متابعات

حكايات عائلات مغربية جزائرية فرقت بينهم الحدود

الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ غشت 1994، لكن صلات الشعبين ما زالت مفتوحة، تجمع بينهما المصاهرة والأمكنة المتقاربة.

رغم قرب المكان تعيش العائلات الجزائرية والمغربية معاناة التنقل جوا والمنع من اجتياز الحدود برا لرؤية الأقارب المشتركين، سواء في المناسبات الخاصة أو الأعياد.

التنقل، الذي كان يتم بشكل غير شرعي عبر الحدود البرية المغلقة، توقف بعد حفر الخنادق، وإقامة السياج على طول الحدود الغربية، مما زاد من معاناة هذه العائلات.

عائلة مصطفى.. قلب مشطور

“قف.. المرور ممنوع.. الطريق مغلق..”… هي لافتات تنبه السائقين إلى أن العبور نحو الحدود الجزائرية المغربية ممنوع، وأن الطريق السيار “شرق غرب” ينتهي عند هذا الحد، رغم أنه أُنجز من أجل أن يُفضي إلى مدينة وجدة المغربية. فهل هو حلم أم أمر واقع سوف يتحقق ذات يوم؟

مصطفى، شاب يبلغ من العمر 23 سنة، ذو جنسية مزدوجة، جزائرية مغربية، طموح، جريء ومتحمّس في حديثه عن معاناة والدته المغربية المقيمة في الجزائر.

يروي مصطفى، في شهادته حول المعاناة الإنسانية من أجل السفر لرؤية عائلة والدته المقيمة في مدينة وجدة المغربية، قائلا: “هو وضع يزداد تأزّما منذ تشديد الخناق على الحدود بين الجزائر والمغرب”.
“عبرت إلى وجدة عام 2014، من بلدة بني بوسعيد الحدودية، بطريقة غير قانونية، اتجاه سيدي يحيى المغربية، لكن الوضع مختلف اليوم تماما مع حفر الخندق وإقامة السياج. لدي أصدقاء من المغرب، وفي الجزائر، حيث وُلدت، أُقيم مع والدتي التي تعاني عند التنقل جوا من وهران إلى الدار البيضاء ثم وجدة”، يردف مصطفى.

مصطفى لا يريد الخوض كثيرا في السياسة وأسباب غلق الحدود، هو يريد طريقا قصيرا للعبور نحو أخواله وجده وجدّته، ورؤية أصدقائه الذين يدعونه في كل مناسبة إلى الاستقرار في المغرب، بعدما سمحت له القوانين بالحصول على الجنسية المغربية عن طريق الأم، بتاريخ 17 غشت 2015.

المُحزن في قصته، كما يقول، أنه ينقطع، رفقة والدته، عن زيارة عائلتها في المغرب لفترة تتراوح ما بين سنتين إلى 3 سنوات.

‘عمي’ رابح.. حدود بين الإخوة

حلم واحد لا يتجزأ هو ذلك الذي يتقاسمه مصطفى الشاب مع ‘عمي’ رابح، الكهل البالغ من العمر 65 سنة، والذي يتألم من فراق شقيقته المتزوجة في بلدة أحفير المغربية، التي لا تبعد عن قرية بوكانون الجزائرية إلا ببضعة أمتار.

اضطر في الصيف الماضي إلى السفر جوا من وهران إلى الدار البيضاء، ثم التنقل برا نحو مسكن عائلة شقيقته، وقطع أزيد من 2000 كيلومتر. “قضيت هناك شهرين، عند شقيقتي الوحيدة”، يقول رابح.
رغم المسافة الطويلة خلال السفر جوا من وهران إلى البيضاء، يحرص رابح على الحصول على تذكرة بسعر مناسب للسفر، سواء عبر الخطوط الجوية الجزائرية، أو الخطوط الملكية المغربية.

“سافرت خلال شهر رمضان الماضي بسعر 34 ألف دينار (نحو 295 دولارا). كانت الأسعار منخفضة، لكنها ارتفعت بعد ذلك إلى 60 ألف دينار (قرابة 520 دولارا). من وهران إلى مدينة الدار البيضاء”، يستطرد رابح.

يطالب ‘عمي’ بإيجاد حل للعائلات الجزائرية والمغربية التي تجمعها أواصر قرابة ومصاهرة، وتلك التي تحمل جنسيات مزدوجة. “كفتح معبر خاص، أو فتح خطوط جوية من مطار أحمد بن بلة بوهران، نحو مطار وجدة أنجاد”، يزيد رابح موضحا.

فتيحة.. رحلة الليل

فتيحة مهيو، مزدوجة الجنسية؛ مغربية جزائرية. متزوجة من ابن عمها المغربي في مدينة وجدة شرق المغرب. والدتها جزائرية، ووالدها مغربي يقطن في مدينة سفيزف بولاية سيدي بلعباس غرب الجزائر.

“عندما يرن الهاتف من الجزائر، أتصوّر كل شيء؛ الوالد مريض وعاجز عن الحركة. ماذا لو أصابه مكروه؟.. كيف أتنقل إلى الجزائر؟..”، هكذا تصف فتيحة حالتها النفسية التي تتراوح بين القلق والخوف.

لذلك لم تنتظر فتيحة كثيرا، وخاضت مغامرة عبور الحدود البرية الفاصلة بين المغرب والجزائر، بطريقة غير شرعية.

“منذ غلق الحدود البرية عام 1994، لم يزرني والدي في المغرب. أعيش في قلق وتوتر. أصبت بمرض نفسي، وخضعت على إثره لجلسات طبية”، تحكي فتيحة قبل أن تردف: “زرت ذات يوم عائلتي في الجزائر، لكن الصدمة أنني لم أتمكن من معرفة باب منزل والدي بسبب المدة الطويلة التي لم أر فيها أهلي، لدرجة أن أخوالي وخالاتي وجدوا صعوبة في التعرف علي”.

فتيحة تروي بألم قصة عبورها الحدود، تقول: “تم توقيفي من طرف الحرس المغربي، في شهر رمضان، وبقيت رهن الاعتقال يومين. بعدما عبرت الخندق والحواجز إلى المغرب قادمة من الجزائر، فقدت أثناء ذلك أغراضي، بل ونجوت من قبضة مهاجرين سريين بأعجوبة”.

أما محمد مهيو، زوج وابن عم فتيحة، فدعا إلى فتح ممر خاص بالعائلات ذات القرابة المزدوجة بين الجزائر والمغرب، لمد جسور صلة الرحم والتواصل بين الأهل والأقارب، حسبه. “لقد تزوجتُ فتيحة عندما كانت الحدود مفتوحة، وما كنت أعتقد أنها ستُغلق يوما”، يضيف زوج فتيحة.

عمر.. كلفة الفراق

عمر، موظف من مدينة مغنية. والدته من مواليد المغرب. يقول مستحضرا ذكرى أليمة له مع محنة الحدود: “أما عمتي فتوفيت في المغرب، دون أن نراها، أو أن نحضر جنازتها، كما لم نتمكن من تقديم واجب العزاء لأبنائها وزوجها هناك”.
ويسترسل عمر في الحديث عن معاناة زيارة الأقارب بين الجزائر والمغرب قائلا: “لا نريد تنقل البضائع، بقدر ما نطالب بتنقل الأشخاص الذين تربطهم القرابة أولا، بعيدا عن الخلافات السياسية التي لا تعنينا، لأن ما يجمع الجزائريين والمغاربة أكبر من هذا كله”.

موسى: 20 ألف عائلة تعاني

“أناس كثيرون حرموا من زيارة ورؤية أقاربهم في الجزائر والمغرب. في منطقة وجدة مثلا، هناك قرابة 20 ألف عائلة ذات جذور مشتركة محرومة من تبادل الزيارات، لأن الحدود البرية مغلقة”، هكذا يتحدث مسؤول فرع اتحاد الشباب الأورو مغاربي بالجزائر، جمال علي موسى، واصفا تأثير إغلاق الحدود على عائلات جزائرية مغربية.
حسب موسى، لا توجد سوى الرحلات الجوية للتنقل بين الجزائر والمغرب. يقول أيضا إن السفر بهذه الطريقة جد مكلف. “لا يمكن إنفاق 20 مليون سنتيم (1800 دولار) من أجل حضور جنازة، أو التوجه للمغرب لاستخراج وثيقة من وثائق الحالة المدنية”، يستطرد المتحدث ذاته.

ما الحل؟.. ما يقترحه جمال علي موسى هو فتح ممر خاص بهذه الحالات في منطقة “بين لجراف” في “مرسى بن مهيدي”، أقصى غرب الجزائر، قرب مدينة السعيدية المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *