متابعات

القاعات السينمائية بكلميم .. إرث منسي في انتظار فرص الاستثمار

تصيب الدهشة، التي قد تصل الى ما يمكن تسميته ب” صدمة السينما” ، المتتبع لواقع الفن السابع بكلميم باب الصحراء، الصدمة من غياب صالات العروض بشكل كلي ، ومن الحال التي وصلت إليه سينما “الخيمة” ، التي كانت ذات يوم “مركبا” سينمائيا سبق في معاييره مركبات سينمائية عالمية.

وبعيدا عن النقاش الدائر حول إشكالية إغلاق إشكالية السينمائية بالمغرب، لجأنا الى النبش في تاريخ الفن السابع بكلميم ، حيث بدأت أولى العروض السينمائية بمنطقة واد نون في الخمسينيات من القرن الماضي، وافتتحت بعدها قاعات للعروض وبالتالي تجارب سينمائية رسخت إرثا مهما للفن السابع بهذه الجهة .

ولا تزال قاعة سينما “الخيمة” وسط مدينة كلميم تقاوم بشموخ تقلبات الزمان، وحال البناية يحكي للزائرين عن أمجاد الفن السابع في عاصمة وادي نون، وسبقت هذه القاعة ،الأشهر بالمنطقة والتي كانت آخر تجربة لصالات العرض في هذه المدينة العاشقة للسينما، الى الوجود صالتين آخريين هما: قاعة سينما شنقيط وقاعة سينما الصحراء.

ويشعر الزائر لهذه القاعة، التي شيدت بداية الثمانينات على مساحة كبيرة وعلى شكل مركب يشمل مقاهي ومحلات تجارية ومرافق صحية، بشعور ممزوج بانبهار وخيبة أمل لترك هذه المعلمة في مهب النسيان.

يؤكد سعيدي بلقاسم، المشرف على القاعة في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أن القاعة افتتحت سنة 1983 وتتوفر على أكثر من 700 مقعد، إضافة الى قاعة مخصصة لكبار الضيوف والشخصيات، وتضم عشرين مقعدا وقاعة استراحة.

بهذا الفضاء الرحب كان عشاق السينما على موعد مع روائع الفن السابع الكونية، لا سيما الهندية منها. وتقف محتويات بقايا الأرشيف السينمائي بالقاعة من اسطوانات لأشرطة سينمائية من فئة 35 ملم وأجهزة البث التي لا تزال صالحة للعمل ، شاهدة على عصر ذهبي زائل، مقاومة في صمت قاتل من ينفض عنها الغبار.

لا تزال ملصقات لأشهر أفلام الثمانيات والتسعينيات تؤثث خزانة هذه القاعة مثل تحفتي بوليود “شهرزادي” و ” الغد لا يموت أبدا” وأفلام بطل الفنون القتالية الشهير ” بروسلي” وغيرها. وبنوستالجيا وحنين الى العصر الذهبي للسينما بكلميم، يقول بلقاسم، إن الفرجة والمتعة كانت تنطلق من تركيب الملصقات الضخمة بأربع نقط في شوارع المدينة لجدب الجمهور الكلميمي، إضافة الى دعاية خاصة بأهم الأفلام عبر سيارة خاصة تجوب شوارع المدينة.

ومن فرط العشق للشاشة الكبيرة كان شباب المدينة وضواحيها يتطوعون للدعاية للأفلام من أجل الحصول على فرجة مجانية للعروض السينمائية مساء.

وبأسف، متأملا القاعة بديكوراتها وتجهيزاتها التي يمكن أن تعاد لها الحياة لو توفرت الامكانات، يقول بلقاسم في ذات التصريح، إن القاعة، التي كانت توفر الفرجة ب5 أو 6 دراهم ، توقفت نهاية التسعينيات بعد تراجع الإقبال على صالات السينما نتيجة غزو القنوات الفضائية للبيوت وارتماء الشباب، بعد ذلك، في أحضان الشبكة العنكبوتية.

واستطرد أن القاعة اليوم مفتوحة في وجه مختلف فعاليات المدينة لعرض الأنشطة الثقافية والفنية والندوات وغيرها، في انتظار مشاريع استثمارية تعيد لها أمجادها السينمائية، متحسرا على ما ما آلت إليه هذه المعلمة .

ومع استمرار النبش في ذاكرة المدينة، كانت الوجهة محمد مراح، المهتم بتاريخ منطقة واد نون، الذي أكد أن حديث مماثل للوكالة أن “أول قاعة للسينما بكلميم افتتحها أعبيد زهري وسميت بسينما شنقيط في الستينيات، وتلتها بعد ذلك تجربة سينما الخليل في فترة السبعينيات”.

وبعد تفكير واستحضار لمعطيات اختزنتها ذاكرة هذا الرجل، الذي يعد مرجعا لساكنة كلميم في كثير من الأمور المتعلقة بالمدينة ، يشير الى تجربة فريدة أخرى أسماها “سينما القشلة” قاصدا بذلك الأفلام التي كانت تعرض داخل الثكنة العسكرية بكلميم، والتي كانت تلقى إقبالا كبيرا لا سيما من محدودي الدخل.

ويتذكر الباحث، بكثير من الحسرة، قسطا من ذكريات طفولته ” كنا أطفال صغار حينها منبهرين بهذه العروض السينمائية، نحرص على جمع ريالات معدودات لنتمكن من حضور هذه العروض التي كنا ننتظرها بشوق ولهفة كل مساء باعتبارها النافذة الوحيدة التي نطل عليها على العالم.

ولم يفت الباحث أن يذكر بتجربة أخرى تتمثل في “القوافل السينمائية” التي كانت تصل الى مدينة كلميم، وساهمت بدور كبير في ترسيخ عشق الشاشات لدى الكلميميين، متذكرا بفرحة طفولية ” كنا ونحن صغارا نركض خلف سيارات العروض المتنقلة في انتظار بداية العروض”.

ومرت من كلميم، حسب مراح، كفاءات سينمائية من أمثال المخرج الكبير سهيل بن بركة، وصورت بها العديد من الأعمال السينمائية منذ الأربعينيات من القرن الماضي منها الوثائقي الفرنسي “رحل الصحراء” الذي تم توثيق مشاهده بضواحي كلميم سنة 1949، راويا لقصة الرحل وهم يتنقلون في الصحراء، راصدا لعاداتهم ونمط عيشهم.

كما تم تصوير مشاهد من فيلم فرنسي أيضا في القلعة التاريخية الشامخة “اكويدير” الصامدة هي أيضا، إضافة الى أفلام كثيرة أجنبية ومغربية، أهمها مشاهد من فيلم “ألف يد ويد” للمخرج سهيل بن بركة ( 1972 ) .

وبعد عقود من الزمن، ظهرت تجارب سينمائية جديدة بكلميم أطلقها جيل جديد من الشباب، العاشق للشاشة الفضية، من خلال أندية وجمعيات حاولت التأسيس لثقافة سينمائية جدية رغم شح الامكانيات.

ويرى سليمان بروين، مدير مهرجان واد نون السينمائي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “جمعية الشباب المبدع بكلميم حاولت التأسيس لتجربة مهرجان واد نون السينمائي للدفع الى تسريع وثيرة التنمية بالمنطقة عبر الفن و الثقافة من خلال تظاهرة سينمائية”.

واسترسل أنه ، وكثير من الشباب يعتبرون هذا المهرجان “واجهة حضارية وثقافية للمنطقة رغم كل الاكراهات”، مضيفا أن الجمعية تحاول ” لفت انتباه المسئولين والمدبرين للشأن المحلي بالمدينة الى ضرورة التفكير في خلق مركب فني وثقافي يستوعب الأنشطة الثقافية والفنية بالمنطقة وتشجيع الثقافة السينمائية”.

وذكر بأن هناك “مبادرات كثييرة يجري العمل عليها بموازاة المهرجان، منها تجربة سينما الخميس، وهي عبارة عن لقاءات مفتوحة للجمهور لعرض ومناقشة أفلام سينمائية مساء كل خميس”، موضحا أن الجمعية تحاول ” توطين هذه التجربة في المؤسسات التعليمية بالمدينة بالشراكة مع المسئولين التربويين، كما تشتغل أيضا على مشروع قوافل سينمائية الى كل مناطق جهة كلميم واد نون”.

وفي انتظار أن يستقطب قطاع السينما بكلميم استثمارات تكون رافعة له لما يوفره من مناصب شغل ولما يلعبه من أدوار تثقيفية وإشعاعية لجهة كلميم واد نون، يظل الأمل معقودا على الجيل الجديد من عشاق السينما ببوابة الصحراء للدفع بالمجال السينمائي في جهة راكمت إرثا سينمائيا غنيا.

ويمكن لجهة كلميم وادنون، لو توفرت لها الاستثمارات الضرورية في مجال السينما، أن تكون وجهة نمودجية مغرية لكبريات شركات الانتاج السينمائي وطنية ودولية ، لما تتوفر عليه من إرث تاريخي و مؤهلات طبيعية مهمة عبارة عن بلاتوهات سينمائية مفتوحة تجمع بين الطبيعة الصحراوية و الجبلية هذا فضلا عن واجهة بحرية جذابة (سيدي إفني).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *