متابعات

منصف السلاوي .. هل سيكون خير منصف لمغاربة العالم؟

في ظل العولمة وانتشار المعلومات، بدأ التفاعل مع الأحداث يتم بشكل “دولي وآني” في الوقت نفسه؛ هذا ما حدث مع تعيين الخبير الدولي السيد منصف السلاوي مؤخرا، حيث تم التفاعل مع هذا الحدث بكيفية كبيرة باعتبار قيمة التنصيب الذي حظي به الرجل من طرف الرئيس الأمريكي ليضطلع بمهمة رئاسة اللجنة التي ستسهم في إيجاد العلاج أو اللقاح لوباء كورونا على صعيد دولة عظمى كأمريكا، وأيضا باعتبار خلفية الرجل العربية الإسلامية ولكونه ابن البلد.

من شبه المؤكد أنه حين كانت لقطة التعيين تمر من أمام الشاشة، كانت تخلف معها مزيجا من الأحاسيس لدى كل متابع مغربي ومغربية صادفته تلكم اللقطة أو اللحظة، إحساس بالفخر والاعتزاز لكون واحد من أبناء البلد قد استطاع تقلد مسؤولية كبيرة في بلد العم سام (وأي بلد) في نوع من الاعتراف بقيمة الرجل، وفي الوقت نفسه إحساس بالغبن والحسرة والألم جراء فقدان البلد لطاقات وكفاءات عالية كان من الممكن جدا الاستفادة من قدراتها وخدماتها “لو” بقيت بيننا هنا في المغرب وتسهم بقدر الإمكان مع أيادي أبناء البلد وعقولها في الدفع بعجلة التنمية وتعزيز البحث العلمي.

المؤسف، أنه لم يمر إلا وقت قصير على هذا الحدث حتى تناسل عبر وسائل الإعلام الوطنية “خبر سلبي كبير” آخر له علاقة بالرجل، زاد من مضاعفة الحسرة، مفاده أن السيد منصف وفي وقت من الأوقات كان قد حرم ومنع حتى من إمكانية إلقاء محاضرات علمية وبشكل تطوعي في بعض كليات البلد لها علاقة بمجال تخصصه العلمي “البيولوجيا الجزئية”، وتم حرمان العديد من الطلبة الباحثين والأساتذة من إمكانية الاستفادة من تجاربه في الموضوع، لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي.

ما خفف صراحة من وقع وقساوة هذا المشهد أننا وجدنا في المقابل انفتاحا لبعض وسائل الإعلام الوطنية في السابق على الرجل في إطار “تتبع ومواكبة رجالات وكفاءات البلد في الخارج”، بحيث تم الاقتراب منه ما أمكن ومن عوالمه واستمعنا عن قرب إلى الغيرة التي يتحدث بها ويكنها للبلد، واستعداده لخدمته في أي وقت.

أمثال “منصف” كثيرون، حملـوا شهاداتهم وحقائبهم وانتشروا بحسرة في العديد من الدول، كل واحد ذهب وهو يحمل معه أسبابه، غير أنه من شبه المؤكد أنه مهما تعددت الأسباب، فإن النتيجة واحدة تتجلى في فقدان البلد لأعز طاقاته وكفاءاته؛ إذ بعد سنوات من استثمار البلد في أبنائه وتأهيلهم، وبعد اشتداد عودهم، تجدهم، أمام انسداد الآفاق وعدم قدرة البلاد على الوفاء بمتطلباتهم وقدراتهم، (تجدهم) وهم يولون وجهتهم نحن عوالم أخرى، نحو دول تقدر معنى الكفاءة والاقتدار، بل وتراهن عليهم وعلى هذا النوع من العنصر والرأسمال البشري المكون، حتى إنه في بعض الأحيان وأمام “بعض الكفاءات من عينات خاصة” تجد هذه الدول تلجأ إلى نهج أساليب الإغراء بالعقود والمبالغ المالية العالية حتى يتسنى لها الإبقاء على هذه الكفاءات حاضرة في بلدانها. من شبه المؤكد أنه في الوقت الذي توجد فيه هذه البلدان في وضعية مستفيد، يكون البلد في وضعية خاسر ومهدر للطاقات، للإمكانيات، وأساسا هدر لفرصه في التنمية.

أمام انسداد الآفاق، وضعف النسيج المقاولاتي والإنتاجي وغياب بعض التخصصات الدقيقة والبحث العلمي، لا يبقى أمام أمثال حاملي الشواهد إلا مغادرة سفينة البلد، هذه المغادرة بدورها لا تكون متاحة إلا لمن تسعفه “النقط” وتمكن من منحة، أو الذين تسعفهم الإمكانيات لمسايرة الدراسة هناك في المهجر، غير ذلك تبقى الفئة العريضة من هؤلاء عرضة للبطالة، وقد تتحول هذه الشهادة في بعض الأحيان إلى عائق أمام التشغيل بحكم أن نسبة العطالة بالنسبة لحملة الشواهد تعرف ارتفاعا بالمقارنة مع النسبة الإجمالية للعاطلين عن العمل (بحسب المؤشرات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط)، وبحكم الارتباط الثقافي الكبير لدى جزء كبير من الشباب بين الحصول على الشهادة وتحصيل التوظيف في القطاع العمومي، وبحكم طبيعة بعض الشواهد التي لم تراع منذ البداية متطلبات سوق الشغل نظرا للخطأ الحاصل في التوجيه، وأيضا بحكم التفكير المادي البراغماتي لبعض الشركات والمقاولات التي تستعين بخدمات فئة من الشهادات من الفئة المتوسطة وتترك الشهادات العالية لتتجنب بذلك ارتفاع الأجور.

أمثال منصف يسائلون السياسات العمومية عموما، ويضعونها في مأزق وحرج، يسألونها ليس فقط من منطلق انتظار الجواب عن سؤال “لماذا غادروا”، لأن تلكم قصة طويلة باتت شبه معروفة لدى الجميع تقريبا، لكن عبر مساءلتها من باب “ما العمل” لتلافي المزيد من تكبد الخسائر الذي نعرفه على مستوى نزيف هجرة هذه الأدمغة.

من متابعة الطريقة التي تدار بها الأمور في بلدنا الحبيب، يبدو أنه لم يبق هناك حرج من مسألة ذكر هاته الهجرة؛ إذ سارت تشكل نوعا من “المتنفس المزدوج”، سواء للبلد من حيث كون هاته الهجرة تلعب دور امتصاص هذه “العينة من البشر” من براثن البطالة وتجنب البلاد تبعات الارتفاع السلبي للمؤشرات الاجتماعية، أو بالنسبة لحامل الشهادة لكونه سيجد مكانا آمنا هناك في المهجر، حتى إنه بحكم ارتفاع الطلبات على بعض التخصصات الدقيقة، قد تم في نوع من الاستجابة الضمنية لهذا الأمر الرفع من أعداد الخريجين واقتسام الحصيص فيما ببيننا والآخر.

بحكم أن العجلة الاقتصادية هنا في المغرب تدور في جزء منها على تحويلات الجالية المغربية في الخارج، فربما “يقال في الكواليس” إن البلد ربما يكون رابحا كيفما كان الحال، سواء بقي صاحب الشهادة هنا في المغرب أو انتقل إلى ديار الغربة، ما دام بولوجه سوق الشغل واشتغاله هناك ستستفيد خزينة الدولة من تحويلات أمواله، من جهة أخرى ربما يسود الاعتقاد أن المغربي سيبقى مغربيا مهما حصل، وبقدر تفوقه سيصبح خير سفير لبلده.

وحتى إذا ما تم تصديق هذا النوع من المقولات، يبرز سؤال آخر مرتبط بمدى توفر البلد على استراتيجية محددة لحسن مواكبة أبنائه في ديار المهجر، هل هناك نوع من ربط جسور وقنوات التواصل بين البلد وهاته الكفاءات في إطار نقل أفضل التجارب والممارسات؟ وعلى الأقل، هل ما زالت هناك بعض المتابعات الإعلامية من بعض القنوات العمومية لهاته الكفاءات من باب الانفتاح عليها والافتخار بها وكذا التدليل على نجاحاتها في تربية الناشئة؟ أم تجدنا في وضعية المتفاعل السلبي مع الأحداث نستعمل مفردات الإعلام الدولي في الإشادة ببعض الأفراد والكفاءات ولا نضيف شيئا آخر سوى ترديد العبارة الروتينية إنه مغربي والمغاربة واعرين؟

“نعم المغاربة واعرين، فماذا أعددنا لهم؟”؛ ذلكم هو السؤال.
سعيد الزغوطي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *