آراء

حتى لا ننسى 20 فبراير .. حركة أزهرت في فصل الربيع العربي

تَحُل خلال أيام الذكرى الرابعة لميلاد حركة 20 فبراير المغربية، التي أَسْمَت نفسها باسم محدد هو يوم انطلاقتها. هذه الحركة لم تكن اختراعا مغربيا صرفا، بل أزهرت في فصل الربيع العربي، وبرزت في سياق تفاعل الشباب المغربي مع الدينامية النضالية للشعوب العربية، حيث خرج الشباب المغربي، في مثل هذا اليوم، ليؤكدوا لنا جميعا، أنهم لم يكونوا عازفين عن المشاركة السياسية جهلا أو إهمالا، ولكنهم كانوا عازفين بسبب موقف واضح مما يجري من الانتخابات إلى تشكيل المؤسسات.

ومنذ ولادة حركة 20 فبراير، عرف المغرب حراكا سياسيا واجتماعيا، بقيادة شباب الحركة، وبمشاركة ودعم القوى السياسية والنقابية والحقوقية والنسائية والجمعوية والثقافية بالداخل والخارج. ومنذ انطلاقتها كحركة تنشد التغيير، من أجل دستور ديمقراطي يضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان، اعتمدت حركة 20 فبراير، أسلوب التظاهر والاحتجاج السلميين، وأبدعت أشكالا حضارية للتعبير عن مطالبها، والاحتجاج على غلاء المعيشة والفساد وظلم السياسات وتغيير الدستور، وهو ما جعلها تحظى بالتفاف شعبي، تَجسّد في المشاركة الواسعة لعموم المواطنين في المسيرات التي دعت إليها، بحيث لم تستطع أي حركة سياسية منظمة منذ عقود، أن تحشد ما حشدته 20 فبراير من جماهير في نضالها ضد السلطة.

ولم تتعود الأحزاب نفسها على الدعوة للتظاهر ضد فساد الدولة واستبدادها خارج منظومة القوانين، حيث أحدثت الحركة ثورة في أشكال وأساليب الاتصال، ورسخت التحرر النسبي من إكراهات الرقابة، وأسهمت في توسيع فضاء الاحتجاج، وتشكل الرأي العام وخلخلة موازين القوى. وهي بذلك تعتبر إحدى الظواهر الأساسية في تاريخ المغرب الحالي.

ولأن المغرب لا يمكن أن يشكل الاستثناء، فقد هبت فيه رياح التغيير لوجود قواسم مشتركة مع غيره، ساهمت في انبثاق حركة 20 فبراير التي خرجت إلى الوجود من قمقم مارد الأنترنيت ومواقع التواصل الإجتماعي، من خلال الدعوات التي أطلقها الشباب المغربي، التواق إلى غذ أفضل، للنزول للشارع للمطالبة بالتغيير، الأمر الذي جعل الحركة تكذب بالحجة والدليل بعض المسلمات التي تم الترويج لها سياسيا وإعلاميا حول عزوف الشباب عن السياسة.

هذا الحراك السلمي، حَرّك مشهدا سياسيا جامدا، واستقطب إلى العمل السياسي فئات واسعة من الشباب، ممن ليس لهم أي انتماء حزبي أو سياسي. كما استطاعت الحركة أن تجمع من حولها وداخلها العديد من القوى السياسية بالرغم من تباين مرجعياتها، حيث أثبتت الحركة قدرة فائقة في تأطير الشارع، والحفاظ على سلمية الاحتجاجات، وتوسيع مجالها والمشاركين فيها، لتشمل حوالي 100 مدينة وقرية، ونزول مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع.

ومنذ اندلاع احتجاجات حركة 20 فبراير، تَفَنّنَ المغاربة في إبداع هتافات وشعارات تعبر عن حركتهم، وكانت البداية مع الشعار الأبرز الذي يلخص مطالب الحركة: “الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد”، كما اختارت الحركة لغة المحكي اليومي لتُعبر عما تريده من مطالب، فكانت جموع المحتجين على موعد مع شعار ”وعاك عاك باركا“، وهو شعار يشخص عدم القُدرة على الاستحمال.

واخْتَصّ قسم من الشعارات في شكل مقولات رددها المحتجون وظهرت على لافتاتهم ، من قبيل ” لا للفساد، لا للاستبداد، لا للظلم، لا للتزوير، لا للاعتقالات التعسفية .. ”. وشيّد مئات الشباب المغربي مجموعات على الفايسبوك تحمل شعار “الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد”.

ولعل المؤشرات الإيجابية للحركة لا يجب أن تَحْجُبَ عنّا المخاطر التي تعرضت لها الحركة، أولها أن السلطة بالمغرب خطّطت بالليل والنهار للتّخلص منها، والصحافة المأجورة لم تدخر أي جهد لتشويه صورتها وسمعتها وروادها، وتقزيم أعداد المشاركين في مسيراتها، وبعض الأحزاب العاجزة لم تُخف حقدها وكراهيتها للحركة وأهدافها.

ورغم أن الصورة العامة في بداية الحراك، كانت تتسم بنوع من الهدوء المشوب بالحذر، من خلال مشاركة بعض شباب الحركة في برامج القناتين الأولى والثانية، وتغطية مسيرات الحركة الرافعة شعارات إسقاط الفساد والاستبداد، إلى أن تقررت النزهة الشهيرة لمقر “الديستي”، وهنا نتذكر كيف انتهت مرحلة وبدأت أخرى، حيث أن وهم “الاستثناء المغربي” سرعان ما انكشف.

وأمام الزخم النضالي المتنامي للحركة، لم تستطع السلطة الحفاظ على هدوئها، وما ادعته من استثناء مغربي، فاستخدمت كل الوسائل لإجهاض مسار ديمقراطي، حيث أخرجت السلطات سلاح المنع القانوني، ووزعت القرارات بشكل عشوائي إلى العديد من المناضلين، رغم أنهم لم يتقدموا بأي طلب، وحرصت على اختراق الحركة وتضخيم الخلافات بين شبابها، والتحريك المفاجئ للخلايا النائمة وسطها، وشن حملة دعائية ضد شباب الحركة، وصلت حد التخوين واستعمال خطابات عنصرية وتكفيرية.

وللتذكير، فقد ابتدأت الحملة الإعلامية والسياسية بتصريحات مسؤولين رسميين، تُحرف الحقائق وتبرر استعمال العنف وقمع التظاهر، وتعريض السلامة البدنية لمواطنين للخطر. ثم حين تبين للدولة أن الحركة ماضية في استقطاب الجماهير الواسعة، حاولت اختراقها واحتوائها.

وحين ظهرت صعوبة ذلك، لجأت الدولة إلى زرع التفرقة وسطها، عبر الادعاء أن قوى “متطرفة” تسعى الركوب على الحركة لخدمة أجندتها الخاصة. والحقيقة أنه لم يكن بمقدور أي كان القفز على شباب 20 فبراير، لأن ”الفودوكوميرس” كان باسم شباب 20 فبراير.

وللتاريخ والذكرى، تحركت بعض وسائل الإعــــلام الـتي يتم تحريكها، بتوجيه سهام التشكيك لشعارات الحركة وأفكارها، بالتشهير بها واتهامها بالعـــــمالة، وبتنفيذها لأجندات أجهزة وقوى ســرية داخلية، من قبـيل اليسار “المتـــــطرف” والإسلاميين “المتطرفين”، وفي بعض الأحيان لجهات خارجية مزعومة. ناهيك عن إغلاق الإعلام العمومي السمعي البصري في وجهها، وفتحه على معارضيها.

لكن الأخطر من ذلك، ما تعرضت له الحركة من تهديد أفراد بلطجية، أطلوا علينا من خلال الشبكة العنكبوتية، يرغدون ويزبدون ويتوعدون مناضلي الحركة. وحاولت وسائل الإعلام العمومية الإيحاء بأن تشدد السلطات العامة في التعامل مع الحركة، يعود من جهة إلى تجاوز الشعارات للخطوط الحمراء، ومن جهة أخرى ادعت منابر إعلامية أن حملات القمع تدخل في نطاق التجاوب مع تظلمات التجار والسكان، غير أن الذين قُدِّموا كرافعين لتلك المطالب، حملوا لافتات تحدد موقفًا سلبيًا من طبيعة الشعارات المرفوعة، ومن طبيعة الحركات السياسية المشاركة في المظاهرات، وبذلك انكشفوا أمام الرأي العام.

وحتى لا ننسى، فعوض الاستجابة للمطالب العادلة لحركة 20 فبراير، لجأت السلطات أحيانا إلى استعمال العنف والتدخل بقوة لفض التظاهرات، وتصورت أن الربيع العربي قد انتهى وحَلّ محله الخريف، وأن الإصلاحات لا تحتاج إلى مسيرات أو اعتراض. وأدى هذا المسلسل القمعي إلى مئات الجرحى والمعتقلين، وإلى سقوط المناضل كمال عماري شهيدا بآسفي، دون القبض على قتلته حتى الآن.

وغداة الإعلان عن مشروع الدستور، كان الموعد مع “الطبالة” و”الغياطة” و”الدقايقية” و”تجار الانتخابات”، واستحدثت لهذه الغاية جمعيات لا أحد يعرفها، كما أُخْرج رهط من “البلطجية” و”الشماكرية” من مدمني المخدرات و”القرقوبي”، وتُركوا يصولون للتصدي لحركة 20 فبراير، وتم تمتيعهم بالحصانة من المُلاحقة، بحيث لم يسمع قط أن أحدهم توبع أو اعتقل رغم ممارساتهم الإجرامية في وضح النهار.

وقد سُمح لمجموعات “البلطجية” أن تمارس وظيفتها كقوات غير رسمية، بالاعتداء على شباب الحركة ونعتهم بالخونة و”وكالين” رمضان والعملاء والعاهرات والمثليين، حيث لم يجدوا غضاضة في التباهي بعنترياتهم الإجرامية في حق شباب الحركة في فيديوهات مصورة.

وبعد مضي أربع سنوات على هذا الحراك، لابد أن نشير، أن من حسنات حركة 20 فبراير بالمغرب، هو تحقيقها لفرز في الساحة، حيث فضحت الفترة الزمنية للحراك الاحتجاجي من اصْطَفّ إلى جانب الشعب وقضاياه، ومن اصطف في الجهة الأخرى، ذلك أن هؤلاء اليوم أصبحوا مكشوفين للعموم، كما أن فريقا منهم وضع إحدى قدميه في الضفة المعادية للتغيير، والقدم الثانية مع حركة 20 فبراير، ولما ترجحت فكرة التغيير مال حيث تميل موازين القوى، ولما اندحرت الحركة تبرأ منها وكفر بدعوتها.

إن انسحاب حركة 20 فبراير من الساحات اليوم، لم يكن فشلا ولا تراجعا ولا موتا إكلينيكيا كما يتوهم البعض، فتبعا للدينامية التي دشنتها الحركة في الشارع المغربي، فقد حققت منذ أول خروج لها، تراكما نوعيا وتنظيميا وميدانيا وجماهيريا وسياسيا، جعلت أصحاب القرار يصدرون إشارات ايجابية اتجاه الحركة التي استطاعت وفي ظرف وجيز حشد الآلاف من المواطنين، وتوحيد النضال الشعبي في كل مدن وقرى المغرب.

وجمعت حساسيات سياسية إسلامية ويسارية ومستقلة، من أجل الديمقراطية والعيش الكريم، وبالتالي انتزعت مكتسبات أساسية من قبيل: إضافة 15،7 مليار درهم لصندوق المقاصة لدعم أثمان المواد الأساسية، وخلق ما يزيد عن 5000 منصب شغل، ومراجعة الدستور، وإطلاق سراح عشرات المعتقلين السياسيين، والزيادة في أجور الموظفين المنتمين للقطاع العام والخاص، ناهيك عن أنها استطاعت الحفاظ على سلمية الاحتجاج، رغم محاولات السلطة جرها إلى التصادم.

كما أبانت على قدرة في تحريك الشارع المغربي، بالرغم من تأخير مواعيد التعديلات والإصلاحات، والرهان على التآكل الذاتي والتناقضات الإيديولوجية بين مكونات الحركة من أجل إحداث انشقاقات، لكن الحركة نجحت في تذويب هذه الخلافات رغم بعض الاستثناءات، كما أفلحت الحركة في إسقاط القدسية عن بعض الشخصيات والرموز والطابوهات، علاوة عن أنها حررت طبقات الشعب من الخوف، وجعلت من الاحتجاج والمطالبة بالحقوق سلوكا يوميا عاديا.

بعد مرور أربع سنوات على حراك المنطقة العربية الذي لا يزال مفتوحا، لم تخرج المآلات التي انتهى إليها الحراك عن ثلاثة: بلدان استبقت الحراك بإصلاح امتد على سنوات وإن اختلفت وتيرته بين بلد وآخر، وبلدان انتهى فيها الحراك إلى صراع دموي عنيف وطائفي، وبلدان مكنتها قدراتها المالية الضخمة من شراء السلم الإجتماعي وتأجيل الانفجار إلى حين.

ويقع المغرب، في القائمة الأولى، حيث مرت نسخة الحراك المغربي، بدون خسائر، لم تشتعل الحروب الطاحنة، لم يتشرذم البلد، ولم يحصل المحتجون على كل مطالبهم، لكنهم لم يخرجوا من الحراك بدون نتائج.

gay porn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *