مجتمع

“عانس”.. هل هو تصنيف وتمييز بين الرجل والمرأة يتبناه المجتمع في حالة تأخر الزواج؟

“البايرة”، وصف قدحي دارج في المجتمع المغربي لوصف المرأة التي لم تتزوج بعد، تقابله كلمة “عانس” في اللغة العربية.

بيد أنه ليست لهذه الكلمة مقابل مذكر، وذلك من منطلق اعتبار تأخر الزواج بالنسبة للمرأة أمرا “سلبيا”، على خلاف عدم زواج الرجل في سن مبكرة، إذ حينها يوصف بلفظة محايدة: “عازب”.

لماذا هذا الازدواج في النظر؟ هل يميز المجتمع فعلا بين الرجل والمرأة حتى في حالة التأخر في الزواج؟

وظائف بيولوجية

الأستاذ والباحث في علم الاجتماع، حسن قرنفل، يفسر هذه الظاهرة، بالعودة إلى التصورات الأولية التي كانت لدى المجتمعات الإنسانية حول وظيفة المرأة، حسب توضيحه.

ويبرز قرنفل أن تلك التصورات كانت تختزل وظيفة المرأة في “الخصوبة وإنجاب الأطفال، والاعتناء بالأسرة، وكلما كان لديها أطفال أكثر كلما كانت لها قوة داخل المجتمع”.

من ثم، يوضح قرنفل، أنه “كان المطلوب من المرأة أن تتزوج بأسرع وقت وتنجب أكبر عدد من الأطفال”. وفي المقابل، يردف الباحث في علم الاجتماع: “كان تأخرها عن الزواج يشكل مصدر قلق للأسرة، لأن ذلك يقلل من قيمتها”.

 

ويتابع المتحدث موضحا أنه في حين تخلصت العديد من المجتمعات من تلك النظرة، فإن مجتمعات أخرى “ما زالت تحتفظ بالصورة القديمة التي تختزل أدوار المرأة في ما هو بيولوجي”، وتعتبر “المرأة التي لم تتزوج وكأنها لم تقم بالأدوار الطبيعية التي يفترض أن تقوم بها”.

وحسب قرنفل، فإن ذلك الأمر أدى إلى “إطلاق أوصاف قدحية على المرأة التي لم تتزوج”، فبينما يتم الحديث عن تأخر أو رفض الزواج للرجال يتم الحديث عن عنوسة بالنسبة للنساء.

رواسب تقليدية

من جهة أخرى، يفسر حسن قرنفل اعتبار تأخر الزواج اختيارا بالنسبة للرجل على خلاف حالة المرأة، بكون “الرجل هو الذي يطلب المرأة للزواج” في المجتمعات التقليدية.

ويردف أن المجتمع من هذا المنطلق “يعتبر عدم زواج المرأة ناتج عن عيب فيها”.

وحسب قرنفل فإن استعمال عبارات قدحية لوصف المرأة التي تأخرت في الزواج أو لم تتزوج هي من “رواسب المجتمع التقليدي”، والتي يرى أنها طالت حتى “بعض الباحثين” الذين يستعملون مصطلح “العنوسة”.

ويشدد المتحدث نفسه على أن العزوف عن الزواج “قد يكون اختيارا بالنسبة للمرأة وهو من حقها”.

“كما هو متاح للرجل التأخر أو عدم الزواج، من حق المرأة أيضا أن يكون لها هذا الاختيار وأن تتحكم فيه دون أن توصف بأنها عانس”، يستطرد قرنفل.

​حماية ‘الشرف’

من جانبها، تفسر الناشطة السياسية والنسائية، سارة سوجار، هذه التمييز بين الرجل والمرأة قائلة إن المجتمع يعتبر المرأة “ناقصة من دون رجل”، وهو “النقصان” الذي يتم ربطه بأشياء أخرى، من بينها “الشرف”.

تبعا لذلك، توضح سوجار، في تصريحها لـ”أصوات مغاربية”، أن المجتمع “يربط رمزية شرف المرأة بالرجل، ويرى بأنها لا يمكنها أن تحافظ على شرفها من دون زوج”.

إلى جانب الرجل يحضر مفهوم العائلة، وفي هذا الصدد تقول سوجار إن المرأة وإن كانت مستقلة وأثبت ذاتها، وحتى وإن كانت شخصية عامة ومعروفة، “فهي بالنسبة للمجتمع ناقصة إن لم تكن لديها عائلة، فالمرأة الصالحة، بالنسبة للمجتمع في نهاية المطاف، هي التي تطيع زوجها وتربي أبناءها”.

ضغط المجتمع

حسب سوجار، فإن هاته “الرواسب”، تَبرز حتى لدى بعض النساء، إذ “يشعرن أنهن ناقصات”، وهو الشعور الناتج عن “ربط معنى الأمان والحماية بالرجل”، وهي الفكرة التي ترى أنها ما تزال حاضرة.

يحصل هذا “بالرغم من أننا صرنا نسمع عن نساء معيلات، ونساء هن يوفرن الحماية لأسرهن”، في حين يكون الرجل عالة على زوجته، تقول سوجار.

وتشير سارة سوجار هنا إلى أن عددا من النساء “قد يتخذن قرار الزواج لمجرد الزواج، وقد يخترن أيا كان فقط للتخلص من ضغط المجتمع”، على حد تعبير الناشطة المغربية التي تشدد على أن الزواج من عدمه يبقى “اختيارا” وأن على المجتمع احترام هذا الاختيار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *