آراء

عمر حلي يكتب: طوّل العَشْرا تعرفْ الذهبْ من القَشْرا

قال صاحبي: “طوّل العَشْرا تعرفْ الذهبْ من القَشْرا”. هكذا تقول ثقافتنا الشعبية وموروث الحكايا والأمثال المبثوث في ذاكرتنا.
سَيرُ الأيام وتداولُها شبيهٌ ب”سباق المسافات الطويلة”، تطوى تاركة ثفال غربلة لا تقاس بالنوايا، بل بالوقائع.

في السابق، كانت النوايا كافية للإقناع، وكانت المعسكرات تسهل الركون لخندق ما، مع ما كان يستتبعه ذلك من خلط واختلاط وتسلل وتدليس. ولم تكن العَشْرا تفعل فعلها كما في المثل أعلاه، لأن العشران كانوا يتواطؤون في بناء عش الانتماء الذي يحمي الفاعلين والمندسين، ولم يكن أثر الاختلاف يظهر بشكل جلي إلا مع التصدعات التي تهز الكيان، جمعية او تنظيما كان. وبذلك، كانت المفاجآت عندما وجد بعض اليساريين أنفسهم في جلابيب التنظيمات الإسلامية، ووجد بعض المتشددين أنفسهم ضد المغالاة. وتلكم كلها تطورات نشأت فيها الجمعيات والجماعات. ولعل أبشع ما كان فيها هو العمل بمبدإ “قلوبنا معكم وسيوفنا مع الأعداء”.

تُرك الأمر للزمن ولتطورات العلاقات. وبقدر ما كانت هناك اختلافات وخلافات موضوعية تدبر بطريقة أو بأخرى، بقدر ما وجدنا انفسنا أمام ثقافة وسلوكات قائمة على النفي الدائم والحفر المبيّت. وذلك كله، لا ينتج عن تدبير جيد للرؤى والاختلاف، بل فقط عن إسقاط لحروب صغيرة تمتد أكثر مما ينبغي لها.

وما سبق أمر طبيعي ويكاد يكون عاديا، غير أنه شجع على إشاعة ثقافة النفي والتحامل. وهي ثقافة تقلص حيز المبادرة لفائدة هوامش التشويش. وقد أدت وتؤدي دوما إلى تأسيس عمل ما على محاولة النيل من أعمال الآخرين، خصوما ورفقاء. فبدل أن نعتمد على الرؤى، فإننا نفضل النهل من التشكيك. وعوض النقد وتقديم البدائل، نوظف البرّاحة والصعاليك. وتظهر اليوم بشكل جلي طحالب بشرية تلعب هذه الأدوار تزلفا للأسياد وذوي النعمة. مع ما يجلبه ذلك من تبخيس للقيم ودوس على الكرامة.

لقد استخصلت ذلك ممن خَبرتُهم في مساري الجمعوي والمهني والفكري والسياسي. لمستُ الأمر عن كثب وأيقنتُ “أن من اختار لايعود”، كما هو الشان في القاعدة القانونية؛ وأن “من خان مرةً يخون دائما”، كما جاء في فيلم #العرّاب (الذي شاهدته عشرات المرات)؛ وأن أصحاب “اللسان الطويل والذراع البارد”، كما قال السوسدي في إحدى أغاني لمشاهب، لا يعوَّل عليهم، لأن طول العَشْرا تكشفهم للناس أجمعين. وإذا فقدوا تقدير الناس، فلن تنفعهم مستنبتات الأوهام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *