متابعات

الاستوزار بالمغرب.. ماهي العوامل المتحكمة فيه؟

بعد نحو ثلاثة أسابيع على إعفاء وزراء من حكومة سعد الدين العثماني، ما زال المغاربة ينتظرون ويترقبون الأسماء التي ستعوض المعفيين، وفي هذا السياق تتداول بعض الأسماء المحتملة التي يتوقعها البعض استنادا إلى مبررات مختلفة، تعكس عدم وجود مسطرة محددة ومعايير معينة تتحكم في عملية الاستوزار.

من ثمة تطرح أسئلة كثيرة عن المنافذ التي توصل إلى منصب وزير في المغرب، فهل المسألة مرتبطة فقط بـ”السيفي” أو كفاءة الوزير أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى اعتبارات أخرى؟ وإلى أي حد يعتبر إلمام الشخص المرشح للاستوزار بالقطاع، الذي سيشرف عليه، عاملا متحكما في اختياره لذلك المنصب؟

عوامل مختلفة

أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، أحمد البوز، يوضح أن هناك “عوامل مختلفة تتحكم في الاستوزار تتراوح بين حضور السيفي والكفاءة والمسار المعرفي والعلمي والسياسي”.

إلى جانب ما سبق يشير المتحدث، إلى عوامل أخرى مثل “الأصول الجغرافية والاجتماعية والعائلية والقرب من مراكز القرار، وطبيعة العلاقة التي ينسجها الشخص المستوزر إما مع قيادة الحزب أو القيادة السياسية في الدولة”، وهي العوامل التي يرى المتحدث أنها “كانت حاضرة بقوة كأحد منافذ الاستوزار في المغرب منذ الاستقلال”.

وحسب البوز فإن حضور تلك العوامل رغم أنه “قل” حاليا إلى أنه “لم ينعدم”، إذ يوضح أن “منافذ الاستوزار ولو أنها أصبحت تتخذ شيئا فشيئا الوضع الطبيعي، الذي يجب أن يكون في أي بلد، والمتمثل في الكفاءة والمسار السياسي والمعرفة بالقطاع الذي سيتولى تدبير شؤونه، إلا أنه مع ذلك ما تزال تحضر عوامل أخرى ومنافذ أخرى” والتي يرى أنها “تشكل نوعا من الخلل في الحياة السياسية”.

من جانبه يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، سعيد الخمري، أنه بالرغم من كون “الخبرة والكفاءة والمسار العلمي هي معايير أساسية للاستوزار” إلى أنها، حسب رأيه، “ليست المعايير الوحيدة”.

وحسب الخمري فإن “المعيار الأساسي في الاستوزار يرتبط بالتزكية السياسية”، وهو “معيار سياسي، بمعنى أن الحزب لن يرشح إلا من يرى أنه سيحظى بالقبول من قبل جلالة الملك”.

ويتابع المتحدث موضحا أن الأحزاب تقترح مجموعة أسماء للمنصب على رئيس الحكومة، الذي يقترح بدوره تلك الأسماء على الملك، مضيفا أنه “في آخر المطاف لن يتم اقتراح إلا من يتوقع مسبقا بأنه سيحظى بالقبول”.

أما بالنسبة لأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ميلود بلقاضي، فإن “الوصول إلى المناصب الوزارية في المغرب مسألة غامضة ومعقدة وتتحكم فيها عدة معايير”.

وقال بلقاضي إن تلك المعايير “يمكن أن تتعلق بالكفاءة والعطاء والانضباط ويمكن أيضا أن تتعلق بالولاء والعلاقات العائلية والزبونية والخضوع” كما يمكن أن تكون حسب بلقاضي “خاضعة للولاء للنافذين في النظام السياسي المغربي”.

ويُرجع المصدر ذاته الإشكال المرتبط بمعايير الاستوزار إلى الأحزاب التي يرى أنها “لا تخضع في تعيين الشخصيات للمناصب السامية مثل الوزراء إلى معايير موضوعية” بل إنها، “مازالت تغلب عليها معايير التبعية والولاء والزبونية…” وهو ما يرى أنه يفسر “ضعف الحكامة التدبيرية للوزراء”.

الإلمام بالقطاع

علاقة بالحديث عن “ضعف الحكامة التدبيرية للوزراء” وعما إذا كان معيار الإلمام بالقطاع حاضرا في عملية الترشح والترشيح للمناصب الوزارية، يجدد بلقاضي التأكيد على أن “مسألة الترشيح للوزارة تخضع لمساطر غامضة تغيب فيها الشفافية والوضوح والديمقراطية” على حد تعبيره.

ويتابع موضحا أن “رئيس الحزب يهمه الموقع والوزارة أكثر مما يهمه بروفايل المرشح لذلك المنصب”.

ومع ذلك لا يرى المتحدث أهمية كبيرة لمعيار إلمام الوزير بالقطاع الذي يشرف عليه، ويفسر هذا الأمر بقوله “من الناحية السياسية الوزير له وضع سياسي داخل الوزارة، وقوته لا تتأتى من ذاته بل تتأتى من محيطه أو ديوانه أو المستشارين الذين يحيطون به”، مبرزا أن “المسألة تتعلق بالوزير وقدراته وجرأته وتكوينه السياسي وأيضا بكيفية اختيار المحيطين به لأنهم هم من يساعدونه في اتخاذ القرار أو السياسة المناسبة”.

من جانبه، يبدو أن للخمري رأي مختلف، ويعتبر أن إلمام الوزير بالقطاع الذي يشرف عليه عاملا مهما، ذلك أنه يورد هذه المسألة ضمن حديثه عن نتائج الاستوزار، الذي لا يحتكم فقط إلى معياري الخبرة والكفاءة.

فالخمري الذي يؤكد بأن “الكفاءة والخبرة وإن كانتا مطلوبتين إلا أنهما ليستا المعيار المعتمد بالدرجة الأولى”، يتابع موضحا أن “الدليل على ذلك أننا شاهدنا خلال هذه التجربة وحتى في التجارب السابقة وزراء أو أسماء تقلدوا مناصب وزارية إما ليست لديهم الكفاءة والخبرة المطلوبة، كما شاهدنا تقلد أسماء لا علاقة بالقطاع الذي استوزرت فيه كأن يكون الشخص منتميا إلى قطاع مهني بعيد كل البعد عن القطاع المهني الذي استوزر فيه”.

ويعتبر المتحدث أن ذلك الأمر هو “من مظاهر الاختلالات في التعيينات الحكومية”، والتي يرى بأن من يتحمل المسؤولية فيها هي الأحزاب السياسية “على اعتبار أنها هي من تقترح”.

ويتابع المتحدث موضحا أن الأحزاب “يفترض فيها أن تعمل على تجديد نخبتها وتعمل على تحفيز ما لديها من أطر وكفاءات من أجل التمرس على قيادة الشأن العمومي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *