وطنيات

يوم المهاجر ..مناسبة لإبراز مساهمات مغاربة العالم في تنمية المملكة

منذ إقرار يوم 10 غشت يوما وطنيا للمهاجر، من قبل الملك محمد السادس، سنة 2003، أصبح هذا اليوم موعدا سنويا لإبراز الدور المتنامي لمغاربة العالم في مسلسل التنمية بالمغرب، وتسليط الضوء على إسهاماتهم وإنجازاتهم وتطلعاتهم.

ويشكل الاحتفال باليوم الوطني للمهاجر مناسبة للتواصل واستحضار ما تحقق لهذه الفئة من المواطنات والمواطنين المغاربة من مكاسب خلال السنوات الأخيرة، ولتعزيز أواصر انتمائها للوطن الأم واستشراف آفاقها المستقبلية.

هذه الغايات وغيرها من مرامي حماية حقوق مغاربة العالم، والتعاطي مع ملف الجالية المغربية بحكامة جيدة، هي التي جعلت الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج تنكب على تنفيذ استراتيجية وطنية لفائدة مغاربة العالم، تم في إعدادها مراعاة تطلعاتهم وانتظاراتهم حسب مختلف بنياتهم السوسيولوجية، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعرفها بلدان الاستقبال.

وترتكز هذه الاستراتيجية على تقوية روابطهم ببلدهم المغرب، من خلال المحافظة على الهوية المغربية المتعددة والمنفتحة، وحماية حقوقهم ومصالحهم وتعزيز مساهماتهم في تنمية بلدهم الأم، وإطلاعهم على الإنجازات التي حققها على المستوى المؤسساتي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي.

وهكذا، تم إعداد جملة من البرامج واتخاذ سلسلة من المبادرات، تتوخى بالأساس النهوض بالجانب التربوي، عبر الحرص على تطوير برامج لتعليم اللغة العربية والثقافة المغربية لمغاربة العالم، خاصة برنامجي التعليم الرسمي وغير الرسمي، حيث يستفيد من برنامج التعليم الرسمي للغة العربية والثقافة المغربية بالخارج، الذي يضم في هيئته التعليمية 524 أستاذا وخمسة مفتشين ومنسقا تربويا واحدا، ما يناهز 75 ألف تلميذ سنويا. وترتكز هذه البرامج والمبادرات التي تحرص الحكومة على تنفيذها، حول تحسين الخدمات القانونية والإدارية، ومواكبة قضاياهم ومساعيهم الإدارية والقضائية ببلدان الإقامة كما في بلدهم الأصلي، عبر الإنصات إليهم وتوجيههم وتوعيتهم بالمساطر القانونية والإجراءات الإدارية الجاري بها العمل.

ومن أجل تنفيذ هذه البرامج، تم اتخاذ عدد من التدابير يمكن إجمالها في برنامج تدبير ومعالجة الخدمات الإدارية والشكايات الخاصة بمغاربة العالم، وإرساء آلية المواكبة القانونية، وتنظيم قنصليات متنقلة، فضلا عن إطلاق “شباك وحيد متنقل” لخدمة مغاربة العالم، قصد الوقوف عن كثب على المشاكل الإدارية والقانونية التي يواجهونها.

ويندرج الشباك الوحيد المتنقل، المنظم بمبادرة من الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، في إطار تفعيل مقتضيات الدستور، وتفعيلا للرؤية الملكية السامية في مجال التعاطي مع قضايا الهجرة والمهاجرين المغاربة، بغية تعزيز العلاقة بين مغاربة العالم ووطنهم الأم، والاهتمام بشؤونهم والنهوض بأوضاعهم وضمان حقوقهم.

ويحظى الجانب الثقافي بحيز مهم في مساعي تعزيز ارتباط المغاربة ببلدهم، حيث تم إطلاق العديد من الأوراش والبرامج، من قبيل إحداث مراكز ثقافية مغربية بعدد من بلدان الإقامة، وتنظيم عدة برامج ثقافية، كالمقامات الثقافية لفائدة مختلف الفئات العمرية من مغاربة العالم، والجامعات الثقافية، علاوة على تنظيم منتديات لفائدة هذه الفئة بكل من بلجيكا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.

وأطلقت الوزارة الوصية أيضا برنامج الجولات المسرحية لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج، الذي يروم تعزيز الهوية الوطنية للأجيال الصاعدة، ويشكل مناسبة للاطلاع أكثر على الثقافة المغربية والإبداع الفني والمسرحي المغربي بالعربية والأمازيغية.

وسيتم في إطار هذا البرنامج، الذي يعرف مشاركة الفرق المسرحية المغربية المنظمة في إطار قانوني على شكل جمعيات، والمحترفة داخل أو خارج أرض الوطن، تقديم 300 عرض مسرحي باللغتين العربية والأمازيغية لفائدة المغاربة المقيمين بالمهجر في بلدان عديدة في إفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وذلك على امتداد سنة كاملة.

من جهة أخرى، كان للتأطير الديني للجالية المغربية حضور أيضا ضمن الاجراءات الرامية إلى الحفاظ على الهوية الدينية والوطنية للمغاربة في بلدان المهجر، وذلك من خلال بعثة تضم 422 من الأئمة والمرشدات، تولت مهمة التأطير الديني للجالية المغربية خلال شهر رمضان الأبرك.

أما في ما يتعلق بدعم ومواكبة استثمارات مغاربة العالم، فقد تم اتخاذ جملة من التدابير لتحفيز هذه الاستثمارات داخل أرض الوطن، تهم أساسا إحداث خلية للمعلومات والتوجيه لفائدة مغاربة العالم، حيث استقبلت هذه الخلية، إلى حدود أكتوبر 2018، ما مجموعه 180 مستفيدا، وإطلاق مبادرة “الجهة 13 ” الخاصة بمغاربة العالم المقاولين، وإطلاق النسخة الثالثة من المبادرة الاقتصادية لنساء الجنوب.

وبخصوص المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج، كان رئيس الحكومة، السيد سعد الدين العثماني، قد أكد في معرض رده على سؤال محوري حول موضوع “السياسة الحكومية للنهوض بأوضاع مغاربة العالم”، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب، لشهر يونيو المنصرم، أن الحكومة منكبة على استكمال الرؤية بهذا الشأن، وذلك وفق مقاربة تشاركية وتشاورية، تقوم على تعميق النقاش مع كافة المتدخلين الحكوميين والفاعلين السياسيين وفعاليات المجتمع المدني من مغاربة العالم، للوصول إلى توافق حول مختلف القضايا التي تندرج في هذا الإطار.

وأبرز رئيس الحكومة، في ما يخص القانون المتعلق بإعادة تنظيم مجلس الجالية المغربية بالخارج، أنه بالنظر إلى أهمية تأليف هذه المؤسسة الوطنية الهامة، ومن منطلق الحرص على توطيد استقلاليتها، وتعزيز التعددية وضمان تمثيلية أكثر ديمقراطية لممثلي جمعيات المجتمع المدني، فإن المشاورات مستمرة قصد التوصل إلى صيغة توافقية بخصوص تمثيلية عادلة للمغاربة المقيمين بالخارج، تأخذ بعين الاعتبار التمثيل الجغرافي والديمغرافي لمناطق إقامتهم.

وعلى صعيد آخر، تحرص الحكومة على تدبير أفضل لعودة مغاربة العالم إلى أرض الوطن في إطار عملية “مرحبا”، حيث يتم رصد إمكانيات لوجيستية وبشرية ومادية وتقنية مهمة لهذه العملية، لاسيما من طرف مؤسسة محمد الخامس للتضامن، وتشكل كل سنة موضوع تدبير وطني وتتبع مكثف من طرف اللجنة الوطنية التي تترأسها وزارة الداخلية، والمكونة من عدة قطاعات وزارية، وهيئات من القطاعين العام والخاص.

وقد بلغت عملية عبور “مرحبا” هذه السنة مستوى عال من التنظيم بفضل التعاون المغربي الإسباني والتنسيق الجيد بين جميع الهيئات والإدارات في البلدين، وتطوير الإمكانيات المتعلقة بالبنية التحتية للاستقبال وتسهيل المساطر الإدارية، والرفع من جودة الخدمات على متن البواخر والطائرات، حيث يعبر في الاتجاهين، في ظروف جيدة، ما يقارب 5,6 ملايين شخص سنويا، وهو ما يجسد مدى ارتباط مغاربة العالم بوطنهم الأم.

وتم خلال هذه السنة تعبئة 28 باخرة على مستوى الخطوط البحرية الإحدى عشر، وتعزيز محورين رئيسين، يهم الأول محور طنجة المتوسط – الجزيرة الخضراء، واستغلال 13 باخرة على هذا الخط، مما سيمكن من القيام ب 53 رحلة في اليوم (بارتفاع 8 بالمائة مقارنة مع سنة 2018).

وتروم هذه التدابير تحسين وضمان راحة المسافرين وتجويد وتقليص زمن العبور، لتأمين رحلة في “أفضل الظروف”، وضمان انسيابية حركة العربات خلال مرحلتي الوصول أو مغادرة المغرب. ويسهم مغاربة العالم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات المالية التي عرفت نموا متزايدا خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغت سنة 2018 ما مجموعه 65,9 مليار درهم، كما أن مغاربة العالم يساهمون في الإقبال على المنتوج السياحي للبلاد، حيث شكل مغاربة العالم 46 بالمائة من عدد السياح الذي بلغ 12,3 مليون سائح خلال سنة 2018، مع تسجيل تطور خلال نفس السنة بزيادة 2,3 بالمائة، مقارنة مع سنة 2017.

إن الاهتمام بأوضع مغاربة العالم لم يعد مقتصرا على جلب العملة واستثمارها في الوطن الأم فحسب، بل يمتد ليشمل قضايا أساسية أخرى كانت وما زالت تستأثر بحيز هام ضمن انشغالاتهم، سواء في بلدان الاستقبال أو في وطنهم، أبرزها إشكالات الهوية والاندماج، ومشاكل اقتصادية من قبيل البطالة، إضافة إلى بعض الصعوبات والعراقيل الاجتماعية والإدارية.

وفي إطار الاستجابة لهذه الانتظارات، قام أعضاء بمجلس النواب مؤخرا بالمهمة الاستطلاعية المؤقتة حول القنصليات، التي عقدوا خلالها لقاءات عمل موسعة مع القناصلة العامين للمملكة، الذين قدموا عروضا شاملة حول عمل القنصليات، كما أجروا لقاءات مباشرة مع مختلف المصالح الإدارية بهذه القنصليات، وكذا مع المرتفقين الحاضرين، حيث تم استطلاع آرائهم بخصوص الخدمات المقدمة إليهم.

وبمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمهاجر، تنظم الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة تظاهرات بمختلف ربوع المملكة، وذلك في شكل لقاءات تواصلية وندوات علمية يساهم في تأطيرها مجموعة من ممثلي المصالح الخارجية للقطاعات الحكومية المعنية حول القضايا التي تشغل بال مغاربة العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *