آخر ساعة

“تيفراس” لخديجة أروهال.. ديوان شعري يحمل فيضا من المشاعر التي تحفظ للمرأة مكانتها وكرامتها

ديوان حديث يصدر للشاعرة والمناضلة الأمازيغية خديجة اروهال، طبعة جميلة تتوج اعمالها السابقة بقصائد شعرية جديدة، ذات بعد اجتماعي وبقيمة ابداعية كبيرة تثري المجال الثقافي والخزانة الأدبية .

ملامح، عنوان يعبر عن خوالج النفس بلا قيود وبلا مكابح، يرصد لمفهوم الهوية والمعاناة الانسانية من خلال بوح وجداني بأحاسيس صادقة لا تقاوم نصوص أدبية متحررة، تزخر بنفائس اللغة الأمازيغية، مواقف عاطفية تتأرجح ما بين الحزن والمرح، مرة بوجع ما بعده وجع، وأخرى بالامل وبتباشير الفرح عناوين كالتيجان والحلي .

مخاض لم يكن بالهين كتابة وترجمة، فالشعر أبدا لا يأتي من فراغ، بل كان لابد من شيء خارق يلهب القلب، لتنزف له الاحشاء نزفا، كان لابد من زخم روحي ليولد البوح زاهيا مقنعا، وفي ابهى الصور، حمولة ادبية وجدانية تُراكم تجربة شاعرة امازيغية مقتدرة، تكتنز في دواخلها هموم المرأة في كل مناحي الحياة، تلازمها عبر كل قصائدِ الديوانن دقة في وصف المعاناة اليومية في ظل واقع مجحف، ونظرة دونية للمرأة .

تراتيلُ أنثى لم تعد تستسيغ صدأ القيود البائدة، وعبث الأعراف السائدة، وظلم السيد وقسوة السجن والسجان، تضع الاصبع على الجرح بجرأة وشجاعة، لتحكي عن بعض ما يطال الأنثى من ظلم اجتماعي مقيت، من المهد الى اللحد، بدءا باليتم وقسوة الوصي وظلم الأسرة، نهاية بالزواج المبكر ، وطغيان الزوج والمجتمع، وكأن العذاب مصير وقدر.

ديوان في كل منعطف فيه امرأة حالمة ، وفي كل قصيدة فيه مواقف صادمة، وثورة على التقاليد الظالمة، ورغبة جامحة لا تثنيها رياح لتغيير الواقع المرير. قصائد مترابطة وعميقة، عن العشق والصبابة، والاسى والحزن، والنضال المستميت من أجل الحرية والمساواة ،تجربة تزيح الستارعن ثالوث مخيف، يكرس التهميش والاقصاء والقهر، في دورة أزلية لا تنتهي. ثالوت يختزل حياة المرأة في مساحة المطبخ، ومدرجات الحقل، ومتعة المضجع .

ديوان لا يغادر في كل اجزاءه اوضاع المرأة ودورها في الحياة، وفي بناء الأسرة والمجتمع، وفي نفس الوقت كمكون مهضوم الحقوق، مسلوب الارادة، مع كثير من الأسئلة التي لا تحتاج لأجوبة ومقترحات، ولكن لحلول ملحة لا تقبل التأخير، تحفظ للمرأة مكانتها وكرامتها، وتعترف بدورها، وتقدر تضحياتها كعنصر فاعل في الحياة .

اصدار أدبي حاولت فيه الترجمة العربية ان لا تخرج عن سياق المعنى والمضمون، دون تحريف، لا للخطاب، ولا للرسائل الموجهة، بأمانة تحفظ دلالات المفردات كما تعنيه في اللغة الأمازيغية ، بقراءة لم تخلُ من رقابة الشاعرة وتوجيهاتها الصارمة، وافتحاصها لأدق التفاصيل والتركيبات اللغوية، ادراكاً منها بما يمثله حرف تيفيناغ كأدات للتواصل ، وما يحمله من بعدٍ ثقافي وانساني وحضاري يؤهل الأدب الأمازيغي الى العالمية .

يعتبر الديوان جواز سفر الى مملكة الشعر الفسيحة ،وتذكرة عودة للتاريخ ولتفاصيل الهوية الأمازيغية، حيث المجد الثليد والاعراف والتقاليد وطقوس عريقة لم يطمسها الزمن .

شعر بلكنة الأطلس الصغير، بنكهة الثورة ، بلغة امازيغية بادخة الألفاظ والمصطلحات . شعر يحاكي ترانيم الناي وأنين الربابة ، في حلة مزركشة وكأن الديوان عرس من أعراس الأمازيغ في زمن الممالك والملكات، وأوج الحضارة .

شعر صادق كشعائر روحية، يسافر القارئ من خلالها بلغتين مترابطتين، منسجمتين، تتفاعل فيهما المشاعر برهافة حس، والتعابير بيسر، وبسلاسة . شعر يلغي المألوف في الأدب الأمازيغي الحديث .

تجربة انسانية عميقة تتوج المرأة على عرش الشعر، بلا منازع . تسقط شبح الخوف وكل الطابوهات ، وتطيح بالاستبداد الذكوري الى غير رجعة .

ديوان يضع القارئ في رحلة ممتعة، لا يمل فيها ولا يكل، يرافقه بهاء الحرف وجميل القول وسعة المحتوى وثراء المخيلة . تلك لمحة خاطفة عن ديوان يستحق القراءة والغوص فيما بين سطوره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *