جهويات | ملفات

منع دفن الموتى “السود” بمقابر بزاكورة…عنصرية أم تقليد؟

إن تناولنا لظاهرة رفض بعض القبائل العربية أو الامازيغية دفن موتى “السود”، أو ما يصطلح عليه محليا ب “ضراوة”، إلى جانب موتاها بمقابر مختلطة او العكس. ليس من باب إحياء النزعة العرقية أو القبلية بالمنطقة أو تهويلها، بل بهدف إزاحة اللثام عن هذا المسكوت عنه بإقليم زاكورة، والذي ظل على مر الزمن ضمن الطابوهات التي يغض النظر عنها معظم الباحثين في التاريخ الاجتماعي للمنطقة.

تتكون ساكنة إقليم زاكورة، من خليط من العناصر العربية والأمازيغية و”الضراوية”، إضافة إلى أقليات من الشرفاء والمرابطين والأحرار… فأثناء جولات “مشاهد” الميدانية بالكثير من دواوير الاقليم من أجل البحث عن حقيقة تواجد الظاهرة . وقفنا على الكثير من المعطيات التي أصبحت من المسلمات لدى الساكنة المعنية ، وهي وجود، علاقة التضامن والتآزر بين ساكنة المنطقة، على اختلاف أعراقها وألوانها وقبائلها، خصوصا داخل القصور (الدواوير) التي تضم جميع هذه المكونات (عربي، “ضراوي”، شريف، أمازيغي، حر). إلا أن علاقة التآخي والتساكن هاته، تخفي وراءها تجليات الظاهرة التي نبحث في مدى تواجدها و مظاهرها واسبابها. وسنسوق هنا مجموعة من النماذج ب3 جماعات قروية بإقليم زاكورة .

فبجماعة ترناتة اكتشفت “مشاهد” على أن إحدى الجماعات السكانية من العنصر العربي بأحد قصور واحة ترناتة ترفض دفن موتاها بمقبرة الدوار الذي تقطن به أغلبية من “ضراوة”، لتضطر لنقلها ودفنها بجوار أبناء عرقها (العربي) بدوار اخر على بعد حوالي 3 كلم ، مبررة الأمر “بعادة ورثوها عن أجدادهم”. وتبدو مظاهر التعصب العرقي في منع ساكنة «ضراوة» ” املوان “بدوار أيت علي أوحسو بجماعة أيت بوداود بقيادة تازارين من دفن موتاها بهذه المقبرة الخاصة بالأمازيغ، حيث تخبر العناصر السوداء على نقل موتاه إلى جهة أخرى بهذه المقبرة . إلا أنه أثناء قيامنا بهذه التحريات الميدانية أكد لنا مجموعة من ساكنة الدوار ” املوان” أنه بتدخل من قبائل مجاورة وقع “صلح” بين الاطراف انتهى بالسماح للعناصر السوداء بدفن موتاهم إلى جانب البيض الامازيغ.

وللإشارة، فقبل هذا الصلح، بلغ التمييز العرقي أعلى درجاته بهذا الدوار «آيت علي أوحسو»، إلى حد حرمان “السود” خلال فترة ليست بالطويلة من الماء الشروب، وعدم السماح لهم حتى بإقامة الأعمدة الكهربائية بأراضي البيض، ولم تسو هذه الأزمة إلى بعد تدخل مختلف السلطات وجهات أخرى عليا، حيث سمح للسود بالاستفادة من الكهرباء والماء الشروب.


وبجماعة تامكروت بزاكورة عاينت “مشاهد” حالة مشابهة، فحسب تصريحات عناصر من قبيلة “ازاخنيون ” فإن قبيلة زاوية سيدي علي الذي تجمعهما وحدة المجال الزراعي والفلاحي ولا تبعد عنها الا بأمتار معدودة، تمنعها من دفن موتاها بمقبرتها هاته، بدعوى أن دفن الموتى سيجعلها تطالب بحقوق الاراضي الجماعية، يقول نفس المصدر.

مضيفا أنه في حالة الوفاة تجبر على دفن موتاهم بمقبرة “ضراوة” بتامكروت الشرقية على بعد حوالي 6كلم، وبلدة تامكروت حيث توجد الزاوية الناصرية، عاينت “مشاهد” مقبرتين، خاصة بالساكنة المسماة «ضراوة” تامكروت الشرقية وتوجد خارج سور بلدة تامكرو،. ومقبرة أخرى مخصصة لدفن موتى الناصريين والانصاريين وكافة العرب والعبيد وما ينعتون بالفخارة وهذه المقبرة مجاورة لضريح امحمد بناصر ولمقر الزاوية الناصرية.

والجدير بالإشارة، فإن ظاهرة منع دفن الموتى في بعض المقابر الخاصة بالقبائل، تكاثرت بشكل ملفت للانتباه، فمؤخرا ، منعت قبيلة بني زولي قبيلة ايت اونير تازناخت من دفن احد الاشخاص بمقبرتها لأسباب مرتبطة بالنزاع حول اراضي الجموع .وقبل هذه الحادثة بقليل منعت قبيلة سارت بجماعة تامكروت قبيلة ايت خدو من دفن احد موتاها بمقبرتها بدوافع قبلية.

ومما يزيد من صعوبة الخوض في هذه الظاهرة، كون جميع الدراسات التي تناولت الحياة الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالإقليم لم تجرؤ على اقتحام هذه «العلبة السوداء». فالموضوع هام وصعب وجد حساس، وهذا ما تطلب منا اتخاذ الكثير من الحيطة والحذر أثناء عملية التنقيب عن تجليات ومظاهر منع دفن الموتى “السود” بالمقابر من طرف القبائل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *