ملفات

تقنين وسائل التواصل الاجتماعي .. تحديات الحرية والجريمة الإلكترونية

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات المعلوماتية الإلكترونية دور مهم في تحقيق الأداء الاجتماعي الإيجابي وتيسير عمل وأنشطة الأفراد والمؤسسات، كما تشكل فضاءات إلكترونية ملائمة لممارسة الحقوق والحريات وتعزيز الاختيار الديموقراطي. لذلك من الملائم أن تثير إشكالية التفاعل التشريعي مع تنامي الجرائم الإلكترونية، لاسيما في ظل سهولة الولوج إلى المعلومات الإلكترونية وتعديلها بكل حرية ودون حواجز جغرافية.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى حالات اختراق صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وتوظيف الوسائل الإلكترونية لممارسة التهديد والابتزاز والتزوير.

ولئن كان من السابق لأوانه الإحالة على مآل مشروع تقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لحساسيته الكبيرة وحيوية التفاعل الواسع بشأنه، فإننا نثير محددين أساسيين كافيين لإغناء الحوار الموضوعي حول جدوى التقنين المذكور.

أولا: محدد الملائمة مع الدستور والقانون

من أهم الأحكام الدستورية التي يمكن الإحالة عليها، ضمن هذا المحدد، ما ورد في الفصل 24 من دستور المملكة، الذي ينص على أنه: ” لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة” و ” لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها. كلا او بعضا. أو باستعمالها ضد أي كان. إلا بأمر قضائي. ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”. وما ورد في الفصل 25 الذي ينص على أن: “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها و “حرية الأبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة” وما ورد في الفصل 28 الذي ينص على أن: “للجميع الحق في التعبير. ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”.

كما أن مثل هذه الحقوق والحريات معززة بضمانة دستورية كبيرة، يجسدها السهر الملكي السامي على صيانة الاختيار الديموقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وذلك من خلال السلطات المخولة لجلالة الملك صراحة بنص الدستور أو من خلال وظيفته التحكيمية التدخلية بشكل مباشر أو غير مباشر، باعتبار جلالته هو “الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة ” و”رمز وحدة الأمة “.

ومن جهة أخرى ، يتعين الإشارة إلى أن المنظومة التشريعية الوطنية الحالية تتضمن كذلك تجريم الاعتداء على الحياة الخاصة، وترتب عقوبات حبسية مقرونة بغرامة مالية، على بعض الأفعال الإجرامية، التي يمكن أن تتم بطريقة الكترونية. فعلى سبيل المثال: ينص الفصل 2-447 على أنه: ” يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.”.

ثانيا: محدد الملائمة مع اتفاقية الجريمة الإلكترونية

لقد اكتسبت اتفاقية الجريمة الإلكترونية التي صادق عليها المغرب في 29 يونيو 2018 سموا دستوريا في نطاق أحكام الدستور والقوانين الجاري بها العمل وهويتها الوطنية الراسخة، انسجاما مع تصدير الدستور.

ومن المعلوم أن المصادقة على هذه الاتفاقية تحققت بعد موافقة البرلمان بصفة نهائية عليها بموجب قانون منشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 29 ماي 2014.

وتثيرهذه الاتفاقية في حد ذاتها ضرورة توفير شروط وضمانات كافية لحماية حقوق الإنسان والحريات في تقنين استعمال الشبكات المعلوماتية، وبما يحقق صياغة المقتضيات التشريعية بقدر أكبر من الوضوح والخصوصية قدر المستطاع، وعدم الغلو في توسيع نطاق الفعل الجرمي إلى مجالات لم تحتملها الاتفاقية المذكورة، ومن بينها “انتهاكات العلامات التجارية.” التي لا تخضع لها.

لذلك من الملائم، في إطار التدرج التشريعي الموضوعي الاقتصار على سن تشريع معاقبة الأفعال الإجرامية الأساسية الواردة في فحوى الاتفاقية المذكورة والتي ركزت ، كما سبق بيانه كذلك من طرف الحكومة في فحوى مذكرتها التوضيحية بمناسبة دراسة القانون رقم 136.12 الذي تمت الموافقة بموجبه على الاتفاقية المذكورة. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى:

– الجرائم التي تستهدف أمن نظم المعلومات وتمس سرية المعلومات والبيانات الإلكترونية وتوظيفها بطريقة غير مشروع ؛

– الجرائم التي تستهدف الاستغلال الجنسي الإلكتروني للأطفال في المواد الإباحية؛

– الجرائم التي تنتهك حقوق التأليف والنشر في إطار القرصنة الإلكترونية على “نطاق تجاري”.

وحيث إن الأمر يتعلق بتحول تشريعي كبير يقترن به مصير وثقة الأجيال الحالية والمقبلة في استعمال تكنولوجيا المعلوميات ووسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يتعين تغليب المصلحة العامة وروح التوافق الإيجابي في سياق التفاعل مع معادلة حماية الحرية الإلكترونية من الجريمة الإلكترونية وفق خصوصية النموذج المغربي وفي نطاق استمرارية الاختيار الديموقراطي وتعزيز الحقوق والحريات بالتفاعل التشريعي الإيجابي والضروري مع التزامات المملكة لمحا ربة الجريمة الإلكترونية.

حسن أهويو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *