مجتمع

لماذا يلجأ المغاربة إلى الأضرحة لعلاج الأمراض النفسية بدل الطب؟

“القيس” و”التقاف” اثنان من المصطلحات المستعملة في المجتمع المغربي والتي تحيل على مشاكل نفسية، ولكن انطلاقا من المخيال الشعبي الذي يربط عددا من الأمراض النفسية بالغيبيات.

في المغرب حيث تشير آخر الأرقام المتداولة عبر وسائل إعلام، نسبة إلى مصادر رسمية، إلى أن شخصا من كل اثنين يعاني من مشاكل نفسية، لطالما كان يتم ربط الكثير من الأمراض النفسية بأمور غيبية وخرافية، من قبيل “الجن” و”السحر”، إذ يتم اللجوء إلى الأضرحة والشعوذة و”الفقهاء” بدل الأخصائيين النفسيين لعلاجها.

مرض “مبهم”

الأخصائي في الأمراض النفسية والجنسية، أبو بكر حركات، يؤكد على أن هذه الظاهرة “ما تزال موجودة” بين كثير من الناس في المجتمع المغربي، لافتا إلى أن “ربط الأمراض النفسية بالغيبيات لم يكن حكرا على المغاربة بل كان ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات التي لم تصل بعد إلى مستوى من الوعي التعليمي والثقافي والعلمي”.

ويوضح المتحدث أسباب هذه الظاهرة بالقول “حين نتكلم عن الأمراض العضوية فنحن نشخصها ونموقعها في عضو معين ظاهر أو باطن”، في المقابل “الأمراض النفسية تبدو مبهمة لأنها ليس لها تموقع في الجسد كما لا توجد لها أعراض واضحة”.

ويتابع الأخصائي المغربي موضحا أنه في الوقت الذي تظهر أعراض المرض العضوي في شكل ألم أو بثور أو تقيؤ، فإن المرض النفسي يظهر من خلال قيام الشخص المعني بسلوكات لا تبدو للآخرين مفهومة وليست لها تفسيرات، ما يؤدي إلى “ربطها بالغيبيات من قبيل الجن والسحر”.

وحسب المتحدث، فإن كثيرا من الناس خاصة في الوسط القروي يلجؤون إلى الفقهاء والمشعوذين لعلاج بعض المشاكل النفسية، لافتا إلى أن حتى من يلجؤون إلى الأخصائي النفسي في المدن كثير منهم يلجؤون بموازاة ذلك إلى “الطرق الغيبية”.

ويؤكد المتحدث على أنه كثيرا ما يستقبل في عيادته حالات أشخاص تدهور وضعهم نتيجة لجوئهم إلى تلك الوسائل وتوقفهم عن تناول الأدوية التي يشخصها الطبيب لحالتهم.

خدمة غير اعتيادية

أستاذ علم النفس الاجتماعي وعلوم التربية، عزوز التوسي، من جانبه، يلفت إلى عدد من العوامل التي أدت إلى “الربط بين الأمراض النفسية والعقلية ومجموعة من التمثلات القديمة والعتيقة”.

ومن بين العوامل التي يشير إليها المتحدث، “غياب أو نقص عدد الأخصائيين النفسيين، الذي يؤدي إلى عدم توفر ذلك النوع من الخدمات ما يجعلها غير اعتيادية من طرف الناس”.

نتيجة لذلك الوضع، يوضح المتحدث، أن كثيرا من الناس ممن لا يعرفون حتى بوجود أخصائيين خصوصا في القرى، “يلجؤون إلى الأساليب التي اعتادوا عليها والتي هي في متناولهم والمتمثلة في الأضرحة والدجالين”.

العامل الآخر حسب التوسي، اقتصادي، وهو العامل الذي يعززه كون الصحة سواء العضوية أو النفسية “تعتبر آخر اهتمامات المغربي”، لافتا في السياق بخصوص الصحة النفسية أن المغارية غالبا ما لا يولون أهمية إلى الاضطرابات النفسية في بدايتها ولا يبدؤون في البحث عن علاج لها إلا بعدما تصل مرحلة “عميقة”.

إلى جانب كل ما سبق، يلفت المتحدث إلى “التمثلات الخاطئة عن الاضطرابات النفسية” مبرزا أن “الناس يؤولون تلك الاضطرابات تأويلا غير علمي وبالتالي يلجؤون إلى اللاعالم لعلاجها”، إذ يؤكد أنه “لو كان لديهم تفسير علمي لتلك الظواهر للجؤوا إلى أصحاب الاختصاص الذين يرتكزون في معالجتهم على مناهج علمية”.

إرث تقليدي

الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع، رشيد الجرموني، من جانبه، يوضح أن هذه المسألة “مركبة” لافتا إلى عدة عوامل تسهم في استمرار تلك المعتقدات التي “تخترق مجموعة من الفئات الاجتماعية أفقيا وعموديا” ولا تقتصر على فئة بعينها.

فمن العوامل الأساسية التي يشير إليها المتحدث في تشريح أسباب اللجوء إلى الأضرحة والمشعوذين لعلاج المرض النفسي، هي “غياب التطبيب النفسي في المجتمع المغربي”، إذ يؤكد الجرموني على أن هناك “ضعف كبير” على هذا المستوى.

في السياق نفسه، يلفت المتخصص المغربي في علم الاجتماع إلى عامل آخر يتمثل في “تمثلات بعض المغاربة حول الطب النفسي التي مازالت تشوبها مجموعة من الافكار غير الصحيحة وغير السوية”.

وحسب الجرموني فإنه حتى في حالة اللجوء إلى الطبيب النفسي، فإنه كثيرا ما لا يتم فهم طبيعة هذا النوع من التطبيب “الذي يحتاج وقتا وجهدا وهو ما لا يتقبله الناس، بحيث يستعجلون الشفاء فيلجؤون إلى الأضرحة أو وسائل أخرى فيحدث تمثل للشفاء”.

ويركز المتحدث أيضا في تفسيره على المعتقدات السائدة داخل المجتمع والتي تلعب دورا كبيرا في هذه المسألة ومنها معتقد “لا يعالج السحر إلا السحر”، والاعتقاد بأن بعض الأمراض “خارج كل ما هو طبي وعلمي”.

وحسب الجرموني فإن “حالة القلق والتيه” التي ترافق المريض وأسرته تنضاف إلى “الإرث التقليدي الذي مازال حاضرا”، الامر الذي ينتج “خلطة خطيرة تؤدي إلى لجوء الإنسان إلى تلك الظواهر المشينة التي ترسخ هذا التفكير الخرافي والخوارقي البعيد عن المنطق والعقلانية” يقول المتحدث.