آراء

ماء العينين إعيش يكتب .. تفكيك شِفْرَة حملة المقاطعة بالمغرب

يعرف المغرب هذه الأيام حملة لمقاطعة مجموعة من المنتجات التابعة لثلاث شركات رئيسة، أولها تنشط في مجال تعبئة الماء المعدني( سيدي علي ) ، و ثانيها تعمل في مجال الحليب و مشتقاته (سنترال ) ، و ثالثها تشتغل في مجال الوقود و المحروقات (إفريقيا) .
وقد عرفت هده الحملة تجاوبا كبيرا من مختلف شرائح الشعب المغربي و على امتداد الخريطة الجغرافية للمغرب ، بالرغم من عدم امتلاك أية معلومات أو معرفة باللون السياسي أو الإيديولوجي للداعين إليها ،حيث كبدت حملة المقاطعة الشركات المعنية بها، خسائر كبيرة سواءا على المستوى المادي أو المعنوي ، خصوصا و أن صاحب إحدى الشركات الثلاث و الدي يدور في كنف السلطة ، كان من المرتقب أن يحض بمكانة قيادية على رأس إحدى المؤسسات التنفيذية في غضون السنوات الثلاث المقبلة ، لكن نجاح حملة المقاطعة أفقده على ما يبدوا المشروعية في الاستمرار في هدا الطموح ،
غير أن المتأمل في حملة المقاطعة بالمغرب و التي تعتبر رسالة شعبية بكل المقاييس يكتشف مايلي :
u الغطرسة و العنجهية:
إن المتتبع أو الراصد لردود أفعال ممثلي الشركات موضوع المقاطعة يكتشف بشكل جلي نوع من الغطرسة والعنجهية و الاستهتار بإرادة الشعب أو بعضه على الأقل ، فكيف يمكن لناطق رسمي باسم إحدى الشركات ، و الذي يفترض فيه انه يملك الكفاءة للتواصل مع الجماهير أو وسائل الإعلام أن يصف المقاطعين بالخيانة ، و الأخطر من دلك أن تصدر هده الإهانة على لسان مسؤولين حكوميين، او نواب برلمانيين ، يفترض فيهم أنهم يدافعون عن حقوق و مصالح الشعب ، و يسعون لتحقيق الرفاهية له و الحفاظ على السلم الاجتماعي ، حيث وصف احد الوزراء المقاطعين “بالمداويخ” ، في حين وصفهم الأخر “بلعب الأطفال في العالم الافتراضي ” ، أما الثالث فقد حاول تمرير تهديد مبطن بمتابعتهم قضائيا ، أما الرابعة و التي تعتبر مائبة للشعب فقد اعتبرتهم قطيعا ،
الأمر الذي يؤكد عدم استيعاب هؤلاء المسؤولين للمفاهيم الجديدة التي جاء بها الدستور و التي كرست بالأساس الحق في الاختيار و حرية التعبير ،كما انهم لم يواكبوا مستوى الوعي السياسي الذي أصبح ينعم به جزء كبير من الشعب المغربي ، الشيئ الدي يطرح سؤالا جوهرية حول كفاءة هؤلاء المسؤولين و أمثالهم في تدبير الملفات المصيرية لهدا لوطن .
v فعالية و نجاعة السلطة الخامسة في حملة المقاطعة:
غالبا ما يتم الحديث عن السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية ، ويضيف إليها البعض السلطة الرابعة و المتمثلة في الإعلام،
غير انه مع تطور الفكر الإنساني و الثورة المعلوماتية التي أصبح يعرفها العالم ، ظهرت سلطة خامسة و التي تتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها ( فايسبوك ، واتساب ، مسانجر …)،
و قد اثبت السلطة الخامسة نجاعتها و فعاليتها في إنجاح حملة المقاطعة بالمغرب ، حيث مكنت المقاطعين أو الداعين للمقاطعة من نشر أفكارهم بشكل واسع ، متجاوزين في ذلك الرقابة التي يمكن أن تعيق تحركهم ، و متفادين أيضا الصدامات أو الاعتقالات او المتابعات التي يمكن أن تنتج عن خروجهم للشارع .
وهكذا يمكن القول أن شبكات التواصل الاجتماعي (السلطة الخامسة)كان لها دور فعال في إنجاح المقاطعة بشكل باهر، كما أنها كانت وسيلة لضحد كل المزاعم المناوئة لحملة المقاطعة ، و كشف جميع المعلومات و الأرقام المغلوطة التي كان يستعملها البعض لتأثير بشكل سلبي على الحملة ، حيث بلغت الجرأة بالبعض (نائب برلماني ) إلى حد مطالبة بضرورة حجبها .
Ž انكشاف جشع البورجوازية :
ان حملة المقاطعة و ما واكبها من معلومات و أرقام خيالية عن أرباح بعض الشركات ، و هي معلومات موثقة صادرة عن مسؤول رسمي و هو رئيس اللجنة الاستطلاعية حول أسعار المحروقات ، يؤكد أننا فشلنا فشلا دريعا في انشاء برجوازية وطنية تساهم في بناء الوطن و تشارك في تحقيق تنمية حقيقية به ،
فالارباح المعلن عنها و التي كانت بالاساس على حساب الدولة من خلال الاستفادة من الدعم ، و كدا على حساب المواطن من خلال هامش الربح ، تتثبت ان نموذج البورجوازية المعنية بهده المعطيات ،كان همها الوحيد هو تحقيق الأرباح الخيالية و الدفاع عن مصالحها الشخصية دون ان تفكر في المساهمة في الحفاظ على السلم الاجتماعي و حماية القدرة الشرائية للمواطن و دون ان تفكر ايضا في المساهمة في بناء اقتصاد وطني قوي .
فهدا الفشل في صناعة بورجوازية وطنية ، يشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار هدا الوطن الأمر الذي يستوجب من الدولة و كدا جميع الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين ضرورة التفكير بشكل جدي في خلق بورجوازية وطنية حقيقية بدل الاعتماد او الاكتفاء بالانتهازيين الدين يتعاملون مع هدا الوطن كبقرة حلوب .
ارتفاع الوعي الشعبي و تجاوز الوسائط التقليدية :
إن الشعب المغربي و خصوصا فئة الشباب منه ، بالرغم مما كان يقال عنها من اللامبالاة و عدم الاهتمام بأوضاع و شؤون هدا الوطن ، أثبتت من خلال حملة المقاطعة استيعابها و ضبطها و تتبعها لكل ما يدور بهدا الوطن، غير انها كانت منزوية لكونها لم تجد المجال أو الآليات التي يمكن من خلالها أن تعبر عن رأيها ، فالوسائط التقليدية كالأحزاب أو جمعيات المجتمع المدني لم ترقى الى مستوى تطلعات هؤلاء الشباب، فهي لم و لن تكون خيارا لهم ودلك راجع بالأساس إلى ما يسود هده الأحزاب أو الجمعيات من زبونية و محسوبية ،
الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن آليات و وسائل جديدة للتعبير عن أرائهم و قد وجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي . الشيئ الدي يجعل التفكير في خلق وسائط جديدة ضرورة ملحة حتى نتمكن من تطوير الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي في هدا الوطن ، الذي يعد ملكا لجميع المغاربة بدون استثناء .

محام بهيئة المحامين باكادير و طالب باحث بسلك الدكتوراه
و نائب رئيس الجمعية الوطنية للمحامين الشباب بالمغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *