 

أسباب الحملة

 

وعن فكرة الحملة، قال إن مجموعة من الشباب في جامعة مولود معمري بولاية تيزي وزو الجزائرية، استاؤوا من وقوع عدة حوادث مؤسفة، منها اختطاف ومقتل الطفلة نهال بتيزي وزو، وتأكيد التحقيقات الأولية أن الجاني كان مخموراً، إضافة إلى اختطاف طالبة جامعية والاعتداء عليها جماعياً بإحدى مخمرات ببجاية قبل ذلك بوقت قصير.

وأرجع المتحدث السبب الأول في كل ما حدث، إلى الانتشار الكبير للمخمرات والملاهي بمنطقة القبائل، لتختار الحركة العطلة الصيفية موعداً من أجل إطلاق الحملة، التي بدأت تكبر وتتوسع عبر عدد من الولايات، حسبما ذكر.

 

النيران تشتعل في “المخمرات”

 

الفكرة التي ولدت في بجاية، سرعان ما امتدت لتشمل عدداً من الولايات الجزائرية، خاصةً المنتمية إلى منطقة القبائل.

وفي 15 شهر غشت 2016، شهدت منطقتي آوقاس وتيشي بولاية بجاية حملة مداهمة شعبية كبيرة ضد بعض المخمرات المنتشرة هناك، وتم إغلاق 7 منها من قبل الأهالي، دون تسجيل أي معارضة تذكر سواء من جانب الأجهزة الأمنية أو حتى من قبل ملاك المحلات الذين استجابوا لعملية الإغلاق دون اقتحام أو تخريب، بحسب محمد آيث سي سالم.

aljzair

بعدها بيوم واحد اشتعلت ولاية البويرة باحتجاجات مماثلة طوال اليوم، تم خلالها حرق 3 مخمرات، وتحطيم مخزن للخمور بالمدخل الشرقي للمدينة، تلتها مسيرة مطالبة بإغلاق جميع المخمرات والملاهي.

الاحتجاجات عادت إلى بجاية في اليوم التالي، حيث قام العشرات من الشباب بمنطقة مالبو الحدودية بين هذه الولاية وجيجل، بمنع فتح المخمرات والملاهي هناك ليلة كاملة.

 

تشميع بقرارٍ حكومي

 

الاحتجاجات ضد الخمر والملاهي امتدت إلى ولاية تيزي وزو التي توصف بعاصمة أمازيغ الجزائر، وذلك بعد جريمة قتل وقعت بمحيط إحدى المخمرات في قلب عاصمة الولاية في 16 غشت 2016.

واستغلت حملة “شباب أمازيغ أحرار” هذه الجريمة لقيادة اعتصام للمطالبة بغلق المخمرات والملاهي في هذه الولاية أيضاً، خاصة وأن الجريمة تأتي بعد ثلاثة أيام فقط على إطلاق الحملة في 14 غشت 2006.

هذا التحرّك، بحسب المتحدث باسم الحركة، أثمر نجاحاً مع إصدار والي الولاية أمراً بتشميع المخمرة التي شهدت الجريمة، وطالب بفتح تحقيقات عن جميع المخمرات التي تنتشر بولاية تيزي وزو، وهو التحرك الرسمي الوحيد المسجل حتى اللحظة.

 

احتجاجات خارج أسوار القبائل

 

وفي الوقت الذي كانت فيه الأنظار موجهة نحو منطقة القبائل في احتجاجات الخمور والملاهي، اهتزت ولاية المسيلة – بوابة الصحراء كما يطلق عليها الجزائريون- باحتجاجات عارمة لمنع بيع الخمور وفتح المخمرات.

هذه الاحتجاجات التي شارك فيها آلاف المواطنين يومي 18 و19 غشت 2016.

المسيرات دعت الحكومة إلى عدم الامتثال لطلب تقدمت به إحدى الجمعيات لتوفير أماكن تداول الخمور لشباب المنطقة.

ويؤكد داحي عيسى رئيس المكتب الولائي للاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، وأحد منظمي مسيرة الكرامة ضد الخمور، أن “القضية واضحة، ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب، فهو يرفض الخمور وعلى الحكومة أن تستجيب”، حسب قوله.

وتعجب عيسى مما وصفه بتساهل الحكومة في مثل هذه الأمور، واستنكر قيام جمعية محلية بالمطالبة بتسهيل عملية بيع الخمور بالولاية، مؤكداً أن “ولاية المسيلة المحافظة ترفض مثل هذه التحركات المسيئة”.

 

27 جمعية تراسل رئيس الحكومة

 

وسط هذا الجدل، راسلت 27 جمعية الوزير الأول عبد المالك سلال لمطالبته بوقف افتتاح أماكن بيع الخمور والتضييق على نشاط الملاهي.

ورغم أن النسبة الأكبر من هذه الجمعيات تنشط بولاية المسيلة، فإن عدداً منها راسل الوزير من خارج المسيلة.

وأكد ميرة سمير رئيس جمعية المستقبل، أن النشاط الجماعي يهدف إلى التصدي للآفات الاجتماعية.

وقال إن تحرك الشارع بقيادة هذه الجمعيات، يعكس بحق صورة المجتمع الرافضة لـ”انتشار السُّكْر والفُحش” في المجتمع، حسب وصفهم.

ويؤكد عبد العزيز سكرار رئيس جمعية الثقة بولاية البويرة أيضا، أن الثورة الأخيرة ضد الخمور هي شبابية بامتياز، وهو “أمل البلاد الوحيد للتصدي لكل من أحب أن تشيع الفاحشة في المجتمع”، داعياً جميع الجمعيات عبر الوطن، خاصة تلك التي تنشط بغلاف شبابي واجتماعي، أن تتوحد لرد الاعتبار لصورة الجزائر المسلمة والمحافظة، على حد تعبيره .

 

صمت رسمي

 

الجهات الرسمية في الجزائر لم يصدر منها أي تصريح أو قرار بشأن ما يحدث.
ويستغرب محمد آيث سي سالم الناطق باسم حركة “شباب الأمازيغ” من بقاء الحكومة صامتةً أمام تحرك الشارع، وعدم ردها على مراسلات الحركة، أو الجمعيات الناشطة في الميدان.

كما عبّر عن اندهاشه من عدم قيام القنوات الرسمية كالإذاعة والتلفزيون العموميين بتغطية الاحتجاجات، والبحث عن رد السلطات، ويقول إن “هذه مرآة عاكسة لنوايا الدولة في عدم سعيها لإرضاء المحتجين”.

 

التعويض والحماية

 

ويؤكد مصدرٌ من مديرية التجارة لولاية البويرة (رفض ذكر اسمه)، بأن أحد ملاك المخمرات التي تم حرقها، يسعى جاهداً من أجل أن تعوض له الحكومة ما خرب وحرق من ممتلكاته.

ويؤكد أن هذا الشخص، اعتبر أن نشاطه قانوني وفق سجل تجاري ودفتر شروط بينه وبين مصالح التجارة، ومعاملته كما قال يجب أن تكون مماثلة مع باقي التجار الذين يملكون التأمين ولهم الحق في التعويض.

ويضيف هذا الإطار: “وفق القانون المعمول به، فإن المخمرة أو الملهى المصرح، إذا تعرض لحادث ما، بما فيها الاحتجاجات الشعبية، فإن جهة التأمين تتكفل بالتعويض وفق الاتفاق المبدئي”.

أما مالك إحدى المخمرات بأوقاس ببجاية– الذي رفض ذكر اسمه أيضاً-، فيطالب الحكومة بتوفير الحماية، كاشفاً عن أن بعض الشباب مؤخراً يريد اقتحام ممتلكاتهم وتخريبها كما جرى في 15 من أغسطس/آب 2016.

أحد مالكي مخمرة بمنطقة أوقاس ببجاية –مراد بن دحو رفض ذكر اسمه- يقر بأنه مستثمر في المجال لمدة فاقت الـ20 عاماً، وكثيراً ما تعترضه مشاكل خاصة من قبل السكان، منهم من يرفض بيع الخمر تماماً.

واستدرك قائلاً  “لكن أريد القول نحن نعمل وفق قوانين الجمهورية، ووفق شروط مع وزارة التجارة، وهناك إقبالٌ كبير علينا من قبل الزبائن من داخل وخارج ولاية بجاية”.

 

أين هي الحريات؟

 

احتجاجات الخمور والملاهي أعادت جدل الحريات في الجزائر، أين اعتبر البعض هذه الاحتجاجات بغير المنطقية، باعتبارها احتجاجات تريد فرض الرأي على فئة معينة وهم مرتادو هذه الأماكن.

بلقاسم علالو عضو حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (أحد أكبر الأحزاب الأمازيغية بالبلاد)، اعتبر منطقة القبائل من المناطق التي كانت تتمتع بحريات كبيرة الى درجة أن عديد المستثمرين في بيع الخمور والمتاجرة بها اختاروها لتكون قاعدةً لهم.

وقال “أعتقد أن هذه الاحتجاجات تتدخل في مجال الحريات الفردية، ، مضيفاً بالقول “أنا شخصياً ضد السكر واحتساء الخمر مثلاً، لكنني ضد تنظيم مسيرة، أو تخريب ممتلكات خاص من أجل منع الظاهرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *