جهويات

رمضان في مدن الصحراء..عادات تقاوم من أجل البقاء

يتميز شهر رمضان بإقليم العيون وعلى غرار باقي الاقاليم الجنوبية للمملكة بطقوس دينية وعادات اجتماعية خاصة، منها ما يزال راسخا ، ومنها ما اندثر أو في طريقه للزوال ، بسبب متطلبات الحياة العصرية. وكغيره من المجتمعات البدوية، يتميز المجتمع الصحراوي بالاقاليم الجنوبية بالكثير من الممارسات الاجتماعية و جملة من العادات والتقاليد الخاصة خلال شهر رمضان المبارك، انطلاقا من التحضير لهذا الشهر الكريم، إلى اعداد موائد الإفطار والسحور، ثم باقي الممارسات المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، وقضاء يوم رمضان وليله من طرف الصائم بهذه الربوع .

ومن بين العادات الشعبية التي لا تزال متداولة بالصحراء خلال هذا الشهر الفضيل على الرغم من التطور الذي عرفته مختلف مجالات الحياة اليومية ، عقد جلسات السمر بعد صلاة التراويح، والتي يتم خلالها إعداد الشاي وتناوله على الطريقة المحلية المعروفة بالجيمات الثلاث، مع ما يتخلل ذلك من إبداع شعري والتسلي بالألغاز فضلا عن تبادل الآراء والافكار حول مواضيع وقضايا تهم حياتهم اليومية

وتؤثث فضاء الجلسات الرمضانية في غالب الأحيان ممارسة ألعاب تقليدية نسجها المخيال الشعبي الحساني بالصحراء على نحو طقوسي واسع، منها لعبة “السيك” ولعبة ” اكرور”، وهي لعبة نسائية بامتياز، تعتمد على المهارات والقدرات الذهنية، وكذا لعبة ” ضاما” و” الضومينو” فضلا عن لعبة “مرياس” و”دبلي” التي يدمن الرجال على ممارستها بالصحراء.

وفبخصوص مائدة الافطار، ابرزت الفاعلة الجمعوية مريم العيساوي ان الصحراويون كانوا يحبذون تناول وجبات تنسجم مع نمط عيشهم وخصوصية حياتهم، مشيرة الى ان مائدة الإفطار كانت تقتصر على تحضير لحسا لحمر (الحساء الأحمر) المعد أساسا من دقيق الشعير إلى جانب التمر والألبان، فضلا عن الشاي الذي يعد مشروبا شعبيا يحتل مكانة استثنائية في العادات الغذائية بالصحراء.

اما اليوم تضيف العيساوي ، فان مائدة الإفطار، فلا تكاد تخلو من شربة “الحريرة” بأنواعها المختلفة إلى جانب التمر والحليب والسمك والحلويات وأنواع متعددة من الفطائر والعصائر.

وذكرت ان وجبة العشاء، من النادر تحضيرها بالصحراء إذ يتم الاكتفاء بإعداد الشاي مرة أخرى وتمضية الوقت في التسلية، عكس وجبة السحور، التي غالبا ما يتم فيها تناول أطباق تختلف باختلاف الأذواق والأجيال والمستوى الاجتماعي للأسر، مبرزة ان بعض العادات والتقاليد اختفت، حيث لم تعد للأكلات الشعبية المعروفة باسم “بلغمان” و”الزميت” و”العيش” و”تيشطار” أي اللحم المجفف مكانا ضمن المائدة الصحراوية وتم تعويضها بالأسماك بمختلف أنواعها واللحوم الحمراء والبيضاء والخضروات والفواكه.

فعلى الرغم من التحول الذي طرأ على النظام الغذائي بالصحراء خلال شهر رمضان، فإن أجواء رمضان الروحية والاجتماعية ظلت في كثير من تجلياتها راسخة في وجدان المجتمع الحساني كطقوس وممارسات شعبية تعكس جوانب منها المستوى الاجتماعي للأسر، والمظاهر الدينية المتأصلة في ذاكرة المجتمع الحساني، مادامت تأتي في طليعة الثوابت والمرتكزات التي لا محيد عنها.

وهذا لا يعني أن شهر رمضان بالأقاليم الجنوبية كله لهو واكل وشرب، حيث يحرص الصائم بهذه الأقاليم على حضور ما تيسر له من دروس دينية ثم الانصراف إلى العبادات وأداء الفرائض في ورع وتقوى كما يليق بشهر رمضان الكريم، وكما دأبت على ذلك ممارسات الآباء والأجداد، الى جانب صلة الأرحام وتبادل الزيارات بين الأحباب و الأصدقاء والجيران، التي قد تزيد قليلا عن الأيام العادية بسبب فسحة الزمن التي يتيحها هذا الشهر الكريم.

ويقسم سكان الأقاليم الجنوبية شهر رمضان إلى ثلاث مراحل يسمون الأولى منها بعشراية التركة (الأطفال) أو عشراية ركاب الخيل حيث تكون للإنسان قدرة على تحمل الصيام وتسمى الثانية بعشراية أفكاريش, أو عشراية ركاب لبل (الإبل) وهي مرحلة تتطلب صبرا إضافيا فيما تسمى المرحلة الثالثة بعشراية لعزايز (المسنات) أو ركاب الحمير للدلالة على مرور الوقت ببطء والإحساس بالتعب.

وتستمد هذه العادات الصحراوية اصولها من ثقافتهم وعاداتهم الغذائية التقليدية الذي يوحي بالسمر إلى جانب الحرص على القيام بالشعائر الدينية، وتبادل الزيارات بين الاهل والاقارب من أجل تدعيم اواصر صلة الرحم ، والاكثار من عمل الخير والاحسان وتقديم الصدقات الى الفقراء والمحتاجين.

فمن خلال أصناف وجبات الأكل المقدمة خلال شهر رمضان بالأقاليم الجنوبية، يظهر جليا التحول الذي طرأ على النظام الغذائي بهذه الأقاليم وذلك بفعل الانتقال إلى حياة الاستقرار عوض حياة البداوة والترحال، وكذا التطور الذي شمل جميع مجالات الحياة اليومية لأبناء الأقاليم الجنوبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *