متابعات

بوصوف: الملك أعلن عن مضمون “دفتر تحملات” المغرب اتجاه شعوب ودول إفريقيا

في زمن غياب زعماء إفريقيا الكبار كالمغفور له جلالة الملك محمد الخامس وجمال عبد الناصر ونيلسون مانديلا… في زمن أوشكت فيه إفريقيا على الاستسلام لقدرها المطبوع بالخضوع وتداعيات الحروب الأهلية والتقلبات المناخية والنزوح الجماعي وتفريغ القارة السمراء من سكانها نحو الشمال بعيدا عن العطش والجوع والعنف والإرهاب….

تستقبل إفريقيا اليوم جلالة الملك محمد السادس، كقائد جديد يحمل آمال شعوبها وحُلمها بمستقبل واعد، ويتقدمهم للدفاع عن مصالحهم… قائد وثقت فيه شعوب إفريقيا قبل قادتها، وأبان عن انشغاله بهموم تنمية القارة من خلال زيارته لمُدُنها ولقُراها ولأدغالها…

ومن ثم، فإن خطاب الذكرى الحادية والأربعين للمسيرة الخضراء من مدينة دكار عاصمة السينغال يحمل في شقه الأول سابقة تاريخية لملوك المغرب، وفي شقه الثاني أن الخطاب انطلاقا من السينغال ليس مدعاة للتعجب؛ بل هو أمر طبيعي نظرا لمواقف السينغال التاريخية الثابتة في مساندته لقضايا المغرب العادلة، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية… بل حتى إن عبدو ضيوف، الرئيس السابق لهذا البلد الإفريقي، علق على خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 بأنه “لا يُمكن تصور المنظمة بدون المغرب…”

وبالإضافة إلى الروابط التاريخية والروحية، فإن السينغال يُعدّ إحدى الدول الديمقراطية بإفريقيا، التي تحترم المؤسسات الدستورية وصناديق الاقتراع، وليست دولة انقلابات. كما تتمتع باستقرار سياسي واجتماعي ملحوظ… أما الرئيس ماكي صال فقد رأى في الحدث بأن جلالة الملك محمد السادس يريد أن يُخاطب إفريقيا والأفارقة…

استعمل جلالة الملك، في خطاب المسيرة الخضراء 6 نوفمبر 2016، أسلوبا مباشرا لا يحتاج لكثير عناء لشرح مراميه ذات البُعد القاري. وهذا ما يُبرر اتخاد خريطة إفريقيا كخلفية حملتْ أكثر من رسالة مباشرة بأن المغرب مكون إفريقي، وأن مستقبل المغرب في إفريقيا ومستقبل إفريقيا في المغرب…

وهو الانشغال نفسه الذي جعل المغرب يُوجه بوصلته الاقتصادية والسياسية نحو الجنوب في إطار علاقة جنوب – جنوب، مدعوما بمضمون “التصدير” الدستوري الذي “يُلزم المغرب بتقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الافريقية، ولا سيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء”…

وهو ما شكل في حد ذاته ثورة هادئة قادها جلالة الملك من خلال تنويع زياراته من دول غرب إفريقيا الفرنكفونية إلى شرق إفريقيا الأنغلوفونية، وكانت مناسبة لشرح عدم كفاية العلاقات مع هذه الأخيرة ليس وليد التقصير أو الإهمال، بل هو فقط البعد الجغرافي والاختلاف اللغوي والموروث التاريخي…ومن نتائج هذه الثورة الهادئة نجد تحقيق شراكات متعددة المجالات مع دول وازنة في شرق إفريقيا، كرواندا وتنزانيا…

لقد أسهم أيضا هجر المغرب لكرسيه داخل منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 في عدم تكثيف علاقات التعاون والتضامن بين العديد من الدول الإفريقية، وفسح المجال لأعداء الوحدة بتسميم علاقات المغرب مع دول إفريقيا؛ وهو ما عجل برغبة المغرب في استعادة مكانه الطبيعي ضمن الأسرة الإفريقية بدورة كيغالي (2016، بعيدا عن أي منطق تكتيكي مجاني، فـ”البيت الإفريقي بيتنا جميعا ولا يحتاج فيه المغرب لاستئذان أحد للدخول”.

وبالمقابل، تضمن خطاب المسيرة إشارة ضمنية موجهة إلى أطراف يُزعجها رجوع المغرب إلى البيت الإفريقي بأن رجوع المغرب هو مسألة وقت فقط، لتوفر المغرب على أغلبية ساحقة من المؤيدين والمناصرين…

ليُعلن الخطاب، بعد ذلك، عن مضمون “دفتر تحملات” المغرب اتجاه شعوب ودول إفريقيا، وفي مقدمتها أن المغرب هو أحسن مدافع عن مصالح إفريقيا في المحافل الدولية، ومُستعد لتقاسم تجربته مع دول إفريقيا في مجالات الأمن ومحاربة التطرف والإرهاب، وأيضا مواصلة الجهود لمعالجة ظاهرة الهجرة وربطها بالتنمية وكرامة المهاجرين، وأيضا المحافظة على الاستقرار والأمن وحل الخلافات بالطرق السلمية..

أكثر من هذا، فإن المغرب سيجعل من قمة المناخ العالمية بمراكش (كوب 22) قمة من أجل إفريقيا؛ وذلك ببلورة رؤية موحدة للدفاع عن مطالب القارة السمراء، وخاصة في موضوعي التمويل ونقل التكنولوجيا…

استعادة المغرب لمكانه الطبيعي في إفريقيا هو مناسبة لتصحيح مُغالطات تبنتْها أطراف معادية للوحدة المغربية ولمغربية الصحراء الثابتة، خاصة داخل المطبخ الفعلي لقرارات منظمة الاتحاد الإفريقي أي مُفوضية الاتحاد…!!

لكل هذا، فالمغرب ونظرا لحساسية المرحلة يحتاج إلى حكومة جادة ومسؤولة، وأن تتبنى سياسات شاملة لكل دول إفريقيا والالتزام بتعهدات المغرب مع شركائه..

وهُنا، لمسنا نبرة عالية في مُخاطبة من كُلف بتكوين الحكومة بعد انتخابات 7 أكتوبر، خاصة أن مضمون الـ47 من الدستور يقول “بتعيين الملك لأعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها…”؛ وهو ما يعني أن للملك الحق في قبولها أو رفضها.. وهو ما جعله حريصا على تشكيل حكومة برامج وأولويات، وعلى رأسها إفريقيا، كما نبه إلى عدم تساهله في عدم تشكيل حكومة كفاءات مؤهلة باختصاصات قطاعية مضبوطة… بعيدا عن منطق الغنيمة الحزبية والانتخابية…!

الأمر يستدعي أيضا التفكير في خلق قطاع حكومي موجه إلى إفريقيا كوزارة منتدبة للشؤون الإفريقية في الفقرة المخصصة للحكومة.

خطاب المسيرة لسنة 2015 كان من مدينة العيون عاصمة الأقاليم الجنوبية، التي تتوفر على مقومات الاستقرار والأمن وبتعلق أبناء الأقاليم الجنوبية بمغربيتهم وبالنظام السياسي، وهو ما يُبرر ارتفاع نسبة مشاركتهم في كل الاستحقاقات الانتخابية… وبتوفرها على إمكانات مهمة لتكون محورا للتعاون الاقتصادي بين المغرب وبين عمقه الإفريقي..

المغرب نجح في قلب معادلات سياسية واقتصادية من خلال تنويع الشركاء مع احتفاظه بالشركاء التقليديين، كما أظهر نُضجا سياسيا بإعلانه الرغبة في استعادة مكانه الطبيعي داخل الأسرة الإفريقية…

الأكيد أن أعداء الوحدة الترابية يفقدون كل يوم مصداقية أطروحتهم أمام العالم، وهم يرون كيف تستقبل شعوب إفريقيا من شرقها إلى غربها جلالة الملك محمد السادس كقائد قاري جديد، قادر على التعبير عن آمالهم في التنمية والكرامة…

عبدالله بوصوف: الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *