مجتمع

زاكورة.. القبيلة من العصبية إلى التمييز العرقي

تتكون ساكنة وادي درعة (إقليم زاكورة)، من خليط من العناصر العربية والأمازيغية  والضراوىة، إضافة إلى أقليات من الشرفاء والمرابطين والعبيد والأحرار… لا أحد يشك في علاقة التضامن والتآزر، التي تربط بين هذه المكونات البشرية، على اختلاف أعراقها وألوانها وقبائلها، خصوصا في القصور (الدواوير)  التي تضم جميع هذه المكونات (عربي،  ضراوي،  شريف، أمازيغي…). فوحدت القبيلة (القصر)، تفرض على الجميع علاقة الود وتبادل الزيارات  في مناسبات الأعراس والأعياد والمؤازرة أثناء حدوث الكوارث. إلا أن علاقة التآخي والتساكن هاته تخفي وراءها ظواهر اجتماعية وثقافية، ينعتها البعض بالتعصب العرقي أو الرغبة في التميز عن الآخر، فيما يصنفها البعض، ضمن رواسب الصراعات القبلية وما خلفته بالمنطقة من استغلال واحتلال للعديد من القصور وسكانها.

فإذا تجرأنا وتناولنا هذه الظاهرة ليس من باب إحياء النزعة العرقية أو القبلية بالمنطقة أو تضخيمها، بل هدفنا هو إماطة اللثام عن هذا المسكوت عنه بوادي درعة والذي ظل على مر الزمان ضمن الطبوهات التي يتحاشى النبش فيهاأغلبية الباحثين في التاريخ الاجتماعي للمنطقة. فمن يجادل بأن الأرستوقراطية (العربية والأمازيغية والأحرار والشرفاء وكافة الأعيان ) بالعديد من القصور لا زالت تشعر بنوع من “الدونية” و”الحكرة “، حينما تنادى من طرف فئة العبيد أو الحراطين بأسمائها الشخصية دون ذكر “سيدي فلان”، صحيح أن هذا السلوك في تراجع كبير خاصة في المراكز الحضرية، إلا أن هذا “التقليد” لا زال متعشعشا بعقلية العديد من القبائل “المغلقة”.

 كما أن زواج الحرطاني أو العبد أو الضراوي من العربية أو الأمازيغية أو الحرة يعتبر من المستحيلات مهما علا، شأن الزوج المفترض جاها وعلما وثراء، وكيف ما كان وضع الزوجة المفترضة من فقر وعوز اجتماعي، إذ يمكن القول إن هذه القبائل لا زالت تقيم جدار حديديا في وجه اختراق هذه الفئات لعصبيتها عبر مؤسسة الزواج. هذا لا ينفي وجود بعض الحالات التي تجاوزت عقدة اللون والعرق، إلا أنها تبقى محدودة في مدن الإقليم وبعض حواضره، وغالبا ما تجر على الأسرة صاحبة المبادرة الكثير من النعوت داخل القبيلة.

إن العصبية والعرقية لا زالت حاضرة في المجتمع الدرعي بزاكورة، فقد لاحظنا كيف بنا العديد من المرشحين للإنتخابات التشريعية والجماعية التي مرت بالمنطقة حملتهم الإنتخابية، على العرقية (الضراوية أو العربية أو الأمازيغية)، ومكنت تلك النعرة المرشح من ضم جل بني بشرته أو قبيلته. والأغرب في الأمر أن هذه النزعة، تسربت إلى نفوس بعض “المثقفين” الذين، أحاطوا بهم مجموعة ممن يبادلونهم نفس الشعور من ذوي بشرتهم، وحرصوا كل الحرص على تزكية تلك النعرة في صفوف هذا التيار أو ذاك.

مظاهر أخرى تفوح منها رائحة التعصب العرقي وهو ما تقدم عليه إحدى الجماعات السكانية، بترناتة في عدم دفن موتاها بمقبرة الدوار الذي تقطن به (يتوفر على أغلبية من ضراوة) وتضطر إلى نقلها ودفنها بجوار أبناء عرقها (العربي)، مبررة الأمر بعادة ورثوها عن أجدادهم. كما تبدو مظاهر التعصب العرقي في حرمان ساكنة “ضراوة” مما يعتبرونه حقا لهم في أراضي الجموع على اعتبار أنهم من ذوي الحقوق تطبيقا لمسطرة الإستفادة داخل القبيلة (القصر).

وتعتبر بلدية زاكورة نموذجا لهذا النوع من التمييز. ويبلغ التمييز العرقي أعلى درجاته بدوار آيت علي أوحسو بجماعة تغبالت بقيادة تزارين؛ فهذا الدوار يضم عناصر بيضاء (امازيغ) وأخرى سوداء (ضراوة،إملوان)، وقد وصلت درجة التعصب العرقي، إلى حد حرمان السود خلال فترة ليست بالطويلة من الماء الشروب، وعدم السماح لهم حتى بإقامة الأعمدة الكهربائية بأراضي البيض. ولم تسو هذه الأزمة إلى بعد تدخل مختلف السلطات وجهات أخرى عليا، حيث سمح للسود بالإستفادة من الماء والكهرباء، في حين لازال البيض يؤدون صلاتهم بمسجدهم الخاص بهم والسود ملتزمين بمسجدهم المتواضع.

ويقول أحد سكان الدوار (من السود) في جواب على سؤال طرحته الجريدة هل لا زلتم تعانون من التمييز؟، فرد قائلا “رغم التسوية بين الأطراف لازال الإحتقان سيد الموقف (اللي سبق القلب ملاه)”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *