حوارات

هكذا حاور الصحفي أنوزلا المرحوم الشيخ خليل الركيبي والد زعيم البوليساريو

قليل من المغاربة يعرفون ان والد محمد عبد العزيز زعيم جبهة البوليساريو والرئيس الحالي لما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” مواطن مغربي يقيم بين ظهرانيهم في مدينة صغيرة تدعى “قصبة تادلة” في سفح جبال الاطلس الكبير. ويتذكر المغاربة ذلك الخطاب الذي القاه العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني في مدينة مراكش عام 1987 عندما قال ان زعيم جبهة البوليساريو ما هو الا مغربي يتحدر من الجنوب المغربي، وان والده يقطن بالقرب من مراكش.
ودعا العاهل المغربي الراحل آنذاك المغاربة الى تسمية محمد عبد العزيز بـلقب “عبد العزيز المراكشي” نسبة الى اصوله. ومنذ ذلك الحين غالبا ما نجد في الاعلام الرسمي او حتى الحزبي المغربي من ما زال يستعمل هذا اللقب عندما يكون بصدد الحديث عن زعيم الجبهة التي ما زالت تناوئ وحدة تراب المغرب منذ اكثر من ربع قرن. وباستثناء هذه المعلومات فان غالبية المغاربة يجهلون ظروف انتقال وعيش اسرة والد زعيم الجبهة. فخلال السنوات الماضية كان يصعب الالتقاء بالشيخ الخليلي محمد بن البشير الركيبي لان السلطات كانت تراقب كل زواره في بيته المتواضع الواقع على ربوة صغيرة تطل على قصبة تادلة، كما ان الرجل كان يتجنب اي ظهور اعلامي لانه لم يكن يعرف كيف سيتم تأويل اقواله، الى ان ظهر أخيرا ضمن صفوف اعيان المدينة التي ما زال يقطنها منذ عام 1976، للسلام على الملك محمد السادس الذي كان في زيارة ميدانية للمنطقة.
“الشرق الأوسط ” كانت اول صحيفة تلتقي بوالد زعيم جبهة البوليساريو، وكان معه الحوار التالي.
قصبة تادلة : علي أنوزلا
* أولا، عرفنا بنفسك؟
ـ اسمي الخليلي بن محمد البشير الركيبي من قبيلة الركيبات، انتمي لأسرة بدوية لم تكن تستقر في مكان معين، كنا رحلا نكثر من الترحال بحثا عن الماء والكلأ، نتبع حركة المزن (الامطار)، وأينما سقط المطر نتجه الى مكان سقوطه. وأذكر انه في عام 1956 جئت الى مدينة كلميم (جنوب اغادير) التي كان ينظم بها اكبر سوق للإبل في الصحراء، وكان يرافقني اخي محمد سالم وبحوزتنا 100 من الابل، جئنا بها لبيعها في ذلك السوق، وأثناء وجودنا في كلميم علمنا ان السلطان سيدي محمد بن يوسف (الملك محمد الخامس) عاد هو واسرته من المنفى، وان هناك وفداً من القبائل في طريق التشكل للذهاب الى الرباط لمبايعة السلطان، فتركت ما كان بيدي وانضممت الى وفد القبائل المتوجه الى الرباط، وعندما وصلنا الى الرباط استقبلنا السلطان ورحب بقدومنا واكرم ضيافتنا.
* ومن كنت تمثل في ذلك الوفد؟
ـ كما سبق ان قلت فأنا انتمي الى قبيلة الركيبات فخذ “الفقرة”، وكنت أمثل برفقة اخرين قبيلتي، وكما اسلفت فعندما علمت بعودة السلطان من المنفى وان هناك وفداً من القبائل يتشكل للذهاب للسلام على السلطان تركت الإبل التي جئت بها لبيعها وتكلف اخي بأمرها.
* كم كان عمرك آنذاك، وأين كانت اسرتك تستقر بالضبط؟
ـ انا من مواليد عام 1925 في منطقة الساقية الحمراء، اما مضارب اهلنا فكانت بالحمادة الغربية الواقعة على مشارف مدينة تندوف (جنوب غربي الجزائر).
* ماذا قال لكم الملك محمد الخامس عند استقبالكم؟
ـ رحب بقدومنا واكرم ضيافتنا، ومكثنا في الرباط عدة ايام، وبعد ذلك عدت الى كلميم وهناك التقيت بالكثير من اعيان قبيلة الركيبات وقبائل الصحراء كانوا يستعدون لمحاربة الاستعمار الاجنبي، وجاءنا المجاهد محمد بنحمو ودعانا الى الانضمام الى حملة الجهاد التي كان يقودها ضد الفرنسيين في الجنوب، فتركت ما كان بيدي وشكلنا فيلقا صغيرا يتكون من 25 فردا، وتوجهنا الى منطقة “فم العشار” (جنوب كلميم) لمهاجمة قواعد الفرنسيين الذين كانوا يوجدون هناك، وما لبث ان التحق بنا فيلق آخر من المجاهدين يتكون من 12فردا، وعندما سمع الناس بما كنا نقوم به من اعمال جهادية توافدوا من كل فج عميق، وتشكل جيش التحرير من كل قبائل الصحراء من محاميد الغزلان (جنوب شرقي المغرب) الى اقصى تخوم الصحراء بالجنوب، وبدأنا هجوما من عدة جهات، فقام اهل “محاميد الغزلان” بالهجوم على مناطق الزمول والسويحات، وهاجمنا نحن مناطق ام العشار ومركالة والرغيوة والغردق.
* ومن أين كان يأتيكم السلاح؟
ـ فلول المجاهدين الاوائل اعتمدوا على اسلحتهم الخاصة، وكان عبارة عن “رباعيات” وبعد ذلك تدفق علينا الكثير من السلاح من الشمال المغربي، وكانت عملياتنا تشمل جميع مناطق الصحراء ووصلت غاراتنا الى منطقة “تّلة” في موريتانيا، واعتقل آنذاك 46 من افراد جيش التحرير من طرف الفرنسيين، ومكثوا في الاسر الى أن تدخل السلطان سيدي محمد بن يوسف رحمه الله لاطلاق سراحهم.
* هل كانت كل العمليات آنذاك موجهة ضد الوجود الفرنسي فحسب؟
ـ في البداية كانت بيننا وبين الاسبان هدنة، وما لبثت هذه الهدنة ان انتهكت من طرف الاسبان فقمنا بمهاجمتهم. وكان ذلك مابين عامي 1957 و1958، ونشب بيننا قتال عنيف لم يوفر فيه اي طرف منا اي شيء في سبيل القضاء على الطرف الآخر، واستمر القتال على أشده على جميع الجبهات الى ان تم حل “جيش التحرير المغربي” عام .1959
* قبل ذلك، وقع عام 1958 هجوم “إكوفيون” المشترك بين القوتين الاستعماريتين فرنسا واسبانيا ضد جيش التحرير، فهل شاركت في هذا الهجوم؟
ـ لا لم أشارك في ذلك الهجوم الذي وقع في منطقة الساقية الحمراء، لاني كنت مكلفاً بمنطقة “أم العشار” و”الزمول”.
* وما هو المنصب الذي كنت تتولاه في جيش التحرير؟
ـ كنت قائدا للمائة أي لمائة مجاهد، وبعد ذلك اصبحت نائبا لقائد “الرحى” التي تتكون من 300 فرد، واحتفظت بهذه الصفة حتى عام 1960 عندما سلمت السلاح بعد ان حل جيش التحرير.
* لمن سلمت السلاح وأين؟
ـ سلمنا السلاح الى قائد الجيش الملكي الذي تشكل آنذاك وكان يرأسه السلطان سيدي محمد بن يوسف ويساعده في ذلك ابنه مولاي الحسن (الملك الحسن الثاني)، وسلمنا سلاحنا في الرباط، وتم الحاق البعض منا بصفوف الجيش الملكي، وكنت من بين من وقع عليهم الاختيار للانضمام الى الجيش الملكي، واستدعينا للتدريب في مدرسة تدريب الجيش المعروفة في أهرمومو (رباط الخير حاليا)، وقضينا فيها ثمانية اشهر، وبعد ذلك استدعانا حرمة ولد بابانا، وقال لنا انه بتكليف من الملك سيكون جيشا لتحرير موريتانيا، والتقينا في طانطان، وانضم الى الجيش الجديد الكثير من المجاهدين، وقام بالفعل بأولى عملياته في التراب الموريتاني الذي كانت تحتله فرنسا.
* وكيف وصلوا الى موريتانيا من دون العبور بالصحراء الغربية التي كانت تحتلها آنذاك اسبانيا؟
ـ تم نقلهم في الطائرة ونفذوا هجماتهم انطلاقا من الشمال الشرقي الموريتاني.
* وماذا كان مصيركم انتم الذين بقيتم في الجنوب المغربي؟
ـ انضممنا الى افراد الجيش الملكي الذي كان يرابط على الحدود الجنوبية. وكانت تقع بيننا وبين الاسبان والفرنسيين مناوشات بين الفينة والاخرى، وظل حال سبيلنا كذلك حتى وقعت حرب 1963 بين المغرب والجزائر.
* وهل شاركت في تلك الحرب؟
ـ نعم شاركت فيها، وكنت مسؤولا عن فيلق بمنطقة تدعى “بوّربة” و”تارّانت” وعند انتهاء الحرب دعينا من جديد للتدريب في منطقة الحاجب (وسط غرب المغرب) ومكثنا هناك ثمانية اشهر، وبعد ذلك تم توزيعنا على مناطق متفرقة.
وكان من نصيبي انا وأربعة من رفاقي ان ذهبنا الى منطقة “شفشاون” (شمال المغرب)، وبعد ذلك ذهبت الى القنيطرة (شمال الرباط)، وفاس ومكثت بها الى ان دعينا نحن مجموعة من اعضاء جيش التحرير للعمل تحت إمرة شخص يدعى البشير ولد مبارك من موريتانيا، وكان ضابطا بالمكتب الثاني (جهاز مخابرات تابع للجيش المغربي)، ونقلنا الى الزاك (جنوب المغرب) وبعد ذلك التحقت بسرية “مهاريستا” العاملة بمنطقة “ام اصبع” (جنوب طانطان بالجنوب المغربي)، وبقيت في تلك السرية حتى عام 1973، عندما بدأت تحركات الشباب بطانطان، فاستدعي افراد سريتنا وسرية اخرى كانت موجودة بمنطقة “أقا” (جنوب شرقي المغرب)، وتم نقلنا الى منطقة إيفني (جنوب غربي المغرب)، ومكثنا هناك عدة ايام.
* ماذا تذكر عن تحركات الشباب بطانطان (منطقة غير متنازع عنها)، خاصة ان تلك التحركات كما تصفها كانت بداية تأسيس جبهة البوليساريو؟
ـ يجب أن أذكر انه قبل تحركات 1973، وقعت تحركات اخرى سبقتها عام 1972 وتم على اثرها اعتقال الكثير من الشباب والنساء، وآنذاك كنت ارابط في منطقة “ام اصبع” على حدود الاراضي المغربية المحررة، والاراضي المغربية التي كانت تحتلها اسبانيا، وكان من بين المعتقلين افراد من عائلتي، وآلمني ذلك كثيرا عندما تكرر ذلك عام 1973 وعام .1976
* ما الذي آلمك؟
ـ آلمني ان يعتقل افراد من عائلتي بينما أنا أؤدي واجبي في الدفاع عن بلدي، وقد طالت الاعتقالات أخي عبدي بن محمد البشير بمنطقة “توزكي” وابني البكر محمد الحبيب الذي كان يدرس بالرباط، وابن اخي محمد ابراهيم، وزوجتي التي اعتقلوها من بيتها في طانطان، واقتادوها الى اغادير وتركت خلفها ابناءها الصغار الذين لم يجدوا من يهتم بهم في غيابي وغياب امهم، وظلوا على ذلك الوضع شهرين الى ان تم الافراج عن امهم.
* وهل كنت آنذاك على علم باعتقال افراد عائلتك وزوجتك؟
ـ كنت موجودا عندما اعتقلت زوجتي، وتوجهت الى نائب قائد المنطقة العسكرية ويدعى الخوماني من قبائل “عريب” (قبائل توجد في جنوب شرقي المغرب) وقلت له ان ما يقع لأسرتي لا يقبله الله ولا الرسول. واضفت ان اي تفاهم يجب ان يكون بين الرجال، وأن أسرتي هي حد بيني وبينكم ومن يؤذيها يؤذيني، وأثرت فيه تلك الكلمات وتدخل لدى السلطات للافراج عن افراد عائلتي.
* ومن كان المسؤول عن الاعتقالات آنذاك؟
ـ كان المسؤول آنذاك عن المنطقة هو صالح زمراك محافظ مدينة طانطان، وهو المسؤول عن كل الاعتقالات، وقد شملت آنذاك 70 شخصا من بينهم الاطفال والنساء.
* وماذا كان مصيرك بعد ان تم تنقيلك الى مدينة ايفني؟
ـ بقينا في مدينة ايفني عدة اسابيع، واختاروا من بيننا 80 فردا، 43 منهم تم تنقيلهم الى المنطقة التي أوجد بها الآن أي مدينة “قصبة تادلة” (وسط غرب المغرب) والباقون تم تنقيلهم الى مدينة الحسيمة (اقصى شمال المغرب). يومها قالوا لنا اننا في مهمة تدريبية، لكن الامر كان يتعلق بإبعادنا من المنطقة، وعندما أسترجع ذكرى ما جرى، احمد الله لأني ابعدت الى هذه المدينة، لان ذلك جنبنا ما هو أسوأ وما تعف الالسن عن ذكره من مصائب حلت بمن ظلوا هناك، ومنذ ذلك التاريخ استقر بي المقام في هذه المدينة حتى عام 1980 عندما احلت على التقاعد، والآن لا أملك اي شيء سوى معاش تقاعدي، وحتى البيت الذي اسكن فيه هو ملك للدولة.
* ألم تتصل بك السلطات طيلة هذه الفترة؟
ـ في البداية كانت كل حركاتنا مرصودة، وكان يتم التحري حول ضيوفنا، كنا مراقبين طيلة الوقت لكن من بعد، وفي عام 1983 استدعيت الى الرباط، واجتمعت مع العقيد معمر القذافي بحضور وزير الداخلية الاسبق ادريس البصري، وبعد ذلك ذهبنا الى ليبيا ومكثت هناك اربعة ايام.
* من كان معك في رحلتك الى ليبيا؟
ـ كنا 12 شخصا من اعيان الصحراء، كان معنا خطري ولد سيدي سعيد الجماني، والبلال ولدهدة، وابراهيم ولد الليلي، ومبارك ولد احمد الامين، ومحمد علي ولد محمد الوالي، وبيبا ولد محمد الدويهي (والد رئيس وزراء جبهة البوليساريو محفوظ علي بيبا)، وبيد الله محمد الشيخ، ورشيد بن حسن بن الدويهي.
* وماذا قال لكم القذافي؟
ـ عندما التقيناه في الرباط قدمنا له وزير الداخلية الاسبق، وسلمنا عليه، وعندما جاء دوري للسلام عليه اشهر لي صورة كانت معه. وسألني ان كنت اعرف صاحبها، وعندما لم اتعرف عليه، قال ان صاحبها هو ابني محمد عبد العزيز. وسألني كيف اني لم أتعرف على صورة ابني. فقلت له انه عندما خرج من عندي كان لا يزال شابا يافعا، ولم تكن له لحية مثل تلك التي كانت على وجهه في الصورة التي كانت امامي.
* هل هذا هو كل ما دار بينكما من حديث؟
ـ نعم، هذا كل مادار بيننا من حديث، وحتى عندما ذهبنا الى ليبيا، استقبلنا في خيمته بالصحراء، ورحب بقدومنا، وبعد عودتنا الى الرباط صدر امر من الملك الحسن الثاني رحمه الله بمنحي رخصة استغلال خط نقل عمومي، لكن هذه الرخصة ظلت مجمدة لان خط النقل المرخص له كان يربط بين الرباط والدار البيضاء، لأن مسافته كانت قصيرة ويعاني من فائض في الرخص المخول لأصحابها العمل في اطاره.
* وما هي موارد دخلك حاليا؟
ـ لا دخل لي الآن سوى معاشي الذي يبلغ 1100 درهم شهريا  وقد قضيت سنة كاملة بدون سند ولا رحيم عندما احلت على التقاعد في انتظار تسوية معاشي، ومررت انا وافراد اسرتي بظروف عصيبة لا أتمناها لأي احد. وقد كاتبت وزير النقل ووزير الداخلية والديوان الملكي منذ عام 1995 لتمديد خط رخصة النقل التي بحوزتي او تغييره بخط آخر لكن بدون جدوى.
* طوال سنوات خدمتك في الجيش الم تتم ترقيتك ؟
ـ عندما التحقت بجيش التحرير لاول مرة كنت كما اسلفت قائدا للمائة برتبة مساعد أول، وقد احتفظت بتلك الرتبة حتى احلت على التقاعد، واثناء سنوات عملي بالجيش الملكي حصلت على وسام الرضى من درجة ممتازة، وما عدا ذلك لم احصل على اي امتياز يذكر طوال سنوات خدمتي بالجيش.
* قلت انك لم تتعرف على صورة ابنك عندما اشهرها لك القذافي، فهل تغير فعلا الى درجة لم تعد تذكره؟
ـ آخر مرة رأيته فيها كان لايزال صغيرا، ووجهه خال من الشعر اما الصورة التي قدمها لي القذافي فكانت لرجل ملتح. وقلت للقذافي اذا كانت هذه الصورة لابني فأنا لا أعرفه لان ملامحه تغيرت كثيرا.
* متى كانت آخر مرة رأيت فيها ابنك محمد عبد العزيز؟
ـ كان ذلك عام1972 وعندما قرر الالتحاق بجبهة البوليساريو لم يخبرني بقراره لانه كان يدرس في الرباط وكنت آنذاك ارابط على الحدود.
* اذاً لم تره عندما قرر الالتحاق بالجبهة؟
ـ كما ذكرت لك، فقد كنت ارابط على الحدود عندما تم التصدي لتحرك الشباب بمدينة طانطان ووقع ما وقع، وعندما عادوا الى اماكن دراستهم في الرباط والدار البيضاء لم يخبرونا بقرارهم الالتحاق بالجبهة.
* وهل علمت آنذاك بالتحاقه بالجبهة؟
ـ كما تعرف، عندما تكون عنصرا من افراد الجيش وترابط في نقطة حدودية مشتعلة فانك تكون شبه مقطوع عن العالم.
* وهل تذكر ان ابنك محمد كان مهتما بالسياسة؟
ـ السياسة لا أعرفها حتى اليوم وبالاحرى في تلك السنوات، وأنا كعنصر من افراد الجيش محرم علي الاهتمام او الاشتغال بالسياسة، وقد كانت هذه قناعتي منذ ان التحقت بجيش التحرير، فقد رفضت الانضمام الى حزب الاستقلال. وفي عام 1958 عند تأسيس حزب “الحركة الشعبية” عرض علي الامر ورفضت ايضا الانخراط فيه، وما زلت حتى يومنا هذا على نفس القناعة.
* ومتى سمعت لأول مرة ان ابنك اصبح رئيسا لما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”؟
ـ كنت اسمع ذلك عن طريق الاذاعات، لكن لم يتأكد لي الامر الا عندما سمعت الملك الحسن الثاني رحمه الله في خطابه الذي القاه عام 1987، وقال فيه ان والد محمد عبد العزيز المراكشي يعيش في منطقة قصبة تادلة، وقبل ذلك لم أكن اعرف إن كان ابني ما زال على قيد الحياة ام لا.
* وكم كان عمر محمد عندما التحق بالجبهة؟
ـ هو من مواليد عام 1948 في منطقة الساقية الحمراء.
* وماذا كان تأثير وجود ابنك على رأس الجبهة وعلى رأس ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” على وضعك في المغرب؟
ـ الدولة المغربية اهملتنا، ولم تولنا اي اهتمام بل ان اولئك الذين وقفوا الى جانب المستعمر الاسباني هم الذين استفادوا، بل وحتى اولئك الذين حملوا السلاح ضد المغرب وعادوا اليه اليوم اعطيت لهم الامتيازات، بينما تم تهميشنا نحن الذين حملنا السلاح منذ البداية للدفاع عن وحدة المغرب، وكل ما اتقاضاه من الدولة هو 1100 درهم أعيل بها عائلة كبيرة تتكون من 14 فردا. 11 فردا منهم يعيشون معي بالاضافة الى اخوتي البنات وابناء قرابتي، وكل ما اتمناه هو ان أضمن لاسرتي من بعدي مكانا آمنا للاستقرار به لان البيت الذي اسكن فيه الآن ليس في ملكيتي. واحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه فقد مررت بظروف صعبة كنت مهدداً فيها في كل لحظة.
* انت مهدد من طرف من؟
ـ كنت مهددا من كل جانب، اذ كان يقال لي انظر ما فعله ابنك؟ او هذا بسبب ابنك. وكنت ارد انه لم يعد ابني منذ ان غادرني، فابني هو من ما زال تحت وصايتي أما من خرج من تحت وصايتي من ابنائي فقد اصبح حرا في رأيه.
* هل تتبرأ من ابوتك لمحمد عبد العزيز؟
ـ لا أتبرأ من ابوته كما اني لا أتحكم في تصرفاته. لقد اصبح رجلا وما تربطني به هي علاقة ابوة لا أتنكر لها لانه يبقى ابني من لحمي ودمي. وبالنسبة لي يجب محاسبتي على تصرفاتي منذ ان التحقت بجيش التحرير، وعندما اقارن بين وضعي وبين وضع من كانوا رفاقي في السلاح الاحظ الفرق الكبير في الامتيازات التي اعطيت للبعض، ومنهم كما سبق ان قلت من كانوا يرفعون السلاح ضدنا في جيش التحرير، وهم الآن اصحاب امتيازات في البر والبحر.
* ولماذا لم تعد الى الصحراء بعد ان أحلت على التقاعد؟
ـ لا أملك بيتا يمكنني من العودة الى هناك، كما ان الكثير من افراد عائلتي سيلجأون إلي لمساعدتهم وليس لي ما أقدمه لهم، لذلك افضل ان ابقى هنا بعيدا عن كل حرج.
* هل شاركت في تحديد هوية من يحق لهم المشاركة في استفتاء الصحراء؟
ـ نعم شاركت وتم تحديد هويتي وهوية جميع افراد عائلتي، وحضرت ايضا كشاهد في احد مكاتب تحديد الهوية في مدينة بني ملال وقدمت شهادتي في حق كل من تعرفت على انتمائهم القبلي.
* اذا نظم الاستفتاء لمن ستصوت؟ للمغرب ام لجبهة البوليساريو؟
ـ سأصوت حتما للبلد الذي انتمي اليه. لن اصوت الا على بلدي المغرب. وبالنسبة لنا هناك امران لا نقاش حولهما، الامر الاول هو الجهاد، فعندما ندعى الى الجهاد فلا شيء يقف دوننا والجهاد، والامر الثاني هو الملكية التي لن تجد منا من يبخل بأغلى ما عنده من اجل صونها. لقد كان هذا ديدننا ومازلنا عليه.
* إذا التقيت ابنك محمد عبد العزيز ماذا ستقول له؟
ـ سأستمع الى ما سيقوله وسأرد عليه، فلن اقول له اي شيء قبل ان استمع الى ما سيقوله وسأجيبه على كل ما سيقوله بما يدحضه.
* ألا يوجد بينك وبينه اي اتصال؟
ـ لا، لم يتصل بي، ولا وجود لأي اتصال بيننا.
* ألم يصلك منه اي شيء طوال كل هذه الفترة التي غاب فيها عنك؟
ـ لم يصلني منه قط اي شيء. وما يوجد بيننا هو الرحمة والغفران ان شاء الله.
* عندما تسمع ما يقال عن ابنك من كونه مرتزقا وانفصاليا ألا يوجعك مثل هذا الكلام؟
ـ يوجعني قلبي بسبب ما يحدث بصفة عامة للمسلمين، وبالاحرى ان كان ذلك يحدث لمن هم أقرب الي. يقول تعالى: “إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون”.
يوجعني قلبي عندما أرى ما يحدث بيننا كمغاربة وكمسلمين، وأسأل الله الصلاح والصدق والحق. يقول تعالى “وإن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما، فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله، فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل، واقسطوا ان الله يحب المقسطين”. هذا ما اطلبه للمسلمين بصفة عامة وبالاحرى لأهلي في المغرب واخوتي في الجهة الاخرى. ما هو حاصل الان يؤلمني كثيرا ويوجع قلبي، واذا كان في الامكان ان اقوم بأي شيء على طريق الحق فلن أبخل به على أهلي هنا وهناك.
* وماذا تقول لأهلك هناك في مخيمات تندوف؟
ـ اقول لهم قول الله تعالى “انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون”. واطلب من الله ان يزرع رحمته بين المسلمين، وان ينصر الحق، ومن يبغي غير الحق فلا هو مني ولا أنا منه.
* قلت انه لو كان بامكانك ان تقوم بأي شيء من شأنه ان يجد حلا للمشكلة القائمة فلن تتأخر عن القيام به، فماذا بامكانك القيام به؟
ـ اي شيء يخدم الحق انا مستعد للقيام به.
* مثل ماذا ؟
ـ كل ما اقدر على فعله ويخدم الحق لن ابخل به. يقول تعالى “يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم، فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله ورسوله ان كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر” هذا ما امر به الله المسلمين، اي نصرة الحق.
* وابنك محمد عبد العزيز اين تضعه، مع اي من الطائفتين؟
ـ كلهم مسلمون، وعلى المسلمين ان يردوا الطائفة التي خرجت عن الحق بالتي هي احسن، وان رفضت فبالعنف. وواجبنا نحن كمسلمين ان نتوسط بين الطائفتين بالصلح والعدل، والتي توجد على ظلالة نطلب لها الهداية الى ان يهديها الله الى الطريق السوي. يقول تعالى “من يقتل مؤمنا متعمدا جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما”. ويقول ايضا “من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”. وقال ايضا “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق”. وقال ايضا “اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما”. وقال الرسول (ص) “لا تظالموا ولاتحاسدوا ولاتباغضوا ولاتدابروا وكونوا عباد الله اخوانا”، واسأل الله ان ينجينا من الظلال.
* استقبلت أخيرا من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس فماذا قال لك الملك؟
ـ عندما كان صاحب الجلالة يقوم بزيارة للمنطقة اعطى اوامره لعامل (محافظ) المدينة ليلا لدعوتي لأكون ضمن من سيستقبلهم للسلام عليه، وفي منتصف الليل تم ابلاغي بالأمر الملكي وفي الصباح كنت من بين المستقبلين للملك للسلام عليه.
* وما هو انطباعك عن ذلك الاستقبال؟
ـ كان الاستقبال بالنسبة لي مناسبة للسلام على جلالة الملك نصره الله والتبرك به، وسألني عن المرض الذي كنت أعاني منه فقلت له اني تعافيت منه والحمد لله.
* هذا كل ما قاله لك؟
ـ نعم، كان هذا كل ما قاله لي، واشكره مرة اخرى لانه بأمر منه وليس من السلطات حظيت بلقائه والسلام عليه والتبرك به.
* ألم تقل له شيئا معينا؟ الم تطلب منه اي شيء ولو عن طريق الوالي؟
ـ لم يكن المقام يصلح لمثل هذا المقال، وحتى عندما التقيت بالوالي لم اطلب منه ان يبلغ صاحب الجلالة اي طلب مني، وحتى رخصة استغلال خط النقل التي منحت لي في عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله، جاءت بأمر منه، فلم يسبق لي ان طلبت اي شيء لنفسي.
* لو طلبت منك ان تقول كلمة اخيرة لمن توجهها؟
ـ اوجهها لجميع امة المسلمين، وخير القول هو كلام الله وحديث رسوله. يقول تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” ويقول “ولا تقل ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا”. وقال ايضا “واجتنبوا قول الزور”. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم “إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وأن الرجل لا يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل لا يكذب حتى يكتب عند الله كذابا”. وأعوذ بالله من الكذب والشر والبلاء.
(الشرق الأوسط اللندنية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *