ثقافة وفن

السعودية..حراك ثقافي وفني واعد

تشهد المملكة العربية السعودية جهدا تنويريا هائلا للارتقاء بالوعي الفكري والثقافي والفني لدى أبناء المجتمع السعودي. وتمث ل النقلة النوعية في الحراك الثقافي المحلي إحدى أهم مظاهر التحول التنموي والحضاري الكبير، الذي تشهده المملكة منذ إطلاق رؤيتها الطموحة ” المملكة 2030 “.

وباتت السعودية في ظل هذا الحراك الثقافي الواعد وجهة محبذة للفنانين والأدباء العالميين، الأمر الذي يرسخ مكانتها كنقطة جذب للمبدعين من مختلف دول العالم، ويعزز حضورها كوجهة ثقافية مهمة في المنطقة.

وما معرض الرياض الدولي للكتاب، الحدث العالمي المؤثر، إلا انعكاس لهذه الطفرة الثقافية التي تشهدها البلاد حيث أثبت المعرض أنه المنصة الأنسب سواء للشركات أو المؤسسات أو الأفراد العاملين أو المهتمين بقطاعات الأدب والنشر والترجمة، لعرض مؤلفاتهم وخدماتهم، إضافة إلى دوره الأساسي في تعزيز وتنمية شغف القراءة في المجتمع، وزيادة الوعي المعرفي والثقافي والأدبي والفني.

وإذا كان وجود معاهد وأكاديميات للفنون بخبرات عالمية ودور سينما بأحدث التقنيات ودعم المواهب الشابة من خلال الاحتضان وإرسال بعثات للدراسة المختصة، إضافة إلى تطوير واستثمار المواقع الأثرية الضاربة في عمق التاريخ وفتح أبوابها للسياح الأجانب، من الأمنيات التي كانت تراود المبدعين والمبدعات في مختلف المجالات، فقد أصبحت اليوم حقائق على أرض الواقع ، جعلت السعودية تحتل موقع ا ثقافي ا متقدم ا بين نظيراتها في دول العالم.

ويأتي تقرير “الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2021” الذي أصدرته وزارة الثقافة السعودية بعنوان “الثقافة في الفضاء العام”، ليعكس النهضة الثقافية النوعية في السعودية ، ويرصد المرحلة الجديدة التي تعيشها البلاد في مجالات مختلفة، وترفع من قيمة الثقافة والفنون ومن الصورة العصرية التي تريد تقديمها للعالم، إذ يعتبر وقفة تقييم هامة للواقع الثقافي بكل تجلياته.

كما يلقي الضوء على الحراك الثقافي المحلي ويوثق أبرز توجهاته ويرصد مؤشراته في نحو 241 صفحة، وعبر خمسة فصول هي: الإدارة والصون، الإنتاج والإبداع، المشاركة الثقافية، المعارف والمهارات، والاقتصاد الإبداعي.

ووفق البعد الأول الذي يعنى بحالة منظومة المحافظة على التراث ودعم الإبداع، فقد شهد العام 2021 الاعلان عن 6 اكتشافات أثرية مهمة وزيادة في عدد مشاريع المسح الأثري التي بلغت 23 مشروعا. كما شكلت البنى التحتية للقطاعات الثقافية تحديا خاصة بعد العودة من فترة الجائحة. وتقدر الأعداد الاجمالية للمرافق الثقافية في المملكة ب304 متاحف و85 مكتبة عامة تابعة لوزارة الثقافة و262 مسرحا و75 صالة عرض و54 قاعة سينما بنمو بلغ 63،63 في المئة.

وعلى صعيد الانتاج والفعل الإبداعي، وهو البعد الثاني الذي يتناول مستويات الإنتاج الثقافي في مختلف المجالات واتجاهاتها، بالإضافة إلى حالة الإبداع من خلال رصد الجوائز الثقافية المحلية والعالمية كمؤشرات للتميز في الإبداع، فقد ارتفع عدد الأفلام المصنفة إلى 24 فيلما مقارنة ب21 فيلما في العام ماقبل الماضي.

كما بلغ عدد الافلام المحلية المشاركة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ومهرجان أفلام السعودية 185 فيلما طويلا أو قصيرا، وهو ما يشير إلى ارتفاع العدد الفعلي للإنتاج في القطاع.

وفي مجال النشر، بلغ عدد العناوين المسجلة في مكتبة الملك فهد الوطنية 9042 عنوانا فيما تشير اتجاهات النشر إلى أن قرابة ثلثي الكتب المنشورة تم تصنيفها في مجالات الأدب والعلوم الشرعية والتربية والتعليم.

أما على الصعيد الدولي، فقد نال الكتاب والأدباء السعوديون 13 جائزة في عدة مسابقات في الشعر والقصة والنقد والترجمة الأدبية على مستوى الجوائز الاقليمية الأدبية.

إن أبرز ما ميز الحالة الثقافية لعام 2021 في السعودية هو مظاهر التعافي المتدرج من تأثيرات جائحة كوفيد -19، فمع توفر اللقاحات الوقائية شهد العام الماضي انفراجة تدريجية للقطاع الثقافي تجلت في السماح بكامل الطاقة الاستيعابية في المرافق والفعاليات الترفيهية والثقافية في منتصف شهر أكتوبر، مما انعكس على مستويات النشاط والمشاركة في عدد من القطاعات الثقافية.

وتحت عنوان “المشاركة الثقافية” يقيم التقرير في البعد الثالث مدى قدرة المجال الثقافي على إشراك المجتمع بمختلف أطيافه في الفعاليات والممارسة الثقافية، سواء من خلال قياس مستويات زيارة المرافق الثقافية وحضور الفعاليات، أو قياس مدى تنوع جمهور الثقافة، وسهولة الوصول إلى مرافقها وفعالياتها.

وفي مؤشرات الاستهلاك والإنفاق على الثقافة، أظهر مسح لعام 2018، وهو أحدث الإحصائيات المتاحة، أن إنفاق الأسرة على مجموعة الترفيه والثقافة يشكل 2.8 في المئة من إجمالي إنفاقها الشهري، وقد حققت بعض القطاعات في الأعوام الخمسة الماضية نموا مضطردا في المبيعات استمر حتى في فترات الجائحة، وتحديدا في قطاعات ناشئة من قبيل قاعات العرض السينمائي إذ بلغت قيمة التذاكر المباعة للعام الماضي 206.192.822.00 ريالا ل412 فيلما، مقابل نحو 7 ملايين و621 ألف ريال عام 2018 ل123 فيلما .

وفي البعد الرابع، يرصد التقرير اتجاهات التعليم والتدريب الثقافي في المملكة، ومدى جاهزية المنظومة التعليمية وكفاءتها في نقل المعارف والمهارات الثقافية وبناء القدرات، وذلك في مراحل التعليم والتدريب كافة، سواء في التعليم الأساسي، أو التأهيل الثقافي المتخصص، أو التعليم غير الرسمي، في حين يرصد في بعده الخامس “الاقتصاد الإبداعي”، أو ما يعرف بالصناعات الثقافية، وذلك من خلال استعراض وتحليل البيانات والمؤش رات الاقتصادية المتوفرة ذات الصلة، لاسيما تلك المتعلقة بتكوين القطاع الخاص في المجال الثقافي، والسياحة الثقافية.

ف”الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2021” يشكل وقفة تقييم جادة للواقع والمشهد الثقافي في البلاد بما يساعد على تلافي النقائص وتجاوزها وتحسين مستوى الفعل الثقافي، الذي يشهد انتعاشة شاملة في السعودية في السنوات الأخيرة وفي جل المجالات الفنية والأدبية وعالم النشر وإنتاج الأعمال الفنية والعروض المسرحية وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *