هام | وطنيات

قبل المؤتمر ال11.. “مشاهد” تنشر تصور أبوزيد: “الإتحاد الاشتراكي.. الوفاء للهوية والانطلاق نحو المستقبل”

بعد أن وضعت حسناء ابوزيد ترشيحها لمنصب الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من أجل خلافة إدريس لشكر خلال المؤتمر الوطني المقبل للحزب. قدمت ابوزيد، هذا اليوم، ورقتها الموجهة إلى كل الاتحاديين والاتحاديات والتي تشمل الخطوط العريضة لبرنامجها الانتخابي في السباق نحو منصب الكتابة الاولى للاتحاد الاشتراكي. وقد عنونت حسناء ابوزيد تصورها ب “الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: الوفاء للهوية والانطلاق نحو المستقبل”.

“مشاهد” تنشر  مضامين هذه الورقة كاملة:

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليس فقط حزباً وفق التعريف النظري للحزب في علم السياسة، يملأ مهام التأطير والتكوين السياسي وتعزيز الانخراط في الحياة الوطنية و يسعى إلى السلطة بعد أن أصبحت الحياة الحزبية واقعا في المغرب الطامح إلى إرساء الديمقراطية كقيمة إنسانية أولا وبعدها كقوانين و تطبيقات، بل هو حالة فكرية، سياسية، وأخلاقية تستوطن الوعي الجمعي الوطني و تستحث عبره الضمير و الالتزام و البذل من أجل بناء وطن المساواة والحرية والعدالة، وهو أيضا منهج رصين في ممارسة الفعل السياسي والمجتمعي، يسكن وجدان حاملي مشروعه ويطبع سلوكهم و نمط ممارستهم للفعل السياسي والحزبي والتنظيمي .

إن الكبوات المتتالية والتراجعات المتسلسلة التي مست ذاته ، صورته ، خطابه ، وامتداده و قدرته على مواكبة التحولات التي عرفها المجتمع والدولة والذات الحزبية ؛ قد أصبحت واقعا ضاغطاً وتفاعليا يخنق بشكل جلي و عميق ليس فقط موقع حزبنا و أدائه بل موقع المجتمع السياسي برمته و أدائه ، غير أن هذا الواقع يضعنا أيضا في قلب مسؤوليتنا اتجاه وطننا و شعبنا وحزبنا ، ويفرض علينا الانخراط الملتزم والفعال في محاولة فهم ما يحيط بنا من إرهاصات وتحولات.

إن مسؤوليتنا اليوم كاتحاديات واتحاديين أن نتساءل شأننا في ذلك شأن المواطنات والمواطنين عن دور الأحزاب السياسية الجادة والفعل المدني الملتزم عموما في المشهد السياسي الحالي بمعطيات ما قبل جائحة كوفيد 19 وما نعيشه من داخلها و ما نتشوفه في المستقبل وان نتفاعل مع واقع جديد مؤطر بأسئلة عديدة لعل أبرزها :

-لماذا تتوسع دائرة انحسار الثقة في نجاعة فعل الدولة ؟ و لماذا لم تُتَرجم المكتسبات الديمقراطية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية إلى مناعة جماعية ضد التراجعات فتُقَوي بذلك شعور الإنتماء و تواجه التحديات الموضوعية بحس تضامني وطني؟
-هل يمكن أن تنهض دولة وترتقي إلى مصاف الدول القوية ديمقراطيا وتنمويا في غياب أحزاب واضحة ايديولوجيا ديمقراطية عصرية منظمة ومؤثرة ومنفتحة؟
– لماذا في الوقت الذي يتقوى فعل الدولة من أجل استعادة ثقة المواطن وتتحدث أنماط عملها ينكمش تأثير الفعل السياسي والمدني ويغرق في النمطية والكساد؟
– لماذا في الوقت الذي يتكثف فيه الطلب الشعبي والمجتمعي على فعل سياسي وطني ملتزم وناضج ،يضمن تقديم مصلحة المواطن والوطن و توسيع دائرة التفكير والتقرير لاختيارات وطننا وشعبنا ،يعجز حزبنا عن تحقيق الاستجابة الفاعلة المستحضرة لطبيعة أزمة مجتمعنا السياسي والمكتسبات التي حققها بلدنا ؟
– لماذا في الآن نفسه الذي تصبح فيه القضايا المجتمعية التي تشكل صلب مشروع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كالحريات وفصل السلط واستيلاء المال على أدوات الفعل والتأثير أكثر مطلوبية يتخلف حزبنا عن موعد الالتحام بقضايا القوات الشعبية؟
إنها أسئلة من بين أسئلة كثيرة قديمة / جديدة، مُرحلة عبر أزمنة وسياقات، تطرح نفسها بقوة، و تستحث طموحنا الجماعي للتفاعل العميق معها، ليس فقط في محطة مؤتمرنا بل ولما بعده.
إن قناعتي خالصة بأن الترشح لمسؤولية الكتابة الأولى في الظرف الصعب الذي يعيشه حزبنا ، هو واجب و تكليف ومسؤولية اتجاه تاريخ الحزب و إرث زعمائه و أرواح شهدائه ، ووعي بضرورة الحفاظ على وحدته و تماسكه و تضامن مناضلاته ومناضليه ، وانخراط في مد حزبي وشعبي ووطني رافض للانحرافات التي طالت صورته ، خطابه و وزنه الرمزي و السياسي والانتخابي ، والتزام أخلاقي ووجداني اتجاه قضايا الوطن ورهاناته .
إنني أشعر بذات الوجع الذي سكن أرواح الصادقات والصادقين وهم يتابعون مسلسل التمثيل بالحزب الكبير ، و كسر رمزيته التي كسرت ذات زمن شوكة الاستبداد والسلطوية ، و نخر إباء صولاته وأمجاده التي طالما ألهمت الجماهير والقادة ، إنني يعتصرني ذات الألم الذي يعتصر كل المناضلات والمناضلين والعاطفات والعاطفين و هم يتابعون نهش كرامة الحزب الرمز وقص أجنحته بمعاول الانتهازية واسترخاص موقعه وثقة المغاربة في مشروعه ، بالفعل أو بالصمت .
إن قرار الترشح ينهل بالأساس من واجب اتجاه أمانة نضالات وتضحيات النساء الاتحاديات الرائدات قواعد و قيادات ، واستلهام الدروس من صبرهن وعزيمتهن وإصرارهن على خوض المعارك السياسية من واجهات داخلية وخارجية متعددة ومعقدة ، ومن دربتهن في الانتصار لقيم الديمقراطية والحداثة والمساواة ومقاومة السلطوية بكافة أشكالها و تنوع تمثلاتها، ذكورية وسياسية ومؤسساتية وثقافية وقانونية .
إن قناعتي مستقاة من قناعة جماعية بكون خطاب الواقع مهما آلمنا كفيل بأن يجدد وفاءنا لهويتنا و يؤمن انطلاقتنا نحو المستقبل موحدين وموحدات ، متضامنين ومتضامنات وأن يفتح أفقاً جديداً لعلاقة متجددة بالمجتمع الذي طالما شكل الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضميره السياسي وأفقه المشرق.
إنني أقترح أن نبني تحليلنا على منهجية المكاشفة والبحث عن الوضوح والتحليل العقلاني لوضعية حزبنا كذات أولا وآثارها على علاقتنا بالمجتمع وقدرتنا على بلورة تصورات الإصلاحات السياسية و المؤسساتية والمجتمعية والثقافية، وأن نقدم تصورنا الأولي لبعض عناصر الرؤية السياسية التي يجب أن يواكبها تصور واضح لتطوير و تحديث الأداة الحزبية كمشروع تعاقدي وارتأيت أن نتناوله وفق محوريين أساسيين:

1- كرامة المناضلات والمناضلين أساس المواطنة الحزبية الحقة ،تنظيم ديمقراطي منفتح وحديث بذكاء متجدد وميثاق أخلاقي جامع وملزم :

أ-كرامة المناضلات والمناضلين أساس المواطنة الحزبية الحقة :

لقد أنتجت مؤتمراتنا الحزبية وثائق غنية : الاختيار الثوري ، التقرير الإيديولوجي ، أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي، التقرير حول الهوية وغيرها توثق قراءات فكرية وسياسية انصهر فيها العقل والوجدان الاتحاديين في تفاعل مع الحياة الحزبية في النسق السياسي الوطني و التحولات التي طبعت الفكر الاشتراكي دولياً، من زاوية نظر توافقية حيناً أو صراعية حينا آخر .
وفي السياق ذاته و بشكل موازٍ تراكمت قراءات أخرى في أغلبها شفهية غير موثقة ، لا تخضع للإطارات المفاهيمية والتقعيدات النظرية المتعارف عليها ، تصف و تنقل حيثيات الحياة الحزبية والدوافع البشرية للاختيارات و الخلفيات المضمرة للاختلافات، في ما يشبه تشريحاً سوسيولوجياً للسلوكات الفردية. و العلائقية داخل التنظيم الحزبي ، و يكشف ( هذا التشريح ) بشكل تلقائي التمثل “القاعدي ” إذا صح التعبير للعلاقات بين الأفراد داخل الحزب والتي تحتكم فيما يبدو إلى غير المرجعية الفكرية الرسمية للحزب والقيم الجامعة الضامنة لكرامة الاتحاديات والاتحاديين .
تكاد تجزم كل زوايا تشخيص وضعيتنا الداخلية أن أزمة الديمقراطية الداخلية أو ما أفضل التعبير عنه بأزمة تمثل القيم الديمقراطية داخل حزبنا مرتبطة ارتباطا وثيقا بأزمة تدبير السلطة الحزبية ، فتجربتنا أبانت عن عجز مزمن عن بلورة نموذج سلطة ديمقراطي ومنصف يسمو فيه القانون و يتساوى الأفراد أمامه.
وكان منطقيا بناء على ذلك أن تنحسر سلطة القيم الجامعة وتنكمش المرجعية الفكرية لصالح ” مشاعية ” قيمية وفكرية تتجاذبها السلطة القيمية والفكرية الرسمية وتمثلات الأفراد والمجموعات في القاعدة وفي القيادة داخل الحزب . لقد بعثرت هذه الوضعية ما جاهد المشروع الفكري والسياسي للحزب من أجل صهره في خطة قيم موجهة للحياة الحزبية ، ومبادئ وتوجهات ناظمة للحياة المؤسسية والعامة ، وأثرت بشكل جلي على أداء الحزب واستقرار الحياة الداخلية الحزبية وطنيا جهوياً ومحلياً ، مما أفرغ مبدأ الانضباط الحزبي من دلالاته و فعله ،خصوصا أمام عجز المقتضيات المتعلقة بالأخلاقيات و المؤسسات التحكيمية عن ضمان حماية القيم وتكريسها وتحقيق الانتصاف للمظالم.
إننا نستلهم تصورنا لكرامة المناضلات والمناضلين بالأساس من لُحمة الثقة والالتحام
التي كانت تجمع زعماء الحزب بمناضليه ومناضلاته و المناضلين فيما بينهم ولاسيما في المحن النضالية وما ينتج عنها من ضائقات اجتماعية و نفسية ، كما نستقيها من التلازم الجدلي بين كرامة المناضل والمناضلة و كرامة المواطنة والمواطن . إذ لا يستقيم أن يحقق مشروع الدفاع عن كرامة المواطنات والمواطنين إلا إذا مَكّنَ الحزبُ مناضليه ومناضلاته من أسباب الكرامة في إطار المواطنة الحزبية الحقة وقوامها ميثاق أخلاقي جامع وملزم .

ب- في الحاجة إلى ميثاق أخلاقي جامع وملزم :

إن سؤال ” ماذا يجمعنا ” أصبح طاغيا، ويوجه كل الأسئلة الأخرى، و يتحكم في البحث عن أجوبة لسؤال الهوية ” من نحن ؟” وماذا نريد؟ ، فهل ما يجمعنا قيم ناظمة ومبادئ موجهة أم أصل حزبي منتج لمستحقات معنوية وأخرى مادية ، ومحرض – في غياب القيم – لتطاحنات نفعية تنهك رمزية الحزب ووزنه ، في المشهد السياسي و نضالات شهدائه و أحلام المؤمنات والمؤمنين بفكرة التحرير والديمقراطية والبناء الاشتراكي ، المؤطر بقيم الحداثة.
إذ لا يمكن أن نغض الطرف على ثقافة الانتهازية التي تحولت من سلوك معزول ومرفوض داخل الحزب إلى أنموذج متكامل يهدم بمرور الزمن كل الحواجز القيمية و الضوابط الأخلاقية ، وصار يتمدد ويتغول بعد أن احتل السلطة الحزبية مقصياً أنموذج المناضل الوطني الملتزم والنزيه ومقدماً الانتفاع على البذل والخاص على العام والشخصي على الجماعي .
إن التطبيع مع ثقافة الانتهازية داخل الحزب أخطر من الانتهازية نفسها ، لأنه يقصم ظهر المشروع الفكري والسياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يستند على يقظة الضمير الجمعي المؤسس على الجامع القيمي لتمنيع الذات الحزبية و لتأطير المجتمع و إصلاح الدولة بفضح الانحرافات ومواجهة الفساد والصدح بالحقيقة و إيقاظ الضمائر ، فكيف سيثق المغاربة في قدرة حزبنا على قيادة أي إصلاح للدولة والمجتمع أمام تهاوننا في اجتثاث الانتهازية والإفساد داخل حزبنا .
إن ما يحول أملنا من مجرد بارقة إلى جذوة باذخة الاشتعال هو استحالة زرع الانتهازية الفاسدة في شرايين الفكرة الاتحادية وجسد تنظيماتها ، فيؤول بالتالي كل مخطط لمساكنة الانتهازية الإنتفاعية و العمل الملتزم من أجل الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية إلى حالة وهن شامل ، تداعى له حزبنا بالنكوص والانتكاس والعزلة ، كما قاومه المجتمع بانتقاده الشرس للخط السياسي للحزب ،مواقفه ،خطابه ، وصورة قيادته الحالية .
إن حاجتنا ملحة لميثاق أخلاقي جامع وملزم قوامه كرامة المناضلات والمناضلين من أجل مواطنة حزبية حقة، يرتقي بعلاقاتنا الداخلية و يؤطرها و يمنعها ضد المنزلقات والانحرافات ، يعالج الترسبات التي تكلست في الذهنيات ويمنح كافة الضمانات القانونية والأخلاقية الصارمة لإحقاق حزب القانون وسموه والمساواة أمامه .

ج- تنظيم ديمقراطي حديث بذكاء متجدد :

نعتبر أن النموذج التنظيمي الاتحادي لم يستنفذ بعد مداه ويتوجب تطويره وتأهيله ضمن حد ي الوفاء للهوية والانطلاق نحو المستقبل.
إن تحمل المسؤوليات في الأجهزة يجب أن يتم على أساس تعاقدي حول برنامج عمل محدد ، واضح الأهداف وقابل للتقييم .
وفي هذا الصدد نشدد على أهمية دور الخلية الحزبية في توسيع قاعدة الحزب وتعزيز ارتباطه بالمجتمع، كما نرى أن إشراك القطاعات المهنية والجمعوية ضمن أجهزة الحزب محليا وإقليميا وجهويا خطوة أساسية لتغذية الحزب وتوسيع قاعدته و تقوية ارتباطه بالمواطنة والمواطن في مجاله الترابي واهتماماته الفئوية والمهنية لاسيما في المحطات الانتخابية.
نقترح إشراك المنتخبين والمنتخبات عبر لجان إقليمية وعبر تمثيلية بالصفة في الأجهزة الحزبية المحلية والإقليمية.
وحتى يتفرغ الحزبيون للاشتغال التنظيمي ولمهام التأطير التي ينص عليها دستور المملكة نقترح إحداث لجن محلية مختلطة، بمثابة لجان يقظة، تكون مهمتها تتبع ورصد العمل الجماعي بهدف توفير بنك معطيات وأرضيات عمل وخلاصات وتوصيات للأجهزة الحزبية والموازية وللجنة الإقليمية للمنتخبين محققة رهان الالتقائية والتكاملية
إن عملنا يجب أن ينصب على عصرنة و تأهيل أداتنا الحزبية لتتموقع من جديد داخل النسيج المجتمعي و تستعيد المكانة التي كانت لها دائما في المجتمع الذي عرف تطورات كبيرة و نوعية لم نحسن مسايرتها. و هذا يفرض علينا اعتماد سياسة تواصلية جديدة و بديلة توظف تقنيات التواصل الرقمية الحديثة، مما يضعنا أمام ضرورة إنجاح مشروع التأهيل التقني و الرقمي لأداتنا الحزبية. كما ينبغي، في علاقة بهذا تثمين الفكر و الثقافة في أفق تكويني يستهدف الارتقاء بالعلاقات بين الهيئات و التنظيمات الحزبية، وبينها و بين القواعد الشعبية، مما سيعطينا بعدا وظيفيا يزيد من فاعليتها على مستوى الواقع بأبعاده السياسية، والاجتماعية، الاقتصادية.

2- حزب اشتراكي ديمقراطي بهوية دينامية ، المساواة بين النساء والرجال في صلب هويته ،أحزاب قوية من أجل دولة قوية :

أ- حزب اشتراكي ديمقراطي بهوية دينامية :

إن أحد أهم المسؤوليات المطروحة على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم و في المديين القريب و المتوسط هو العمل صحبة باقي الديمقراطيين و الحداثيين على تمنيع و حماية الهوية الوطنية من مخاطر التشوه والتفتت والتشظي التي (قد) تتعرض لها بفعل عوامل متفاوتة خارجية مرتبطة بالعولمة و تداعيات النيوليبرالية و اقتاد السوق، وداخلية مرتبطة باستمرار مظاهر التقليدانية و هيمنتها على الفضاء العام و على السلوك الشعبي و السياسي.
في تقديرنا إن هذا الوضع يطرح تحديات ثقافية و هوياتية عريضة أمام الحزب و أمام البلاد،وبالتالي لابد من جواب مزدوج،داخلي يهم قدرة الحزب على التوفيق بين مرجعيته الاشتراكية الديمقراطية ذات الأفق الكوني و ما تفرضه من توافق مع التزامات الحزب تجاه شركائه الاشتراكيين الديمقراطيين في العالم،و بين هويته كحزب مغربي نشأ في بيئة مغربية لها خصوصياتها التاريخية و الحضارية و الثقافية و التي تنعكس على السلوك الشعبي والسلوك السياسي في نفس الوقت، و هو ما يفرض عليه (الحزب) الدفاع عن ثوابت الهوية الوطنية الجامعة في مواجهة تيارات العولمة و النيوليبرالية و الأفكار المتطرفة الخارجية الهدامة.
و نرى أن تحقيق هذا الهدف لن يكون إلا بتدقيق تصور الحزب للمجتمع وتحولاته المجالية و العمرانية و الديمغرافية والاجتماعية و الثقافية و القيمية و التعبيرية من خلال ورشين كبيرين هما:
أ- تسريع وتيرة تأصيل الفكر الاشتراكي الديمقراطي في التربة المغربية
ب- التعاطي بجرأة و ثبات مع تسريع غرس الحداثة في التربية المغربية،و بذل كل الجهود لجعل الحرية ممارسة مسؤولة وعقلانية و ديمقراطية،وذلك في تجاوز لكل المعتقدات و المظاهر التقليدية.
ونعتبر أن كل تدقيق في علاقة الحزب بالمجتمع لن يكون إلا من خلال مدخلين، مدخل المسألة الثقافية بكل عناصرها الدينية والروحية، و مدخل المواطنة القائمة على توازن الحق و الواجب.
نرى أن هناك سببان كافيان لكي يجتهد الحزب في بلورة تصور واضح و دقيق تجاه المجتمع، فمن جهة ورغم كل الجهود التي بذلت في كل المحطات التاريخية، لوضع تصور للمجتمع، ظل الحزب يشتغل وفق ثقافة سياسية تقليدية تؤمن بكون الدولة هي منطلق و منتهى كل نشاط سياسي.
والسبب الثاني مرتبط بشساعة و عمق التحولات الثقافية و القيمية و التعبيرات المرتبطة بالتحولات المجالية والعمرانية والديمغرافية والاجتماعية والتي مست خطاطة التنشئة الاجتماعية التقليدية وجعلتها قاصرة عن مواكبة هذا التحول.

ونرى أنه لا يمكن لنا نهائيا تدقيق علاقتنا بالمجتمع ما لم نجب على الأسئلة التالية:

1-ما الذي حدث في المجتمع في العشرين سنة الأخيرة على بداية القرن الواحد والعشرين؟و ما نوع القيم التي أصبحت تؤطر و توجه و تحكم سلوك الأجيال الجديدة واللاحقة؟و ما نوع التنشئة الاجتماعية الممكنة و الواجبة لمواكبتها و تأطيرها؟ و ما نوع وشكل المواكبة والمصاحبة التي يمكن أن يقوم بها الحزب ضمن مهمه في تأطير المواطنين و المواطنات و تكوينهم سياسيا؟

2– ما خطة العمل التي يقترحها الحزب؟ و ما هي الإجراءات التي يمكن أن يقوم بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كحزب طليعي لفهم و تأطير و مواكبة الموجات الجديدة من التحول الثقافي والقيمي والتعبيرات الموازية لها؟
إن سؤال ضرورة تجاوز الثقافة السياسية التقليدية يطرح نفسه بقوة و التي نهجها الحزب في سعيه إلى تغيير المجتمع من خلال الدولة، إذ يدفع الدولة عبر مطالب الإصلاح الدستوري والسياسي والمطالب الاجتماعية والثقافية عبر أذرعه النقابية و الجمعوية إلى تغيير المجتمع بدلا عنه و باسمه،و لم يولي الأهمية المولدة للتوجه مباشرة إلى المجتمع عبر فهمه (المجتمع) و تحولاته أولا، وعبر تملك منهج علمي متماسك لقراءته وبالتالي تملك تصور واضح للتفاعل معه والتغيير فيه.

صحيح أن مقررات المؤتمر السادس قدمت جهدا نوعيا في توضيح هوية الحزب و الحسم في التوتر الموروث عن المؤتمر الاستثنائي، وقبل ذلك قدمت وثيقة ”أزمة المجتمع و البناء الديمقراطي” قراءة علمية غنية و واعدة لتشخيص و فهم تحولات المجتمع و تقديم أجوبة مناسبة عن كيفيات إعادة ربط الخيوط بالمجتمع عبر تشخيص دقيق للأزمة و عوائق التحديث و الدمقرطة، لكن ضغط الأحداث التي عرفها المغرب في النصف الأول من الثمانينات والاعتقالات وحملات القمع العديدة التي تعرض لها المناضلون والمناضلات خاصة بين 1979و 1985 لم يساعد على تبني الوثيقة رسميا في المؤتمر الرابع مما أجل الإجابة عن طبيعة التصور الضروري والمباشر للمجتمع دون ربط تغييره بالدولة أولا وحصريا.

إن المطلوب منا اليوم كاتحاديين و اتحاديات هو الجواب عن سؤال: كيف يجب أن نتفاعل مع المجتمع مباشرة ودون أن نجعل الدولة وسيطا في التفاعل معه؟و بعبارة أوضح هو كيف يجب أن نتحدث مباشرة مع المجتمع و فئاته و طبقاته و أجياله الجديدة واللاحقة؟ وكيف نفهم تحولاته و أعطابه و تحدياته و آفاقه؟ دون أن نفوض للدولة هذه المهمة عبر تطويقها بمطالب دستورية وسياسية واقتصادية وتتبنى معها نتائج التغيير الاجتماعي ونتحمل معها التكلفة السياسية عندما تكون النتائج غير جيدة؟

إن ما نقترحه ليس تحللا من مطالبة الدولة بالإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي، فهذه مهمتها الصميمة وسنستمر في مطالبتها بذلك و تنبيهها إلى مكامن القصور وتشجيع جهودها في ذلك، و سنستمر في اعتبار أنفسنا مطوقين بمسؤولية تاريخية في الدفع بدمقرطة الدولة و المجتمع، ولكننا كذلك مطوقين بمسؤولية تاريخية في تشخيص تحولات المجتمع و أعطابه وأزماته وتحدياته والتفكير في حلول لمشكلاته لاسيما القيمية و تلك المرتبطة بتوازن الحق و الواجب، والبحث عن آفاق أرحب لها حتى لا تتحول إلى أزمات و أعطاب مزمنة و مستدامة تهدد بالإخلال بتوازن المجتمع والدولة.
إن أجوبتنا يجب أن تتفاعل بشكل ميداني علمي مع التحولات الجذرية التي عرفها مجتمعنا والتي ترتبط ارتباطاً وثيقا و مركبا بالتحولات الديمغرافية و المجالية والعمرانية والثقافية والقيمية والحقوقية والتي نعتبرها مدخلنا لدمقرطة الدولة من خلال دمقرطة المجتمع.
إن دور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتمثل في مواكبة هذه التحولات و ما ينبثق عنها من تعبيرات يتوجب علينا فهمها بهدف عقلنتها وجعلها منتجة ومفيدة.

وفي هذا الصدد ومن موقع الحزب الطليعي و تملكه للقدرات الفكرية و العلمية والثقافية القادرة على ذلك نقترح إحداث ” مؤسسة عبد الرحمان اليوسفي لليقظة و التفكير الاستراتيجي” بهدف استئناف العلاقة بالمجتمع و تحولاته و مراكز السلط المضادة و تأثيرها.و نؤمن بأن شعبة لليقظة والرصد من داخل المؤسسة سيكون دورها مؤثرا في ربط الحزب بكل المستجدات لتدقيق تدخلاته ومواقفه وقراراته.
و نعتبر كذلك أن هذا الاستعداد الفكري و الثقافي لا يكتمل إلا بتملك الحزب لأدوات التعبير القائمة في المجتمع من فنون وموسيقى وصناعة محتوى رقمي وتوجهات روحية ودينية ورياضية بشكل يجعل المشروع المجتمعي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في قلب المجتمع وفي قلب القنوات التواصلية المبتكرة وكل وسائلها وروابطها،و نرى أنه لا يكتمل كذلك إلا بتنظيم حديث ديمقراطي و فعال.

ب-المساواة الفعلية بين النساء والرجال محدد رئيس للسياسات العمومية :

لقد شكلت المسألة النسائية جزءاً لا يتجزأ من الاختيارات الفكرية والسياسية للحزب . كما عكست نضالاته قناعة صميمة بالترابط الجدلي بين الديمقراطية و مبدأ المساواة بين النساء والرجال في معركة دمقرطة الدولة والمجتمع . كما شكلت أوراش المصالحة المتعلقة بالمسألة النسائية التي أطلقتها حكومة التناوب التوافقي بقيادة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي الانطلاقة الفعلية لدينامية تشريعية ومؤسساتية و مجتمعية توجت بإقرار تمتع الرجال والنساء على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في دستور يوليوز 2011.
غير أن التكريس الفعلي لكل هاته المكتسبات لم يأخذ بعد انطلاقته الفعلية بل ظللنا نراوح مكاننا مكتفين ومكتفيات بحالة من التفعيل الجزئي و غير المكتمل والمتمثل على سبيل المثال في التركيز على رفع التمثيلية النسائية على مستوى المؤسسات المنتخبة و غيرها دون تحقيق ضمانات فعلية للمشاركة الحقيقية والفعلية في بلورة القرار و تنفيذه ،و قانون محاربة العنف ضد النساء غير الشامل وبعض المقتضيات المتعلقة باعتماد معيار مقاربة النوع في بلورة البرامج والمخططات والتي نص عليها القانون التنظيمي الجديد لقانون المالية والتي لم يتم بعد تفعيلها بالشكل الضامن لمحاربة التفاوتات بين الجنسين وغيرها ، فكل هاته المكتسبات وغيرها على أهميتها لا يمكن أن تضعنا على سكة تحقيق المساواة بين النساء والرجال لأنها نفسها تواجه خلال تفعيلها تحديات كبرى مرتبطة بهشاشة الوضع الاقتصادي ، الاجتماعي والقانوني للنساء و أخرى مرتبطة بالأعطاب العامة لمنظومتنا المؤسساتية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
إن مشروع تفعيل مبدأ المساواة بين الرجال والنساء كمكتسب دستوري تظافرت من أجل تحقيقيه دينامية الحركة النسائية بشقيها الجمعوي والسياسي ، يستوجب اعتماد مقاربة متجددة وشمولية تضمن مسالك أكثر نجاعة وفعالية و المتمثلة في اعتماد هدف تحقيق المساواة بين الجنسين كمحدد رئيس لكل التوجهات العامة و السياسات العمومية بشكل يضمن فعلياً توزيعا منصفا للحق في التمتع بنفس الحقوق والحريات في المجتمع وللحق في التنمية و الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي و تأمينا للمستقبل ضد ديناميات منتجة لتفاوتات إضافية مبنية على اللامساواة وتوسيع الفوارق وتعميقها ، كما أنها ستشكل رافعة فعالة لتجاوز أزمة الاحتباس الذي أصبحت السمة الواضحة في مسار تكريس المساواة بين الجنسين.

ج – أحزاب قوية من أجل دولة قوية :

لقد تطورت هوية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تاريخيا في ارتباط جدلي مع تطور تصوره لدور الأحزاب في بناء دولة قوية وضامنة للحقوق والحريات بشكل عام و دور الحزب بشكل خاص .
فمنذ ميلاد الحركة الاتحادية كمحاولة للإجابة على سؤال : من نحن وماذا نريد ؟ إلى أن أرست التحولات الفكرية والسياسية الدولية و الوطنية اختيارنا على الاشتراكية الديمقراطية بقيم حداثية ، شكل مشروع تقوية دور العمل السياسي والحزبي في بناء الدولة ودمقرطة المنظومة ، الهدف الناظم للرؤية السياسية والمؤسساتية للحزب ، بل واعتُبِرَ الثابت الذي أخلصت له جل التصورات الإيديولوجية و ثبتته حركية التحولات الفكرية و السياسية للحزب.
إلا أن الأوضاع السياسية والمؤسساتية التي عرفتها بلادنا منذ فجر الاستقلال وضعت علاقة العمل الحزبي بالدولة في إطار صراعي مرير ، أسس لفكرة مفادها أنه لا مجال لمساكنة دولة قوية وأحزاب قوية ، بل وتطورت في سياقات معينة إلى الدفع بإمكانية بناء دولة قوية بأحزاب واهنة .
مما أدى إلى جانب الأعطاب الذاتية والمناعية على مستوى الأحزاب نفسها إلى ترسيخ أزمة الثقة في الفعل السياسي في عمومه ، والذي تطور إلى حالة من الشك البنيوي العريض في نجاعة فعل الدولة نفسها و فعالية السياسات العمومية و قدرتها على تحقيق الكرامة والعيش الكريم .
لقد استجابت الدولة بإطلاق مجموعة من المبادرات لعل آخرها تعيين لجنة ملكية للنموذج التنموي عملت على تهيئ تصور لنموذج تنموي جديد يتمحور حول محاولة معالجة تراجع ثقة المواطنين في الفعل العمومي بتقديم وصفات لتحقيق الإقلاع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمواطن وورش الحماية الاجتماعية كأحد أهم مداخل المصالحة والتنمية.

إلا أن الحالة العامة التي خلقتها استحقاقات 8 شتنبر 2021 ونتائجها و التي تتوجت بتشكيل حكومة ائتلافية ليبرالية – فيما يبدو – يقودها حزب التجمع الوطني في تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، بالإضافة إلى السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية ، أدخلت المجتمع السياسي في حالة كساد عميق كنتيجة متوقعة لفصل أكثر شراسة في مسلسل بتر العملية الانتخابية من أي مرجعية سياسية وفكرية .
لقد طبعت مشاهد وأحداثًا وسرديات انتخابات 8 شتنبر 2021، توثق الصراع المحتدم بين الأحزاب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة على استقدام المرشحين ذوي الاحترافية الانتخابية الضامنة للمقاعد كشرط رئيس وحاسم وأحيانا كشرط وحيد . وحسمت الاستشارة الانتخابية لصالح الأكثر قدرة على استقدام القوى الانتخابية المحترفة ، والأكثر قدرة على الاستثمار في الحملات التواصلية الرقمية ، كما قال المال الانتخابي كلمته بشكل فاصل ، فيما طُمست أصوات المرجعيات السياسية والفكرية و المبادئ الموجهة والقيم الناظمة للاختيارات السياسية موضوع الاستشارة الانتخابية .
إن أخطر نتيجة لما حدث لا تتمثل فقط في استئساد التكتلات المصالحية الفئوية الضيقة العابرة للتعبيرات السياسية بعد وصولها إلى السلطة و تحالفها مع الوفرة التمويلية من مال ومصالح وإمكانية ترجيحها لكفة المصالح الفئوية على مصالح الوطن ، بل تكمن خطورتها من جهة في إشاعة قيم الانتهازية والنفعية و تغليب المصالح الضيقة على المصالح الوطنية ، ومن جهة أخرى في إضعاف فكرة الأحزاب الجادة التي تستند على الشرعية الشعبية والتي بدورها لا يستقيم أن تستند إلا على تعاقد سياسي وفكري وأخلاقي لا على ارتباطات مصلحية، مالية ، ونفعية ، وما ينشأ عن ذلك من تفشي للانتهازية والفساد والزبونية والتي تشكل كما يشهد بذلك تاريخ الدول وأدبيات السياسة الخطر الداهم الذي يهدد استقرار الدول ، قوتها وتطورها ورخاء المجتمعات وكرامة المواطنات والمواطنين.

إن قناعتنا راسخة أن تقدم بلادنا و تقوية شعور الوطنية والانتماء و بناء منظومة المواطنة وترسيخ قيم التضامن لا يمكن أن يتحقق في غياب أحزاب جادة قوية، بمرجعيات فكرية وسياسية واضحة وذكاء متفاعل مع تحولات القيم التمثلات الثقافية ، وبتنظيمات عصرية ودينامية مواكبة للتحديات المرتبطة بالعولمة والثورة الرقمية من جهة وبالتحولات ذات الطابع الوطني والمتعلقة بالعوامل الديمغرافية والبنية الاجتماعية ومنظومة القيم وغيره.
إنني وإذ أبسط هذه المحاولة المتواضعة كوثيقة أولية ، أطمح إلى إغنائها و تقويمها بفتح نقاشات و تفاعلات بشأنها بين صفوف الاتحاديات والاتحاديين ، أوجه نداء أخوياً صادقا لكل الأخوات والإخوان أؤكد فيه أننا كما كنا ولم نزل لا شيء يمكن أن يسمو على مصالح الوطن والمواطن في تصورنا للرؤية السياسية لحزبنا ولخطه السياسي ، وان مسؤولية وأمانة الانتماء إلى مشروع سياسي وفكري بحجم الأفق الذي يمثله حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تفرض علينا تحديات حقيقية بشأن الحفاظ على وحدتنا ومقاومة أطروحات الإرتكاس والانكماش والضمور والتخلف عن المعركة الحقيقية و المتمثلة في أمانة إنقاذ حزبنا بالوفاء لهويته والانطلاق نحو المستقبل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *