مجتمع

الجولة الثانية من الحوار الاجتماعي..التحديات والآفاق

عشية الجولة الثانية من الحوار الاجتماعي، تتزايد تطلعات المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب بشأن استكمال وتنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاق الثلاثي لـ30 أبريل، الذي وصفته كافة الأطراف ب “المتوازن” و”التقدم المهم”، على اعتبار أنه يضم أجندة محددة للوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها جميع الأطراف.

وبالفعل، تدشن هذه الجولة الثانية من الحوار مع النقابات على أساس تفعيل جميع الالتزامات التي تم التعهد بها في اتفاق 30 أبريل. ومن خلال مصادقتها على ترسانة من النصوص التي تهم، بالأساس، تحسين أوضاع العاملين في قطاع الصحة والموظفين بشكل عام، والرفع من التعويضات عن المخاطر المهنية، ستكون الحكومة قد أوفت بالتزاماتها، وفقا للاتفاق الثلاثي للحوار الاجتماعي الموقع في أبريل الماضي.

ويتضمن الاتفاق عددا من الإجراءات التي تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية لموظفات وموظفي القطاع العام، حيث تم الاتفاق على الرفع من الأجر الأدنى بالقطاع العام إلى 3500 درهم صافية، وذلك بهدف تحسين الوضعية المادية للموظفين المرتبين في سلالم الأجور الدنيا، وهو الاجراء الذي يدخل حيز التنفيذ ابتداء من فاتح شتنبر 2022.

وتعزيزا للحماية من الأخطار والأمراض المهنية للموظفات والموظفين، تم الاتفاق على اعتماد إجراءات تشريعية وتنظيمية جديدة في هذا الشأن، تمكن الموظف المتضرر من مواجهة آثار هذه الأمراض والحوادث، حيث ستتم مراجعة نسبة التعويض في حالة العجز الكلي أو الوفاة، وكذا تبسيط الإجراءات والمساطر المتعلقة بالاستفادة من هذا التعويض. كما ستتم مراجعة المقتضيات التشريعية المتعلقة برخص المرض المتوسطة أو طويلة الأمد.

كما تم الالتزام بمراجعة نظام الضريبة على الدخل، فضلا عن حذف السلم السابع بالنسبة للموظفين المنتمين لهيئتي المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين. وهو الإجراء الذي يعد آلية أساسية لتحسين وضعية الموظفين المنتمين لهاتين الهيئتين، عبر تمكينهم من مسار مهني محفز. فبعد حذف السلم 5 سنة 2016، وإضافة السلم 9 بداية سنة 2022، سيتم حذف السلم 7، وهو الاجراء الذي يدخل حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير 2023.

وفي ما يخص الترقية، فقد تقرر رفع حصيص الترقي (الكوطا) في الدرجة من 33 إلى 36 في المئة، الأمر الذي من شأنه أن يرفع من عدد الموظفين المستفيدين من الترقية كل سنة، علما بأن الترقية تعتبر أحد المداخل الأساسية لتحسين الوضعية المادية للموظفين، وآلية مهمة لمكافأتهم على مردوديتهم. ويدخل هذا الاجراء حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير 2023.

ولأول مرة في المغرب، وفي مجال تعزيز المساواة، سيتم إقرار رخصة الأبوة ومدتها 15 يوما مدفوعة الأجر، وهو الإجراء الذي يندرج في إطار الانسجام مع مبدأ المسؤولية المشتركة الذي تقوم عليه الأسرة المغربية في القانون الوطني. ومن بين أهم غايات اعتماد هذا الإجراء دعم التوفيق بين الحياة المهنية والحياة الخاصة للموظفين، خاصة النساء، من خلال تقاسم المسؤولية الأسرية وتخفيف العبء عليهن.

ومن المؤكد، أن اتفاق 30 أبريل يسهم في ترسيخ النموذج المغربي للحوار الاجتماعي، حيث انخرطت جميع مكونات الحكومة في تنفيذ هذا النموذج، وفقا للتوجيهات الملكية التي تضع الطبقة العاملة والقدرة التنافسية للمقاولات في صلب الأولويات الوطنية.

ويتضمن هذا “الاتفاق التاريخي” إجراءات واضحة وأجندة محددة وينطوي على جرأة حقيقية، وذلك رغم صعوبة الوضع الاقتصادي والأزمات المتلاحقة التي تميز السياق العالمي الراهن.

وقد تميزت المفاوضات التي توجت بالتوقيع على هذا الاتفاق بالثقة المتبادلة. ويعكس الاتفاق أيضا مصداقية الحكومة والانخراط المواطن للاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين المغاربة، والاتحاد الديمقراطي للشغل، والتزام الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية.

من جانبه، أكد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال ندوة صحافية عقب اجتماع لمجلس الحكومة أن “الحكومة أنهت المرحلة الأولى المتمثلة في الوفاء بكل الالتزامات التي تم التوقيع عليها في 30 أبريل الماضي، والمتعلقة بالشق الاجتماعي، بما في ذلك مأسسة الحوار، وستجلس إلى طاولة الحوار مع النقابات في شتنبر الجاري لتقديم حصيلة الالتزامات التي تعهدت بها، وطمأنة الشركاء النقابيين والاجتماعيين على حسن سير هاته الالتزامات”.

وأضاف أن هذا اللقاء المرتقب سيشكل أيضا فرصة سانحة للتداول حول العديد من القضايا، التي سيطرحها الشركاء النقابيون والاجتماعيون للنقاش داخل هذا الفضاء، مبرزا أن الحكومة “مستعدة للتجاوب بشكل تلقائي في إطار الامكانيات المتوفرة ووفق ما يسمح به القانون”.

ويؤكد الشركاء الاجتماعيون الذين يقرون بالتقدم المحرز، على التحديات التي يتعين رفعها، معتبرين أن ثلاثة مواضيع ينبغي أن تكون في صلب الجولة المقبلة من المفاوضات، والتي من شأنها استكمال وتوطيد الترسانة القانونية للمملكة المرتبطة بالشأن الاجتماعي، والمتمثلة في قانون حق الإضراب، الذي طال انتظاره منذ 60 عاما، وتعديل مدونة الشغل، ولا سيما من خلال إصدار نص قانون يأخذ في الاعتبار انتظارات القطاع الخاص في ما يتعلق بالمرونة والمسؤولة، وأخيرا قانون تدبير الأزمات الطويلة مثل الأوبئة وغيرها.

وفي هذا الصدد اعتبر الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي عتيق السعيد أن المغرب عرف مسارا طويلا من آليات تعزيز الديمقراطية التشاركية تجسدت ميدانيا في تبني الحوار الاجتماعي الذي يتيح كل الفرص التفاوضية بين الأطراف الفاعلة سواء المشغل والأجراء أو بين هيئات المشغلين والنقابات، وذلك عبر مختلف أنماط التواصل المرتبطة بجولات التفاوض والتشاور مع السلطات الحكومية والهيئات التمثيلية للمشغلين والنقابات، باعتباره المدخل الأساس لتحسين الأداء الاقتصادي والمساهمة في إرساء وتطوير ممارسات مهنية جيدة من جهة، ومن جهة ثانية تقويم كل ما هو مرتبط بالقضايا المتعلقة بفض النزاعات الاجتماعية، والسعي من خلال الاشراك والتعاون إلى تحفيز الموارد البشرية بغية تحقيق أعلى درجات السلم والازدهار الاجتماعي.

وأضاف أن المغرب بفضل جهود الملك محمد السادس عرف تطورا في الممارسة الديمقراطية التشاركية عبر اعتماد ترسانة قانونية تؤطر الحوار الاجتماعي، مبرزا أن دسترة مبدأ الحوار في دستور 2011 شكلت نقلة كبيرة في بناء الدولة الديمقراطية التي يسودها الحق والقانون.

وأوضح أن الجولة الجديدة من الحوار الاجتماعي تستلزم تيسير أساليب الوساطة بشكل يضمن تحقيق التوافق الكفيل بإعداد خارطة طريق تقوم على تحصين المكتسبات والعمل على الرهانات المطروحة، مبرزا ضرورة توسيع مواضيع الحوار الاجتماعي لتشمل قضايا جديدة من شأنها بناء منظومة جديدة للحوار الاجتماعي استحضارا لما تشهده المرحلة من أوراش ومشاريع اجتماعية كبرى غير مسبوقة تحقيقا للعدالة الاجتماعية، وفي مقدمتها النموذج التنموي الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *