مجتمع

الزواج العرفي وسيلة التونسيين إلى ممارسة الجنس الحلال

لطالما كان الحديث عن الزواج العرفي من المحظورات في تونس. لكن الثورة وما منحته من حريات وخاصة حرية التعبير، كشفت المستور ومهّدت الطريق ليصير نقاش هذه المسألة أمراً جائزاً ومتاحاً للجميع.

تُرجع الناشطة الحقوقية راضية النصراوي تفشّي ظاهرة الزواج العرفي في تونس إلى سببين رئيسين وهما طبيعة القانون التونسي أولاً وصعود الإسلاميين إلى الحكم بعد الثورة ثانياً.

ظاهرة تتزايد

وقد أظهرت أول دراسة ميدانية أكاديمية تنجز بعد الثورة، وأجريت على طلبة الجامعات التونسية، أن 80% من الطلبة السلفيين متزوجون عرفياً، كذلك الحال بالنسبة لـ20% من الطلبة المتعاطفين معهم. الدراسة التي أعدّتها مجموعة من طلبة المرحلة الثالثة (الماجستير) في خمس كليات (الآداب بمنوبة، والعلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس والطب بتونس والعلوم بتونس والشريعة) بيّنت أن نسبة 30% من الطلبة المؤيدين للزواج العرفي يُحسبون على التيار السلفي أو متعاطفون معه، ويرون أن “الزواج العرفي هو زواج شرعي وهو الحل الشرعي للعلاقات الجنسية المنتشرة في صفوف الطلبة”.
ورصدت الدراسة المنجزة أواخر العام 2012 ما بين 700 و800 حالة زواج عرفي في صفوف الطلبة. ولكنها لفتت إلى أنه ليس بوسع أيّة جهة تحديد مقدار انتشار الظاهرة لأن الطلبة المتزوجين عرفياً يحيطون زواجهم بسرية تامة خوفاً من وقوعهم تحت طائلة القانون أو من افتضاح أمرهم لدى عائلاتهم التي لا تعلم بزواجهم.
وأشارت الدراسة إلى أن التقاء الأفكار الدينية السلفية مع الجذور الاجتماعية الفقيرة للطلبة، بالإضافة إلى انتشار ممارسة الجنس خارج إطار الزواج هي عوامل ساهمت بشكل كبير في بروز الزواج العرفي كظاهرة جديدة في الجامعات التونسية. كذلك بيّنت أن 90% من المتزوجين عرفيّاً يتّحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة وهم قادمون من أحياء شعبية أو من جهّات داخلية محرومة، في حين يتحدر 10% منهم من عائلات تنتمي إلى الطبقة الوسطى التي تعرّضت خلال الفترة الأخيرة إلى التهميش الاجتماعي والتفقير.
ويرى مراقبون أن ظاهرة الزواج العرفي في تونس لم تكن وليدة لحظة تاريخية هي الثورة، بل فقط خرجت من الظلمة إلى النور أي من السرية والكتمان الشديدين إلى العلنية، فوجدت شريحة اجتماعية تحتفي بها وتدافع عنها وتتكون بشكل أساسي من شباب التيار السلفي وأنصاره الذين لا يرون حرجاً أخلاقياً أو شرعياً في مثل هذا الزواج. وهكذا، تفاقمت الظاهرة داخل الجامعات التونسية التي تشهد بدورها حضوراً متزايداً للتيار السلفي.

بحث عن الحلال؟

لكي يكون عقد الزواج صحيحاً، يشترط القانون التونسي بلوغ الطرفين السنّ القانونية، وإشهار الزواج ووجود شهود عليه، وأخيراً تثبيت هذا العقد في السجلات الرسمية لدى عدول الإشهاد (الكتّاب العدل) أو ضباط الحالة المدنية. ويجرّم القانون كل صيغ الزواج التي لا تستجيب للشروط القانونية والمدنية ويعتبرها باطلة. ومن هذه الصيغ، ما يعرف بالزواج العرفي الذي لا يشترط حضور شهود ولا يوثق رسمياً وينعقد بمجرد كتابة عقد غير قانوني بين طرفين من دون الإقرار بأي حق للزوجة.

برغم صرامة القانون التونسي وتجريمه الزواج العرفي أو الزواج بامرأة ثانية، شاع الزواج العرفي. آمنة، طالبة بكلية العلوم بتونس تبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة، أعربت عن قناعتها التامة بفكرة الزواج العرفي واعتبرته زواجاً شرعياً وخطوة أولى في انتظار إقرار هذا الزواج بعقد قانوني بعد التخرج ودخول سوق العمل لتستجيب لرغبة عائلتها وأعراف مجتمعها. وتشير آمنة إلى أن صعوبة ظروفها الاقتصادية تحول بينها وبين الزواج الرسمي نظراً إلى ارتفاع تكاليفه، وتضيف أن الزواج العرفي أتاح لها فرصة العيش مع حبيبها ومشاركته في حياته وسكنه.

وتعتبر سامية، طالبة في الكلية نفسها وتبلغ من العمر عشرين سنة، هذا الزواج الحل الأمثل الذي يتيح لها إقامة علاقة جنسية مع زميلها الذي تجمعها به علاقة حب قوية منذ سنوات. وتقرّ بأن علاقتها به مهددة ولا سبيل لإنقاذها إلا بالارتباط به، وكون تربيتها الاجتماعية والدينية لا تسمح لها بالاستجابة لرغباتها الجنسية جعلها تعيش حالة من القلق النفسي والتمزق بين رغبتها في تلبية حاجاتها الجنسية وبين سلطان المبادئ والقيم التي تربّت عليها. وأيضاً، تلفت سامية إلى أن هذا النوع من الزواج يتلاءم مع ظروفها وظروف حبيبها الاقتصادية الصعبة.

هكذا تجد مؤيدات الزواج العرفي فيه حلاً شرعياً للعلاقات الجنسية “ذلك أن الإسلام يحرم الزنا الذي انتشر في الجامعات التونسية وفي المجتمع التونسي”، بحسب ما تقول إحداهنّ.

وفي إجابته عن سؤال حول عدم جواز الزواج العرفي شرعاً، قال أحد الطلبة المحسوبين على التيار السلفي: “أنتم تحرمون ما أحل الله وتحلّون ما حرم الله، تحرمون زواجاً شرعياً وتحلّون الزنا”، وأضاف: “أنا متزوج زواجاً شرعياً وقد استفتيت قبل زواجي أكثر من شيخ من العلماء الثقات. أنا على يقين بأن زواجي حلال لأنه على سنّة الله ورسوله”.

نظرة اجتماعية

يرى الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد أن صيغة الزواج هذه تنتشر في كل الشرائح الاجتماعية، وليست حكراً على العازبين دون سواهم. واعتبر أن الزواج العرفي آلية لشرعنة العلاقات الجنسية المنتشرة بكثرة في المجتمع التونسي ذلك أن 80% من الشباب و67% من الشابات يمارسون الجنس خارج إطار الزواج برغم “أن التونسيين في قرارة أنفسهم غير متصالحين مع فكرة “العلاقات المحرمة” بحكم الوازع الديني وتربية الحلال والحرام وثقل الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يتعارض أحياناً مع الصورة المتحررة التي تظهر بها بعض الطبقات الاجتماعية”.

لذلك، يرى الباحث أن الزواج العرفي “يشكّل ملاذاً لتلبية حاجات جنسية وتجنّب عقدة الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير إزاء الوازع الديني الذي يكبح جماح تلك الرغبات”. ويشير إلى أنه يمثّل “صيغة للخيانة الزوجية تحت غطاء ديني” بالنسبة للمتزوجين الذين لا يمتلكون الجرأة على العيش مع خليلة خارج نطاق الزواج، كون القانون التونسي يمنع تعدد الزوجات، ويريدون أيضاً الحفاظ على أسرهم وسمعتهم الاجتماعية.

أما الباحث في العلوم الاجتماعية عبد الستّار النجّار فينظر إلى المسألة باعتبارها “تعكس الوهن الذي أصاب مؤسسات الدولة وما رافقه من تفكك اجتماعي” ويؤكد أنه أمام ضعف مؤسسات الدولة يصبح من الصعب تتبع مخالفي القانون خاصة إذا كانت المخالفات ترتبط بحياة المواطن الخاصة.

ويقارب الدكتور معز بن حميدة، أستاذ علم الاجتماع، الظاهرة من زاوية أسبابها ودوافعها ليخلص إلى القول “إن تأخّر سنّ الزواج وارتفاع تكاليفه والخوف من العنوسة كلها عوامل تقف وراء تفشي الزواج العرفي بالإضافة إلى تشوّه صورة الزواج كمؤسسة اجتماعية وما يصاحبه من مشاكل وتوترات في العلاقة بين الأزواج وتفاقم نسب الطلاق وتضاعف الشعور بعدم الرضا ورتابة الحياة الزوجية”. ويلفت بن حميدة إلى “أسباب موضوعية” لانتشار الظاهرة تتلخص بالعولمة وانفتاح المجتمع التونسي على المجتمعات الغربية وما أفرزه ذلك من “تحطيم لعادات وتقاليد إلى حد أصبح معه العديد من التونسيين يعيشون دون ضوابط أو موانع”.

من ناحية أخرى، اعتبرت الناشطة مريم كمون، رئيسة جمعية “نساء تونس”، أن استفحال ظاهرة الزواج العرفي في تونس، هو “نخر لمكاسب المرأة التونسية ومكاسب المجتمع الحداثية من خلال عملية استيراد الإسلام الوهابي على حساب المذهب المالكي نتيجة الزيارات المتتالية للدعاة من المشرق والخليج إلى تونس، ونتيجة فتاوى الفضائيات التي تسوق للفكر الوهابي”.

نظرة شرعية

يشدد متخصصون في الشريعة الإسلامية على ضرورة أن يكون الزواج الإسلامي علنياً وموثقاً، ويعتبرون أن الكتمان أو التواصي بالكتمان يحوّل الزواج سرياً وهو غير جائز شرعاً.

ويرى مفتي الديار التونسية، عثمان بطيخ، أن الزواج العرفي لا يعدو أن يكون إلاّ “زنا وخناء وسفاحاً” لغياب أركان وشروط الزواج الصحيحة. ويشدّد على براءة الإسلام من إباحة هذا النوع من العلاقات. الرأي نفسه أيّده عبد الفتاح مورو، المحامي ذو التوجه الإسلامي، الذي اعتبر الزواج العرفي مجرد محاولة لإعطاء شرعية وهمية لعلاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج. مورو حذر من أن هذه العلاقات غير شرعية وباطلة وفيها اعتداء على حرمة الفتيات اللواتي يقع التغرير بهن وإيهامهن بأن مجرد إبرام عقد شفوي يحضره شاهدان كاف لتشريع علاقات جنسية وحياة دائمة بين الرجل والمرأة رغم عدم توفر بقية أركان الزواج.

ويؤكد الدكتور هشام قريسة، أستاذ الفقه بجامعة الزيتونة بتونس، أن الزواج العرفي ممارسة خارجة عن حدود الشرع وهي ضرب من المسافحة تتم تحت ستار “الاستغلال الديني” أو “الإباحة الشرعية”، وهي أمور محرمة حتى في البيوعات فكيف حين يتعلق الأمر بالزواج؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *