متابعات

تعرف أكثر عن “جطو” صاحب التقرير الذي تسبب في إعفاء وزراء ومسؤولين

على رقعة الشطرنج، كثيرا ما تُحسم المباريات بطريقة تحرك الحصان، الذي يتوغل مسقطا خطوط الدفاع الأولى للخصم.

جطو، وفي حالات متكررة حد التشابه، ظل يشبه حصان الشطرنج الذي ينهي تحركه دور قِطع أخرى في اللعبة.

فقد كان هو من أنهى حكومة الاشتراكيين في تجربة التناوب، ثم حلّ محل الزعيم التاريخي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمان اليوسفي. وها هو يظهر من جديد، من موقع رئاسة المجلس الأعلى للحسابات، ليسقط تقريره وزراء ومسؤولين.

من يكون جطو؟ هل يتحرك في الساحة السياسية المغربية أم يُحرّك؟ هل هو رجل أعمال أم رجل سياسية أم رجل دولة أم كل ذلك؟ وكيف تحول إلى ورقة حسم في صراع الدولة والسياسيين؟

قبل كل شيء.. رجل أعمال

بملامحه الجافة ونظراته المتمعنة وقده الطويل، تُسلط الأضواء من جديد على ابن المدينة الساحلية، الجديدة.

تاريخ جطو هو، حسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرباط، ميلود بلقاضي، “تاريخ شخصية مغربية عصامية”، فقد تمكّن من أن يصبح رجل أعمال مؤثرا رغم أنه لم يكن ينتمي إلى عائلة نافذة كما هو حال رجال أعمال آخرين.

بروز “رجل الاقتصاد الوطني” كما يصفه بلقاضي، ظهر بشكل أوثق حينما صار من المستأمنين على “الهولدينغ” التابع للأسرة الملكية بالمغرب.

ذلك أن جطو، وفضلا عن تدبيره أعمال شركة تصنع الجلد، واشتهرت أساسا بصناعة الأحذية، ترأس العديد من المؤسسات والمشاريع الاقتصادية الكبرى، في مقدمتها مجموعة “سيجر”، التابعة لـ”الهولدينغ الملكي”، كما اشتغل بـ”المكتب الشريف للفوسفاط”، أحد أثرى المؤسسات الاقتصادية المغربية.

من بوابة رجال الأعمال دخل جطو عالم السياسة. كانت الخطوة الأولى بتولي وزارة وثيقة جدا بمجال المال والأعمال، وهي وزارة الصناعة والتجارة، وذلك في حكومة رجل أعمال آخر هو كريم العمراني، سنة 1993.

تزامن بروز جطو في الرقعة السياسية حينها بانطلاق جولة شطرنج جديدة، ضد رجال الأعمال هذه المرة، خلال ما سمي حينها بـ”حملة التطهير”.

أحد مهندسي ‘العهد الجديد’

عمره الآن 72 عاما. حياته بدأت، كما سبق ذكره، في عالم الأعمال، لكنه صار، خصوصا في العقدين الأخيرين، أحد “رجالات العهد الجديد”، أي فترة تولي محمد السادس الحكم.

برز دوره مجددا في جولة شطرنج أخرى، ضد زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمان اليوسفي، هذه المرة. كان اليوسفي قد قضى خمس سنوات في أول حكومة يقودها حزبه بعد عقود المعارضة التي انتهت باتفاق مع الحسن الثاني على بدء صفحة سياسية جديدة حملت عنوان “التناوب التوافقي”.

فاز الاتحاد الاشتراكي مجددا بانتخابات 2002. هنا برز اسم جطو في لحظة أولى، تحرك خلالها باعتباره وزيرا للداخلية حينها. لذلك كان له دور في هندسة مجريات تلك الانتخابات، كما يوضح المحلل السياسي، بن يونس المرزوقي.
​”هذه الانتخابات كانت لها طبيعة خاصة جدا، بحكم أنها أول انتخابات تشريعية في عهد الملك محمد السادس”، يوضح المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة وجدة.

“المنهجية الديمقراطية”، كما ظل يردد اليوسفي وسياسيون آخرون، كانت تفترض السيناريو التالي: بعد تجربة الاشتراكيين في حكومة التناوب، وفي حال فوزهم مجددا في الانتخابات، يستمرون في تدبير الحكومة رفقة بقية أحزاب ما سمي “الكتلة الديمقراطية”. يشمل ذلك عودة اليوسفي إلى الوزارة الأولى.

بيد أنه حدث ما لم يكن متوقعا. الملك محمد السادس يستقبل جطو ويسند إليه الوزارة الأولى. حينها وقع ما سماه اليوسفي، بعد ذلك، بـ”الانقلاب على المنهجية الديمقراطية”.

لكن، لماذا جطو بالضبط وليس شخصا آخر؟ هل يثبت ذلك فرضية أنه فعلا ‘حصان’ تُحركه يد لاعب ماهر في الرقعة السياسية وضد سياسيين؟

يرى المرزوقي أن تعيين جطو وزيرا أول سنة 2002 جعل منه الورقة التي قلبت رأس الحكومة من التوجهات السياسية التي شرعت فيها حكومة التناوب إلى توجهات اقتصادية، جعلته يحصل على إجماع كل الأحزاب السياسية.

رجل القصر

المجلس الأعلى للحسابات، عنوان مؤسسة يثير رعب مسؤولين وسياسيين، باعتباره أعلى جهاز رقابة مالية وقضائية على تدبير المال العام.

كان وزير الداخلية الأسبق، أحمد الميداوي، على رأس هذا المجلس قبل أن تسند المهمة إلى جطو، وزير داخلية سابق أيضا.

حسب المحلل السياسي، بن يونس المرزوقي، يرتبط تعيين جطو بمنطق الاستعانة بـ”الكفاءات”. يقول: “أنا أضعه (أي جطو) في إطار الكفاءات التي استطاعت مجابهة التدبير الإداري الفاشل، بفضل الخبرة التي اكتسبها في القطاع الخاص ويستغلها في تدبير جيد للقطاع العام”.

قد يكون هنالك مرادف آخر لكلمة “رجل كفء” في السياق المغربي، وهو مصطلح “رجل دولة”. هذا ما يذهب إليه المحلل السياسي، ميلود بلقاضي.

“هو رجل دولة يظهر في زمن الأزمات، وتلجأ إليه الدولة في المحطات الصعبة”، يسترسل بلقاضي.

يستشهد بلقاضي على طرحه بكل محطات مسار جطو وطريقة حضوره داخل رقعة اللعبة السياسية المغربية. محطات تلتقي عند وصف واحد لهذا الشخص: رجل القصر.

“جطو رجل ثقة القصر، ومن يحظى بهذه الثقة، يتحول إلى سلطة قوية تكون لها الفاعلية في كل المسؤوليات التي تسند إليه من طرف هرم السلطة، وقوته تأتي من كيفية اشتغاله، المبنية على السرية وعدم الانحياز وعدم الخضوع للوبيات بحكم قربه من الملك”، يردف بلقاضي.

ويختم بخلاصة مثيرة للانتباه: “أصبح للرجل وزن سياسي يفوق وزن رئيس الحكومة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *