مجتمع

الاقتراض من أجل أضحية العيد.. هل أصبحت عادة لابد منها لدى المغاربة؟

عطلة الصيف، عيد الأضحى، الدخول المدرسي، ثلاث مناسبات مكلّفة تتزامن في هذه الفترة من السنة لتستنزف جيوب المغاربة.

ولعل أهم مناسبة من بين المناسبات الثلاث، عيد الأضحى الذي يحظى بالأولوية بل و”القدسية” لدى كثير من الأسر المغربية.

التكلف، الاقتراض، التباهي، المنافسة، مظاهر مختلفة أصبحت ترافق أجواء عيد الأضحى في المجتمع المغربي، بشكل يدفع لطرح تساؤل ملح حول ما إذا كانت هذه المناسبة قد تحولت إلى عادة اجتماعية أكثر منها شعيرة دينية.

من الدين إلى العادة

رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة، مصطفى بنحمزة، يشدد على أن عيد الأضحى “سنة مؤكدة بالنسبة للقادر عليها” موضحا أن الدين لا يضيق على غير القادر، “فغير القادر شرعا لا يطالب حتى بالفرائض فبالأحرى بالسنن” يقول بنحمزة.

ويتابع مؤكدا على أن “الدين ليس فيه حرج” وأن “الله يعفو عن العاجز وغير القادر حتى في ما هو فرض” قبل أن يردف موضحا أن “المشكلة هي أن بعض المسائل تبدأ دينية وتتحول إلى عادات اجتماعية وأعراف”.

“الدين يرحم ولكن الأعراف لا ترحم” يقول بنحمزة مبرزا أن هناك من يضيق على نفسه لاقتناء الأضحية “وقد تجده لا يصلي رغم أنه مطالب بالصلاة قبل أن يكون مطالبا بالأضحية” على حد تعبيره.

 

ويشدد بنحمزة على أن مظاهر التضييق والتكلف تلك “لا أساس لها بالتدين بل لها علاقة بالمجتمع الصارم” مردفا أن “المجتمع يطالب الناس بأشياء لا يطالبهم بها الدين”.

وحسب المتحدث فيمكن أن يضحي شخص ويشرك غيره من جيران وأصدقاء مشيرا إلى أن الأصل في الأضحية تقسيمها إلى ثلاث، جزء منها يتم التصدق به، قبل أن يردف “ولكن يجب أن يقتنع الشخص بهذا الأمر وينظر إلى مطالب أخرى كالدخول المدرسي” لأنه حسب رأيه “إن لم يتحرر الشخص من نظرة المجتمع فسيكلف نفسه ويبيع متاعه ويقترض ليقتني الأضحية وهذا لا أساس شرعي له” يوضح بنحمزة.

سلوكات اجتماعية

بالنسبة للباحث في علم الاجتماع، الدكتور حسن قرنفل، فإن “مسألة عيد الأضحى أكثر ما يُظهر إلى أي درجة الشعائر الدينية هي ليست مجرد شعائر دينية نصية إنما أيضا سلوكات اجتماعية” على حد تعبيره.

وحسب قرنفل فإن ذلك ما يفسر أنه “بالرغم من أن هذه الشعيرة الدينية مقتسمة بين كل الشعوب الإسلامية إلا أن ممارستها تختلف من بلد ومجتمع إلى آخر حسب تاريخه وعاداته وتمثلاته”.

في السياق نفسه، يوضح، أنه ونتيجة لوضعية اقتصادية معينة هناك مجتمعات “تمارس هذه الشعيرة بكثير من الاحتشام بحيث تحول عندها عيد الأضحى إلى سلوك رمزي تقوم به فئة معينة تتوفر لديها الإمكانيات المالية”.

 

في المقابل، يرى المتحدث، أنه في مجتمعات أخرى وتحديدا مجتمعات شمال إفريقيا بما فيها المغرب “هناك حرص كبير على ممارسة هذه الشعيرة وبطريقة خاصة تتحول في الأخير إلى وليمة جماعية بعيدة عن أهدافها الحقيقية ويصبح الهدف هو ذبح أضحية ليس كما جاء في التعاليم الدينية بغرض التصدق بلحمها والتقرب من الله ولكن أساسا من أجل إقامة الولائم ولتحقيق الإشباع الذاتي” يقول قرنفل الذي يرجع هذا الأمر أيضا إلى “ظروف اجتماعية واقتصادية سابقة بقيت مستمرة إلى الآن”.

“في السابق كانت الأسر فقيرة جدا ولم يكن بإمكانها تناول اللحم باستمرار على مدار السنة” يقول قرنفل، مبرزا أن عيد الأضحى كان الفرصة التي تحقق فيها الأسر الإشباع من خلال استهلاك اللحم، ولذلك “كانت الأسر تبذل مجهودا كبيرا لاقتناء الأضحية، ليس لغاية دينية فقط، بل أيضا من أجل تحقيق إشباع ذاتي بالاستهلاك الكبير والاحتفالي للحم”.​

وسيلة للتباهي

رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، من جانبه يركز على ما يبذله كثير من المغاربة من أجل اقتناء أضحية العيد وذلك من خلال اللجوء إلى اللاقتراض.

“عيد الأضحى يمثل قضية معقدة جدا لأنها تدخل في سيكولوجية المواطن المغربي” يقول الخراطي الذي يرى أن هذه الممارسة تكشف نوعا من “السكيزوفرينيا” التي “تتسم بها سلوكات المواطن المغربي”.

ويفسر الخراطي حديثه عن “سكيزوفرينيا المواطن المغربي” بقوله إن الكثيرين “لا يصلون ولا يؤدون أيا من الفروض ولكنهم يتشبثون باقتناء الأضحية”.

وحسب المتحدث فإن من أسباب هذه المظاهر “الرغبة في التباهي” إذ يرى أن “أضحية العيد أصبحت وسيلة للتباهي لدى العائلات محدودة الدخل”.

 

ويبرز المتحدث أنه في الوقت الذي قد لا تقتني العائلات الميسورة وحتى المتوسطة أضحية العيد، فإن “العائلات محدودة الدخل تخوض ما يمكن وصفها بالحرب وتحاول بكل الوسائل اقتناء الأضحية وإن تطلب ذلك بيع المتاع أو اللجوء إلى القروض”.

ويتابع الخراطي موضحا أن “أصحاب القروض يستغلون الوضع لعرض منتجاتهم” مبرزا أن هذا الأمر تسبب في إغراق كثير من الأسر في قروض تفوق قدرتها وإمكانياتها.

وفي الوقت الذي أبدى أسفه لعدم وجود قانون يمنع الإفراط في الاقتراض، أبرز المتحدث أنهم “كمجتمع مدني” طالبوا بمنع الدعاية للقروض، وهي الدعاية التي تكثر بالخصوص في هذه المناسبات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *