مجتمع

جريمة لا يسمعها القانون .. عندما تتعرَّض الصماء والبكماء إلى الاغتصاب في المغرب

الساعة تشير إلى حوالي العاشرة ليلاً، حنان تتجول قرب منزل شقيقتها في الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء، الجو كان هادئاً وروحانياً كباقي أيام شهر رمضان والشوارع خالية في توقيت صلاة التراويح. في حديقة صغيرة مجاورة كان مثل ذئب مفترس ينتظر الوقت المناسب للانقضاض على فريسته، التي لم تكن سوى حنان، لم تتخيل أن تعيش أسوأ ليلة في حياتها، كما تحاول أن تشرح لنا بإشاراتها وملامحها الحزينة فقد ولدت صماء بكماء.

اغتصابها نتج عنه حمل بتوأم رغم أنها لم تتعد بعد العشرين من العمر، حنان ليست الصماء البكماء الوحيدة التي تعرضت إلى التحرش الجنسي والاغتصاب، إذ ارتفع عدد ذوي الاحتياجات الخاصة من الجنسين ومن مختلف الأعمار، الذين يعترضون إلى العنف الجنسي بجميع أشكاله، في ظل غياب قوانين خاصة بهم ومطالب من الجمعيات بإجراءات تحميهم.

استدرجها بدهاء
“استغل إعاقتي، وعلى الرغم من توسلاتي وصراخي، إلا أنه أصر على اغتصابي بكل وحشية”، بهذه العبارات تحكي لنا حنان، حادث اغتصابها. في البداية، رفضت الحديث عن موضوع اغتصابها، وحين وافقت بعد إلحاح، أصرت على عدم نشر صورتها ولا بيانتها الشخصية، خوفاً من الفضيحة والعار الذي يطلقه أفراد المجتمع المغربي على ضحايا الاغتصاب. الشابة العشرينية، لا تنتمي إلى مدينة الدار البيضاء، تنحدر من منطقة جبلية بشمال المغرب، حطت الرحال في بيت شقيقتها الكبرى التي تكفلت بها، بحكم أن حنان يتيمة وتعاني من إعاقة غير مرئية.

وصف “الذئب” الذي تطلق شقيقتها على المغتصب، لم يكون سوى بائع الفواكه على عربة بالقرب من المنزل. أعجب بقوام حنان المتناسق، وملامحها الجميلة، فحين تنظر إليها أول مرة لن يتبادر لذهنك أن الفتاة تعاني أي إعاقة، لم يتردد في التعبير عن إعجابه عبر التحرش بها لفظياً، هي لم تكن تسمع ما يقوله، لهذا لم تكن يصدر منها أي رد فعل، ويبدو أن هذا ما شجعه أكثر للتقرب منها. يوماً بعد يوم تقرب منها عبر تقديم مساعدات لها، مثل الدفاع عنها خصوصاً من تحرش شباب الحي الطامعين في جسدها، إلى أن وثقت به تماماً، ومع مرور أسابيع وأشهر، أخبرها بأنه يرغب في اصطحابها في نزهة قرب المنزل بعد صلاة تراويح. لم تتردد حنان في قبول دعوته خصوصاً وأنه نجح في التقرب إليها بطريقته، لكنها لم تتخيل أبداً أن يتحول الرجل الشهم إلى ذئب مفترس، لأنه وبعد وصولها إلى الحديقة المجاورة للمنزل، عنفها واغتصبها بكل وحشية، ونتج عن هذا الاغتصاب افتضاض بكارة وحمل بتوأم أمام صدمة الأهل.

حنان عينة من ذوات الاحتياجات الخاصة في المجتمع المغربي اللاتي يتعرضن للتحرش والاغتصاب، وما يزيد من معاناتهن كونهن يعانين من إعاقة الصم والبكم؛ فحنان لا تستطيع أن تحكي تفاصيل ما حدث لها للدفاع عن نفسها وهذا ما يزيد الوضع سوء. المغتصب زعم أن حنان ليست قاصراً وأنها كانت على علاقة جنسية به، لكن بعد تحقيقات وإصرار شقيقة حنان على المطالبة بحق أختها، تبين أن الرجل كاذب وأنه استغل إعاقة حنان واغتصبها بوحشية، وتم زجه في السجن لسبع سنوات. أما حنان فلم تستطيع الإجهاض. هي الآن أم لطفلين يستطيعان الحديث والسماع، تتكفل بهما شقيقتها.

على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها

حنان ليست الوحيدة التي تعرضت إلى التحرش الجنسي والاغتصاب، ثمة العديد من النسوة والأطفال خصوصاً الذين يعترضون إلى العنف بجميع أشكاله، كما يحكي كمال مجول، خبير قضائي محلف ومترجم لغة الإشارة ورئيس جمعية منى للصم والبكم بالدار البيضاء. هذه الفئة الهشة عرضة للاغتصاب والتحرش والعنف بجميع أشكاله بسبب إعاقتهم؛ فالمرأة الصماء أو البكماء لن تستطيع سماع المتحرش، وبالتالي لن تقوم بأي رد فعل، إلا في حالة واحدة، عندما يقوم المتحرش بلمسها في أعضائها الحميمية، وهنا ستدافع الفتاة عن نفسها بالفطرة، أو يمكن أن تنساق له ومن ثم يستدرجها لعلاقة جنسية مستغلاً إعاقتها. ولتفادي ذلك، تبقى التوعية مهمة في هذه الحالة، لكن وفقاً لكمال مجول فإنه على المستوى الرسمي، ثمة غياب شبه كلي للحملات التوعوية عبر وصلات إعلانية تعتمدها قطاعات حكومية فيما يخص هذه الفئة التي يفوق عددها 100 ألف حسب أرقام رسمية، وتغيب لغة الإشارة في كل الحملات التي تخص المعاقين. زكار مريم، معلمة ومربية في مدرسة منى للصم والبكم بالدار البيضاء، في فصلها كانت تدرب محموعة من الفتيات اللواتي يعانين من إعاقة الصم والبكم على كيفية التصرف خلال التحرش وحماية أنفسهن من ذلك، عبر تقديم أمثلة وتشخيص الوضعيات.

تقنيات ضد التحرش

تحاول من خلال مهنتها توعية وتحسيس هؤلاء الفتيات من خلال نماذج تطبيقية، “نحاول هنا داخل المؤسسة توعيتهن من خطورة التحرش الجنسي وكيفية التصرف عندما يقعن ضحية التحرش بهن”. لكن كما تقول مريم هذه الفئة محظوظة لأنهن يتعلمن لغة الإشارة داخل مؤسسة تعليمية، لكن ثمة فتيات يعانين من نفس الإعاقة لكنهن حرمن من حقهن في التدريس. كما أنه ثمة بعض الأمهات يفضلن عدم تمدرس طفلاتهن المصابات بإعاقة الصم والبكم خوفاً من استغلالهن جنسياً من طرف البعض. خوف الأمهات له ما يبرره. عندما يتعرض هؤلاء للاعتداء، يواجهون صعوبات لا حصر لها في إثبات حقهم، أولها إيصال صوتهم للشرطة القضائية التي في الغالب لا تحسن التصرف معهم، يعلق على هذا الأمر كمال مجول، وهو خبير قضائي محلف لدى المحكمة.

من بين تلك القضايا الأب الذي اغتصب في مدينة سلا ثلاثة من أبنائه المتراوحة أعمارهم ما بين 5 و7 سنوات، فقد تعرضوا لاعتداء جنسي متكرر، مما تسبب لهم في معاناة نفسية خطيرة، كما قالت الأم في محضر الشرطة. الفتاتان تعانيان الصمم والبكم، والزوج استغل صمم وبكم ابنتيه وعدم قدرتهما على إخبار الأم بما تتعرضان له، كما هو حال الابن البالغ من العمر 5 سنوات الذي يعاني بدوره من التوحد.

عناصر الشرطة القضائية ليسوا على دراية بلغة الإشارة، لهذا عندما تلجأ إليهم الضحية، لا يحسنون سماع صوتها، وبالتالي “يجب عليهم تحمل مسؤوليتهم واتصالهم بخبراء يترجمون لغة الإشارة لسماع هؤلاء الضحايا وحمايتهم وإنصافهم أيضاً”. يصرح لـ”عربي بوست” خبير قضائي محلف. ونادراً ما تلجأ الشرطة إلى الاتصال بمحلفين لدى المحكمة والذين يقومون بترجمة لغة الإشارة، خاصة وأن عدد الخبراء على صعيد جهة الدار البيضاء التي تضم أكثر من 5 ملايين ساكن يبلغ فقط 6.. و”هذا قليل جداً”، يضيف الخبير وهو يهز كتفيه في إشارة الاستسلام.

طفلا حنان التوأمان كانا يلعبان في أركان الشقة، طبيعيين يتكلمان ويسمعان، وأمهما تراقبهما في صمت ومع أدنى حركة أو كلمة منهما تتحرك لحمايتهما.. كانت طفلة بدورها حينما حملت بهما وأنجبتهما، أختها تتحسر عليها، وتعتبر أن المرأة التي تعاني من إعاقة الصمم والبكم مضطهدة في وطنها، فهي عرضة لاستغلال من جميع أنواعه، و”يجب على الدولة أن تضع نقطاً على الحروف لحماية هؤلاء النسوة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *