المغرب الكبير

جزائريون يصلون في المسارح لمنع الحفلات..احتجاج اجتماعي أو نزوع داعشي

يطالبون بالخبز بدل الفن

ما قام بها سكان ورقلة، لقي إشادة واسعة من قبل الجزائريين، الذين انخرطوا على مواقع التواصل الاجتماعي في حملة سميت «خليه يغني وحدو» ، واعتبرت بادرة وعي لانطلاق الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية.

وقال مصطفى إنه يدعم بقوة تصرف سكان ورقلة «وأتمنى أن تعمم على كافة الولايات لمقاطعة الحفلات الغنائية، لأننا بحاجة إلى تلك المليارات التي تصرف على فنانين في أمور معيشية».

وبالنسبة للرجل الأربعيني المنحدر من ولاية ساحلية، فإن هؤلاء المغنين لا يستحقون ألقاب فنانين؛ لأن «مستواهم رديء ولا يستحقون كل تلك الأموال، لذلك أنا أدعم حملة خليه ينبح».

وامتدت احتجاجات الصلاة إلى ولاية سيدي بلعباس، التي كانت قديماً عاصمة لأغنية الراي ، حيث تجمع حوالي 30 شخصاً أمام دار الثقافة، وصلّوا جماعة، كتعبير منهم عن رفض إقامة حفل فني لأغنية الراي، متحججين بـ «إضاعة أموال الشعب في الترفيه بدل التنمية وخلق مناصب الشغل للشباب».

مطالب أم تدين

النائب البرلماني عن ولاية ورقلة محمد الداوي يعتبر أن الحراك ليس وليد اليوم، وعمره أكثر من 15 سنة، ربما كان غير منظم في السابق وهو في مجمله متعلق بمطالب اجتماعية في الصحة خصوصاً، والتشغيل والبنية التحتية كالمياه الصالحة للشرب وتصريف المياه المستعملة والطرقات والتغطية بالغاز الطبيعي وفاتورة الكهرباء الغالية في شهور الصيف عموماً.

وأوضح الداوي  أنه في هذه المرة برمجت وزارة الثقافة حفلاً فنياً بورقلة لـ23 فناناً يحيون سهرات ليلية، فاغتنم أهل ورقلة هذا اللقاء للقيام بوقفة سلمية قرب المسرح، الذي ينظم هذه الحفلات، ولما أدركتهم الصلاة صلوا جماعة قرب المكان. ولم يتجرأ أحد على الدخول للمسرح حياء من المحتجين، فألغت السلطات الحفل.

ظلاميون في السجن

وُأخرجت ظاهرة إلغاء الحفلات الغنائية، عن طريق إقامة الصلاة في المسارح المخصصة لها، عن إطارها المطلبي ذي البعد الاجتماعي، وربطها بعض الساسة والمثقفين بتنامي فكر ديني متطرف شبيه بما عاشته البلاد سنوات التسعينات.

وفي الوقت الذي دعا فيه برلمانيون ونشطاء إلى ما وصفوه بعدم صب الزيت على النار جنوبي الجزائر، لكونه مصدر الثروات النفطية للبلاد، ولتفادي إثارة حساسيات قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، هاجم رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يرتدي أيضاً قبعة الوزير الأول، أحمد أويحيى سكان ورقلة، ووصف فعلتهم بـ «الشغب».

وقال أويحيى في أول تصريح له على الحادثة «أقول إن الشغب، وألح على كلمة الشغب، ليس حلاً للمشاكل، وأعلل على ذلك بأن لدينا مشاكل البطالة من عين قزام (أقصى الجنوب) إلى حسين داي (وسط العاصمة)، ولا نعتقد أن البطالة حجة لبعض من شبابنا كي يحرموا مواطني ولاية ورقلة من حفل ثقافي».

ورغم الانتقادات الشديدة التي طالت تصريحه، عاد أويحيى في ظهور إعلامي ثان في 6 غشت 2018، ليؤكد موقفه من احتجاجات الصلاة قائلاً: «إن اتخاذ المطالب الاجتماعية لحرمان آخرين من حق ما، في بعض البلدان يؤدي إلى السجن»، مضيفاً: «إذا لم يسم شغباً ماذا يسمى إذاً».

وكان انتقاد سكان ورقلة النقطة الوحيدة، التي التقت فيها زعيمة حزب العمال المعارض، لويزة حنون مع الوزير الأول أحمد أويحيى، بل ذهبت أبعد منه، عندما وصفت من قاموا بأداء الصلاة لمنع الحفلات الفنية «بالظلاميين، الذين يتهجمون على النشاطات الثقافية».

وتابعت حنون: «إن هذا الانحراف خطير جداً، ويذكرنا بسنوات 1989، 1990، 1991 (بداية تصاعد التيار الإسلامي وتحكمه في الشارع)»، ودعت الدولة ككل، وليس وزارة الثقافة باتخاذ الإجراءات الصارمة.

وبادرت من جانبها، مديرة يومية الفجر الخاصة، حدة حزام، بمهاجمة سكان مدينة ورقلة، الذي منعوا الحفل الفني بإقامة الصلاة، وقالت عبر عمود يومي، إن «ما قاموا به خطر، لا يقل عن الفكر الذي أوصل الجزائر إلى العشرية السوداء، ولا بد من محاربته»، واصفة السلوك «بالهمجي وغير المتحضر».

تفكير داعشي أم حرية شخصية؟

ويرى الصحفي المتخصص في الشؤون الجزائرية، مجيد ماكيدي، أن الصلاة جماعة قصد إلغاء نشاط ثقافي، فعل قد يرتقي إلى منطق تفكير داعش»، معتبراً «أن الدين مسألة شخصية تخص كل فرد، ولا يجب في حال من الأحوال اتخاذه كوسيلة لفرض الأمر الواقع على أناس آخرين».

وأضاف ماكيدي أن الثقافة فعل تنويري، وظاهرة إلغاء الحفلات بهذه الطريقة سلوك متطرف، ينذر بمستقبل مظلم إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة: «إننا نعيش في جمهورية، ولا بد من حماية المعاني والقيم التي تحملها هذه الكلمة».

وأوضح المتخصص في الشأن الجزائري، أن أموال الحفلات مقتطعة من ميزانية الثقافة كما للتنمية ميزانيتها الخاصة، وبالتالي ليس مبرراً اتخاذ الأمر كحجة لمحاربة التظاهرات الثقافية.

وكتب عزيز معزوز على صفحته: «الحكومة جرّبت الشّعب مرّتين…1991 و2018  بعد عشرين سنة من الإصلاحات… وجدته لم يتغيّر»، مشيراً إلى الانتخابات التشريعية مطلع التسعينات، أي منح الشعب الجزائري الأغلبية لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ودخلت البلاد بعده مستنقع حرب مدمرة، معتقداً أن الجزائريين ذوو ميولات إسلامية، ولم تفلح أغلب الإصلاحات التي قامت بها الحكومة.

ولكن النائب البرلماني محمد الداوي رفض تلك الاتهامات، وقال: «للأسف المتطرفون العلمانيون أعطوا للوقفه بعداً أيديولوجياً، وكأن أهل ورقلة يريدون بالوطن العودة للإرهاب والأصولية».

وتابع المتحدث: «المتطرفون السياسيون صرحوا كذباً أن الوقفة عامل شغب، ولم يكشفوا لنا عن خسائر هذا الشغب، في محاولة لتغيير ساحة اللعب والإلهاء عن المشاكل الحقيقية».

وحذر الداوي «في النهاية أقول إن المطالب حتى الآن اجتماعية، وتوشك أن تنقلب لسياسية، بسبب طريقة المعالجة الخاطئة من طرف الحكومة».

تمثال عين الفوراة.. نموذج آخر

وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي، لم يعد عسيراً على أصحاب الرأي المحافظ البروز بقوة، والتنديد بما يعتبرونه خدشاً لتعاليم الدين وقيم المجتمع، وتجلّى ذلك في عملية ترميم تمثال المرأة العارية وإعادته لمكانه وسط مدينة سطيف شرقي البلاد، بعد قيام شاب ملتح بتهشيم أجزاء منه، شهر دجنبر 2017.

 وأطلق نشطاء على مواقع التواصل حملة لنزع ما يسمونه «صنم الفجور» من مدينة سطيف، وكتب أستاذ علم الاجتماع محمد قارة على صفحته الرسمية «ألا يوجد في سطيف رجال ليفعلوا بالتمثال ما فعل الورقليون بالحفل؟ تراثي لا أرثه عن الاحتلال الغاشم…»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *