منوعات

بورتريه… الحسين أوزان مخترع من أيت ملول كرس حياته لتسهيل سبل العيش

بين دروب وأزقة قصبة الطاهر لحرش بأيت ملول (جنوب مدينة أكادير) يشتغل ستيني اسمه الحسين أوزان، ميكانيكيا ببواخر الصيد.

احتكاكه بالمجال التقني، وعمله في أعالي البحار جعله أو بالأحرى فرض عليه إيجاد حلول لكل المعضلات والمعيقات، ففي ذلك العالم المخيف، ليس من مفر غير ابتكار وسائل وأساليب تسهل طرق العمل وتؤمن بيئة سليمة تصد عنها أهوال الطبيعة وتغيراتها المفاجئة.

ابن مدينة أيت ملول استطاع أن يبتكر 11 اختراعا، كلها تصب في منحى الإنسانية وتسهيل سبل العيش ، دون إغفال الجانب الفلكي ، فاحتكاكه بالسماء ليلا، بعث في نفسه أسئلة كثيرة أراد لها أجوبة مقنعة ، مما دفعه إلى التعمق في مجال علم الفلك النظري، فصاغ نماذج لمختلف العمليات الفيزيائية التي تجرى داخل الأجرام السماوية فترجمها على شكل ساعة فلكية، و هو إنجاز رآى النور سنة 2016، بعد مدة استغرقت 27 شهرا، شارك فيها ما يزيد عن 14 شابا عاشقا لهذا العلم ، فنادرا ما تجد اختصاصا يعطي الاهتمام للهواة، لكن الفلك من العلوم القليلة التي يمكن أن يلعب فيها المبتدؤون دورا هاما، خاصة في رصد الظواهر العابرة.

على خطى رشيد اليزمي و المرحوم عبد الله بن شقرون ، ابتكر الحسين أوزان ، تجهيزات و آليات ، منها مرحاض الكرامة، الذي سخر فيه مجهوداته، و ذكاءه المشع لينور حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يمكن لهم أن يقضوا حاجاتهم دون الاستعانة بأشخاص آخرين ، كما توصل إلى آليات تهم ترشيد و استعمال المياه باعتبارها مادة حية مهمة ، و التي بدأت المجتمعات تدق ناقوس الخطر حولها في السنوات الماضية ، و هذا عبر آلة لتصفية المياه العادمة و التي يمكن ان تجيب بشكل عملي عن الاسئلة التي تطرح في كل محفل ومكان وتخص ندرة الموارد المائية بالجهة و هذه الالة قد تساهم في حل مشكلة نقص المياه بالنسبة للعديد من الانشطة الاقتصادية ، وقد استغرق انجاز هذه الالة  زهاء ثلاث سنوات من العمل المضنىي و التحليلات المعمقة.

طبعا سنطرح سؤالا مهما وهو كالتالي: كيف انتقل الحسين من ميكانيكي إلى مخترع ضحى بوقته وماله وإمكانياته لولا حبه لوطنه وأبناء وطنه من الشباب، هو الذي حرس على أشراكهم في همومه واختراعاته. فبالإضافة إلى خبرته الواسعة في مجال الميكانيك، تأثر بسحر الطبيعة، الشيء الذي دفعه لكي يغوص في أعماق عوالم لا قبل له بها، سلاحه طموحه وإرادته وإيمانه بعظمة خالق، هو من  دفعه للبحث مستعيناً بمتخصصين ودوي الخبرة في مجال علم الفلك، فضلا عن فطرته الروحانية التي تصدت للزمن وتأثيراته.

وقد كان الحسين أوزال يستنير بآيات القرءان الكريم ويردد دوما << إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ >>

لم يتلقى الحسين تعليما عاليا، ولا أظن أن عهده تميز بالشبكة العنكبوتية، إلا أن ما أؤمن به، أن عمله الشاق وإبداعه بنية مساعدة الغير، هي خصلات افتقدناها في مجتمعنا الحالي، فتلك الساعة الفلكية، أو مرحاض الكرامة، ما هو الا ترجمة لتأمل عميق في الذات الإلهية، وسهر متتابع في ليالي عدة، أمضيناها ونحن نيام، بينما هناك من يشقى لنعيش في أفضل حال، داخل عالم ليس من السهل معرفته واكتشاف خباياه الكثيرة واللا منتهية.

تحت سقف جمعيته التي أطفأت شمعتها التاسعة عشر هذه السنة ، انطلقت فعاليات مشاريعه العديدة ، فإشراكه للشباب الجامعي ، زاد في عدد الزائرين ليتبلور عمله يوما بعد يوم بفضل التآزر و التضحية في سبيل العلم ، داخل كل هذه الإبداعات و الابتكارات ، لا زالت جمعية النور للتنمية و التعلم تعاني في صمت ، في ظل غياب إعلامي كبير ، و صعاب على المستوى المالي ، فضعف التمويل يؤدي بشكل حتمي إلى كبح هذه الابتكارات ، فهي علمية بالدرجة الأولى الشيء الذي يحتاج تمويلا و دعما ماديا و معنويا قويا ، و كذا ضرورة تسويق المنتوجات ، و لما لا انشاء معرض علمي خاص بهذه الابداعات.

فعزيمة الحسين حاضرة، لكن لا نعلم الى متى سيستمر صبره في تمويل هذه المشاريع من مال الجمعية المتواضع. أمام آمال كبيرة تحتاج التفاتة جدية من الجهات المختصة لرعاية هذه المفخرة الوطنية.

في ظل زخم المشاريع والمخططات الكبرى، والفيستفالات الموسيقية، التي تستقطب الآلاف من الزائرين، خفت نور العلم الذي يرتقي بالمجتمعات، ويبرز شعلة الحضارة، التقدم لم يكن يوما بمعيار فيديوهات ذات جودة عالية، أو فضائح شخصية تخرج للعلن، بل تبلور المجتمع بفضل العلم والوعي الشخصي والاهتمام بالآخر، فالمنافسة قانون الغابة والتعاون قانون الحضارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *