وطنيات

الصحراء المغربية .. وسؤال المواجهة العسكرية

من أجل تحقيق أهدافها، كانت الدول تعتمد على القوة العسكرية والتأثير الاقتصادي. القوة كانت تقاس بمؤشرات، مثل مساحة الدولة وعدد سكانها ومواردها الطبيعية والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية والاستقرار السياسي والاجتماعي.

في الوقت الراهن، لم تعد القوة العسكرية هي المحدد الأساسي لتفوق أي دولة؛ فمنطق المواجهة لم يعد عسكريا. وبالتالي، للحفاظ على التفوق، أصبحت الدول مجبرة على الدفاع عن مصالحها بوسائل أخرى غير الحرب، مثل القدرة على الإقناع بعدالة القضايا الوطنية أو ممارسة التأثير على المنتظم الدولي أو تسخير الآلة الإعلامية لشن حرب التصريحات الرسمية من أجل تغيير الوضع القائم.

هذا هو السياق الذي يمكن أن نضع فيه التطورات الأخيرة والخطيرة للغاية التي تشهدها المنطقة الواقعة شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء المغربية.

فرضية الحرب ليست قائمة بتاتا، فلا ميليشيات البوليساريو الانفصالية ولا الجزائر قادرتان على الدخول في حرب مع المغرب. ليس لأن المغرب متفوق عسكريا على الجارة الجزائر؛ لكن لإدراكهما أن القوة العسكرية أو “القوة الصلبة” غير قادرة على حسم الحرب أو ربح أية معركة؛ لأن المعارك الأكثر أهمية لا تحدث على الأرض أو الجو أو البحر، بل داخل ردهات المنظمات الدولية أو في غرف الأخبار في العواصم الدولية أو أي مكان آخر.

فكلما اقترب موعد إصدار مجلس الأمن تقريره السنوي في الثامن والعشرين من أبريل من كل سنة إلا وحاول إعداء الوطن بشتى الوسائل لفت الانتباه ومحاولة تحريك المياه الراكدة والضغط على مجلس الأمن لإنجاز تقارير مخدومة ضد المغرب، وبالتالي إعاقة المسلسل السياسي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية وتشتيت الجهود حول الهدف الأساسي لوجود الأمم المتحدة بالأقاليم الجنوبية للمغرب وهو البحث عن حل نهائي لهذا الصراع.

هذه المناورات اليائسة، التي تقوم بها البوليساريو ومن ورائها الجزائر التي تمولها وتحتضنها وتساندها وتقدم إليها كل الدعم الدبلوماسي، تشكل خطوة خطيرة ومرفوضة. كما يعتبر هذا التصرف الطائش ليس فقط تحديا وخرقا سافرا للقانون الدولي وإنما مسا بهيبة ومصداقية منظمة الأمم المتحدة نفسها المطلعة على حقائق الملف وهي اليوم مطالبة بالتدخل العاجل واتخاذ التدابير الضرورية لمنع أية محاولة لتغيير الوضع القائم وعدم السماح للجبهة الانفصالية بخلق وضع شاذ قد يفتح الباب أمام عواقب خطيرة.

إن البوليساريو موجودة اليوم في وضعية خرق لوقف إطلاق النار. من خلال هذا المنظور وإدراكا لهذه الوضعية السياسية بالمنطقة والتحديات الإستراتيجية الجديدة، فإن السلطات المغربية مطالبة بإصدار موقف حازم للرد على استفزازات جبهة البوليساريو وأصبح من الضروري على المغرب التوفر على ملف شامل حول قضية الصحراء المغربية، لا سيما مع الحاجة إلى توضيح حالة القانون في هذا المجال وإلقاء الضوء على العواقب الجيوسياسية الخطيرة لاستمرار الصراع، وإقامة دبلوماسية هجومية ودائمة باستخدام قوته الناعمة كسلاح حقيقي للحرب.

قضية الصحراء المغربية قضية حياة أو موت بالنسبة إلى جل المغاربة، واستعدادهم الدائم للاستمرار في الدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة، ولن يسمح المغرب بتاتا لأي تغيير في الوضع القانوني والتاريخي للمنطقة العازلة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الوحدة الترابية للمملكة المغربية. للتأكيد، فالمغرب يؤكد، دائما ومن خلال الخطابات الرسمية، ألا مخرج وحل للنزاع إلا من خلال الحل السياسي الذي جسده المغرب في مبادرة الحكم الذاتي التي تجسد الروح الديمقراطية لمبدأ تقرير المصير، والمغرب ليس مستعد لمناقشة أي حل خارج هذا الإطار الذي سبق للأمم المتحدة أن اعترفت بجديته وواقعيه؛ وهو ما جعله مع توالي القرارات الأممية جزءا أساسيا من الحل، بل هو الحل نفسه.

ومن المعلوم أن المغرب انسحب من هذه المنطقة فقط من أجل السماح لبعثة الأمم المتحدة لتدبير وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر من سنة 1991.

من المتوقع أن ينص القرار المقبل لمجلس الأمن على وجوب انسحاب جبهة البوليساريو من المنطقة العازلة بالصحراء، وأن يحملها مسؤولية ما قد يحدث في هذه المنطقة، بالإضافة إلى أن بصمات الأمين العام الجديد حول أوضاع سكان المخيمات ووجوب إحصائهم ستكون حاضرة، فضلا عن مسألة استئناف المفاوضات بين أطراف النزاع.

حسن بنوشان

*باحث في العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/ الرباط أكدال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *