المغرب الكبير

لماذا دعا أئمة تونسيون إلى مقاطعة فريضة الحج؟

أثارت الدعوات إلى مقاطعة الحج في تونس أواخر الشهر الماضي (يونيو) جدلاً واسعاً في الشارع التونسي بين مؤيد ومعارض، ولم يتوقف تداول دعوة مقاطعة الحج في مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل تجاوزها ليصل إلى موقف دعمته نقابة الأئمة، التى دعت بدورها إلى مقاطعة فريضة الحج للعام الجاري (2018).

وفي رد على هذه الدعوات، اعتبرت كل من دار الإفتاء ووزارة الشؤون الدينية مقاطعة فريضة الحج حراماً شرعاً، في حين ترى فئة من التونسيين أن هذه الدعوات أخذت بُعداً أكبر من حجمها. وكانت وزارة الشؤون الدينية قد حددت تسعيرة الحج بنحو 11.700 دينار تونسي (4450 دولارًا) دون احتساب مصاريف الحجاج هناك، واعتبر فاضل عاشور، الكاتب العام لنقابة الأئمة والإطارات الدينية، هذا المبلغ مرتفعاً، وأنه يضيّع ادخار التونسيين ليعزز خزائن السعودية، «التي تواصل حربها بالمنطقة دون احترام الأشهر الحُرُم».

هذا وأعلن وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم، في 20 يونيو 2018، قبول نحو 11 ألف حاج لهذا العام (2018)، مشيراً إلى ارتفاع كبير في تكلفة الحج لتتجاوز 4600 دولار، مبرراً ذلك بارتفاع قيمة الضرائب التي تفرضها على شركات النقل والخدمات المتعلقة بالحج.

واعتبرت وزارة الشؤون الدينية التونسية، في بلاغ لها الجمعة 6 يوليوز 2018، أن دعوة نقابة الأئمة في تونس لإلغاء حجّ هذا الموسم غير صادرة عن أيّ جهة رسميّة ولا تلزم الحكومة التّونسيّة في شيء. وأضافت الوزارة في البلاغ ذاته أنّ حصّة البلاد من الحجيج، المحدّدة بـ10982 حاجاً، ستسدّد بالكامل، مشيرة إلى أن هذه الدعوة لم تؤثر سلباً على «الإقبال الكبير» من قِبل التونسيين لأداء فريضة الحج هذا العام (2018).

في السياق ذاته، أكد ديوان الإفتاء بالجمهورية التونسية، في بيان نشره باليوم نفسه على صفحته الرسمية في «فيسبوك»، أن الدعوات إلى إبطال موسم الحج الحالي «لا تجوز شرعاً بأي دعوة كانت، وذلك باتفاق كل علماء المسلمين بدليل الكتاب والسُّنة».

وورد في البيان نفسه أنه لا يمكن تعطيل أو إبطال موسم الحجّ، وأن كلّ دعوة إلى ذلك تعتبر «حراماً» شرعاً، ومن شأنها أن تثير البلبلة والتشويش على قاصدي بيت الله الحرام، وهي فتنة، والفتنة أشد من القتل.

كما شدد على أن «وزارة الشؤون الدينية بريئة من الدعوات إلى إبطال فرض الحج، وأن من روّج لفكرة إبطال الحج لا يعرف من الشرع الإسلامي شيئاً، وهو يعبّر عن رأيه الخاص ولا يلزم إلا صاحبه».

وفسرت وزارة الشؤون الدينية ارتفاع تكلفة الحج بارتفاع تكلفة عقود السكن والنقل ومصاريف الإعاشة وفارق الصرف للريال السعودي وارتفاع تكلفة مصاريف الطيران عالمياً، ما سيرفع تسعيرة الحج مقارنة بالموسم الماضي والتي تتراوح حسب الخدمات بين 7480 ديناراً (2800 دولار)، و9520 ديناراً تونسياً (3600 دولار)، وفق موقع «لكم». وذكرت مصادر مطلعة من وزارة الشؤون الدينية، رفضت الكشف عن اسمها، لـ»عربي بوست»، أن البيان الذي أصدرته نقابة الأئمة لا يلزم إلا كاتبها العام فاضل عاشور. وذكرت المصادر نفسها أن رسوم أداء مناسك الحج مرتبطة بقيمة الدينار التونسي، الذي شهد تراجعاً، وهو ما تسبب في زيادة تسعيرة الحج.

وجاءت الردود المطالبة بإلغاء فريضة الحج في تونس للعام الحالي (2018)؛ بسبب تكلفتها الباهظة، البالغة 11000 دينار تونسي (4000 دولار تقريباً) من جهة، وبسبب الاتهامات التي وجهتها نقابة الأئمة على لسان أمينها العام، الفاضل بن عاشور، إلى السعودية باستخدام أموال الحج في «العدوان» على بعض الدول العربية من جهة أخرى، وطالبت بصرف الأموال التي يتم إنفاقها على الحج في تحسين أوضاع التونسيين.

وكانت نقابة الأئمة في تونس قد دعت إلى مقاطعة الحج، على اعتبار أن فريضة الحج تؤدَّى مرة في العمر، وأن هناك عائلات تستحق مساعدات وشباباً معطلاً يستحق التشغيل ودولة تعاني المديونية، ولاستغلال السلطات السعودية أموال المسلمين في الحروب.

هذه الدعوة بررها الكاتب العام للنقابة فاضل بن عاشور، بأنها مشروعة في وقت شهدت فيه تكلفة الحج هذا الموسم «غلاء فاحشاً ورفعاً في الضرائب، وخاصة صرف أموال المسلمين على الحروب ضد جيرانها بدلاً من خلق فرص التنمية».

وأضاف: «نحن نتفهم موقف وزارة الشؤون الدينية في تونس، التي تحاول الحفاظ على علاقتها مع جيرانها والبلدان العربية الصديقة»، موضحاً أن البيان كان سياسياً أكثر من كونه شرعياً أو دينياً.

وتابع: «الحملة المعارِضة لفريضة الحج حققت أهدافها في استمالة قلوب التونسيين، حيث تبرع عشرات رجال الأعمال بأموال، من المنتظر أن يتم توزيعها وصرفها لمساعدة العائلات الفقيرة في يوم تحسيسي بمحافظة القيروان قريباً».

وانقسم الشارع التونسي بين مؤيد لهذه المقاطعة، بحجة أن الناس أصبحوا لا يستطيعون سبيلاً إلى فريضة الحج بسبب ثمنها الباهظ، والتي أصبح هدفها الوجاهة الاجتماعية لا غير، معتبرين أن فقراء البلد أكثر حاجة إليها، ورافضين لهذه الدعوة، معتبرين إياها دعوة مشبوهة، غايتها هدم ثوابت الدين.

ولم يتوقف تداول الدعوة إلى مقاطعة الحج عند دعوات نقابة الأئمة؛ بل تلقفتها مواقف أئمة، أهمها موقف الداعية بشير بن حسن، الذي دعا العام الماضي (2017) لوقف الحج إلى مكة المكرمة على اعتبار أن عوائده تذهب إلى الولايات المتحدة، حيث كتب «لا حج ولا عمرة إلا الواجب منهما، وما سوى ذلك إعانة لأميركا بالمال على إذلال الأمة الإسلامية. اللهم إني قد بلغت، فاشهد يا رب العالمين».
كما طالبت «الجمعية التونسية للتفكير الإسلامي والشؤون الدينية» بفتح تحقيق حول التجاوزات الحاصلة في مواسم الحج»، منتقدةً الارتفاع غير المبرر لتكاليف الحج، الذي اعتبرت أنه تحوّل من عبادة إلى تجارة، بالتركيز خصوصاً على إدانة السعودية بالحرب على اليمن، أو بالتدخل في سوريا، أو بالتشهير بالعلاقات السعودية-الأميركية.

وتباينت ردود الفعل في تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقد الأستاذ في معهد الصحافة وعلوم الأخبار محمد شلبي، في تدوينة نشرها بتاريخ 6 يونيو 2018 على فيسبوك، ما ورد في بيان دار الإفتاء، واعتبر ما ورد فيه صحيحاً في حال كانت الأموال تذهب إلى بيت مال المسلمين، مطالباً بضرورة إصدار بيان حول أرباح الحج، التي قال إنها «تذهب إلى من تعلمون»، دون توضيح.

من جهته، اعتبر الصحفي التونسي خالد عدوي، في تدوينة على صفحته الخاصة بموقع فيسبوك، أن مساعدة الفقراء أولى من دفع نحو 4000 دولار للحج، داعياً إلى إطعام الفقراء ومساعدة المساكين وتزويد الشباب، فالحج -حسب تعبيره- لمن استطاع إليه سبيلاً فقط. بدورها، كتبت الناشطة السياسية آمال فضولي تدوينة قارنت فيها بين أسعار الحج والعمرة من جهة، وبعض المساعدات البسيطة التي تساعد فقراء تونس، منتقدةً غلاء الأسعار والزيادات في الأسعار وتفشي البطالة.

الأحزاب السياسية هي الأخرى لم تتردد في إبداء مواقفها بالمسألة، حيث سارعت حركة النهضة إلى إصدار بلاغ رفضت فيه هذه الدعوة إلى مقاطعة الحج، معتبرة أنها «دعوة معزولة لها أبعاد شخصية مشبوهة ولا تعكس متانة العلاقة مع السعودية». ويقلل ملاحظون في الشأن السياسي والديني من هذه الدعوات المقاطعة، ويعتبرونها مجرد حركات للفت الانتباه وجلب الأنظار، تفتقر إلى الجدية والالتزام بالقضايا الحقيقية للشعب التونسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *