ثقافة وفن

جدلية الإبداع والاتباع في مسلسل “بابا علي”

كثر المدّاحون هذه الأيام حيال المسلسل الأمازيغي (الناطق بالأمازيغية)، والمعنون ب “بابا علي”، وفي المقابل هناك أصوات أخرى تهمس بصوت خافت تذم (الذم) المسلسل، وتراه بعيدا عن الثقافة الأمازيغية…
لسنا هنا في موقف كي نؤيد طرفا ضد آخر، بقدر ما تكونت لدينا بعض الملاحظات بعد تتبع المسلسل السنة الماضية، وهذه السنة. وتتقاطع هذه الملاحظات ما بين” الإبداع” في المسلسل، عبر محاولة الغوص في أعماق الثقافة الأمازيغية من خلال الدراما، و”الاتباع” من خلال نسخ مواقف تمثيلية تجسدت في إبداعات سابقة، الأمر الذي أسقط المسلسل في عمليات نسخ مبتذلة أفقدته هذه السنة الروح الأمازيغية.
أول مواقف “الاتباع”، تجسدت من خلال السيناريو، ذلك أنه يظهر خلال عملية الكتابة، أن التفكير في أحداث السلسلة كان يتم بالعربية، ويتم تحويل ذلك إلى الأمازيغية، بل إن الكتابة كانت تحضر فيها بشكل كبير شخصية “حديدان”، وأحداث ومواقف مسلسله، ويبدو ذلك جليا في لباس بطل السلسلة (بابا علي) ومِشيته ومقالبه، وقفشاته وعنترياته، وبطولاته أيضا، مع وجود فارق، يتعلق بمحاولة “بابا علي” في كثير من المواقف الدرامية إسقاط أسلوبه في النقد الساخر لبعض المواقف من الحياة العادية (الرشوة)، الأمر الذي يسقطه في الابتذال الممل، إذ يظهر وكأنه يوظف حِكما بل تضمينها في الموقف الدرامية وترك الفرصة للمتلقي لاستنباطها.

ويحضر مسلسل حديدان أيضا في سلسلة بابا علي، من خلال الصراع الدائم الذي كان بين حديدان وحماته “دلالة”، فقد تجسد أيضا بين بابا علي وحماته “عبوش”، بشكل يطرح أكثر من سؤال، حيث تمت المبالغة بشكل أكبر في هذا الصراع إلى درجة السب والشتم، وهذا بعيد كل البعد عن العلاقات الإنسانية في المجتمع الأمازيغي الذي فيه احترام كبير جدا ما بين الحماة وزوج ابنتها، بل هناك من يرفض زيارة ابنته في بيتها احتراما لزوجها وعدم كسر جدار التقدير المتبادل. ويتكرر “الاتباع” أيضا من خلال صراع بابا علي وزوجته، كما كان يتصارع حديدان مع زوجته أيضا.
حتى أغنية “الجنيريك”، فهي أغنية مسلسل حديدان نفسها، فقط تمت ترجمتها بشكل تقريبي – مع بعض التغيير- فهي كلها تمجيد للبطل ولبطولاته وعنترياته، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول حدود الإبداع في هذا الجانب.
زد على ذلك، تكرار بعض الأحداث والمشاهد المتشابهة في السلسلتين، كانفعالات وأفعال اليهودي (إسحاق) الذي كان في سلسلة حديدان شخص طمّاع، لكنه دوما ينتصر عليه المسلم، نفسه تكرر في بابا علي (موشي)، وهو أيضا مغلوب دوما من قبل بابا علي، وتكررت أيضا شخصية “القاضي” ما بين السلسلتين، مع العلم أن المجتمع الأمازيغي كان إلى عهد قريب تحكمه أعراف من خلال (جْماعة) “إنفلاس”، أو “أيت ربعين” الذين يقومون بفك النزاعات بين سكان القبيلة، بعيدا عن سلطة المخزن والقضاء.
من جهة أخرى يظهر من خلال الجزء الثاني من مسلسل بابا علي، أن هناك تخمة من الشخصيات في هذا الجزء، حيث يظهر أن بعضها تم إقحامه في مسار الأحداث فقط من أجل إرضاء الخواطر، دون أن يكون لحضوره تأثير في تغيير مجرى الأحداث، لذا يتأكد أن إقحام هذه الشخصيات في الجزء الثاني كان من أجل استمالة الجمهور وترضيته بعد النقد الكبير الذي تلقته السلسلة السنة الماضية، بسبب عدم وجود بعض الممثلين الأمازيغ، لذلك تم إحضار بعضهم هذه السنة، لكن حضورهم في السلسلة كان سيئا جدا، لم يضف لحبكة النص/ السيناريو أي جديد، لتظهر هذه الشخصيات/ الممثلين، كأصوات نشاز وسط سلسلة تقوم على بابا وقبيلته، وصراع العصابات اللصوص، التي تضع أعينها لاختطاف الحاكم، وحب ابن بابا علي وابنة شيخ القبيلة، والذي يترجم بالغلط في الترجمة باسم “القائد” بدل الشيخ.
هذه الملاحظات البسيطة لا تسعى إلى تبخيس المجهود المبذول في السلسلة، أو ضرب الواقفين خلفها، بقدر ماهي ملاحظات من أجل فتح شهية قراءة السلسلة بعين ناقدة، بدل الارتماء وراء الدفاع عنها من منطلق إثني أو عرقي، فأنا شخصيا أتتبعها – لوحدها- منذ السنة الماضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *