آراء

مغاربة في خدمة “البوليساريو”

موضوع البوليساريو وشبيبة الإتحاد الإشتراكي ولقائهما بالرباط في غضون هذا الأسبوع، أثار ردود فعل متضاربة بين مؤيد، ومعارض، في صفوف الرأي العام الوطني، فهناك رأي يقول أن مثل هذه الخطوات الهدف منها بالدرجة الأولى هو استقطاب شباب البوليساريو، محاولة منهم كما يدعون، مصالحة الأبناء مع وطنهم، وهو مايستدعي برأيهم الإنفتاح على أراء هؤلاء الشباب. هذا التناغم، ومثله من المحاباة تزكيه مواقف كل من حزب الأصالة والمعاصرة التي كان لها السبق في ذلك، وبعدها الإتحاد الإشتراكي اليوم، وتتنفسان فيه مع الحليف الثانوي “للبوليساريو” حزب النهج الديمقراطي. المعروف بدفاعه المستميت عن “البوليساريو” في تحقيق مصيرها.

أما الرأي الثاني تمثله فئات عريضة من الشعب، وهو الرأي المعارض لكل المبادرات الرامية للنيل من وحدته الترابية ووطنيته، ورغم ذالك يبقى صوت الشعب غائبا عن ملف الصحراء، وهو الملف الذي كانت الأيادي فيه غير مخفية وتورطت فيه الأحزاب “الوطنية “، ولا يمكن أن نغضي الشمس بالغربال في هذه الصناعة، بحيث أن الفئات من الصحراويين التي طالبت الإنخراط في العملية السياسية في سبعينات القرن الماضي، وجدت نفسها غير مرغوب فيها، بحكم انتمائها الجغرافي، والإحتكار السياسي الشنيع، لفئات محسوبة على فاس والرباط وسلا وماجورهما، كما أن توالي فترات الإنقلابات في عهد الراحل الملك الحسن الثاني، جعل المغرب في “وضع استثنائي”، بدخول أطياف يسارية في صراع مع الملك، وطبعا منهم من ينتمي للحزب القوات الشعبية، ومنهم أيضا منظمات سرية وعلانية مثل منظمة الى الإمام …، ووجدت هذه التيارات نفسها تلقائيا في لعبة اقليمية سميت أنذالك بـ “الحرب الباردة”، صراع بين القوى العظمى بتوجهين: رأسمالي التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ومن جانب أخر توجد الإتحاد السوفياتي وتمثل المعسكر الإشتراكي.

نقاش الأمس بين الإشتراكي والرأسمالي الليبرالي، عاد من جديد، وبدأ يطفو على السطح خاصة بعد أزمة سوريا، والثورة المضادة في مصر، واشتغال “الزحف الأحمر” الصين في صمت، وتدعيات “الزحف الأخضر” الذي يمثله الإسلاميون، الذين لم يسعفهم الحظ، في تبني أطروحتهم الأممية كذلك، على غرار الاشتراكيين من قبلهم، فكان تقييم أدائهم ضعيفا الى هزيلا بعد إعلانهم علانية عن ترتيبات في الحكم ترمي الى “أخونة” شمال إفريقيا، وإلغاء التعددية والقضاء عما يسمى بالفلول ووو…

أنصار البوليساريو كثيرون اليوم في المغرب، يوجد من بينهم انفصاليون، يساريون، أحزاب، … القاسم المشترك بين كل هؤلاء اللعب على وثر الحدود الذي صنعها الإستعمار الفرنسي، والإسترزاق باسم الساكنة المطوقة كرها، ادعاء بلعب ادوار أو أوراق سياسية.

وهو مايستدعي منا طرح مجموعة من الأسئلة لعل القائمين على تدبير الشأن السياسي بالمغرب يستوعبونها، ومنها: لماذا لم تدلي حكومة بن كيران بموقفها بعد عن جلسات اجتماع البوليساريو بداء بشبابهم في الرباط وشيوخها بسيدي افني؟، بحيث سبق لمثل هذه الجلسات أن أقيمت في ميراللفت كما تناقلتها الصحافة بين ممثل للبوليساريو المسمى التامك وبين عامل إقليم سيدي افني مامي باهيا، ونحن نعلم أن الشخص الذي أشرف على تقديم ممثل الملك على الإقليم، لم يكن سوى الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية السيد لشكر، وهو أيضا بالمناسبة الحزبي الوحيد على ما اعتقد الذي تضامن مع احد النشطاء من جبهة البوليساريو المعروف بولد سلمى، ولم يفعل كذلك بشأن قبيلته “آيت براهيم” بإقليم كلميم، بحيث أن أعيانها لايناسبهم التخطيط لتقطيع انتخابي مرتقب، والذي تشرف عليه وزارة الداخلية وقاتلتها من جهة “قبيلة أهل التامك” باسم “أرض تونفي” وهي اسم على مسمى وتعني بالامازيغية “الأرض الدافئة”، مما يجعل التسأول مشروعا حول سر هذه التسمية؟ هل له ارتباط بالمناخ، أم المعادن، أم غير ذلك…،

ومن جهة استطاع الأمين العام الاتحادي لشكر تحويل وتوجيه الأنظار بعيدا عن ضجة “وصفة الحكومة الثانية”، بقيامه لزيارة معتصم ولد سلمى في منفاه بموريتانيا. الحكومة الملتحية، فعلا تناست مصير العباد والأرض، ولا تهتم بموضوع البوليساريو، لأنه خط أحمر، بكل بساطة قيادتها يسارية، ومجالها اقرب الى تنظيم القاعدة في الغرب الإسلامي، لذا “البيجدي” غير قادرة على الجلوس على طاولة المفاوضات مع البوليساريو رغم وجود الوزير سعد الدين العثماني على رأس الخارجية في حكومة بن كيران، هل لكون الحكومة لم تعد قادرة على “التجميع”، بسبب رفع شبيبتها الحزبية شعار أربعة أصابع رمزا لـ”ربيع العدوية” نقلا عن شبيبة الإخوان؟ أم أن إغلاق دور المغراوي، ونفي حركة التوحيد والإصلاح تلقيها الدعم من السعودية، وموقفها أيضا من آل سعود حتما سيغير الأدوار والأشخاص المسخرين للقيام بادوار دينية، وبين كل هذه الآراء المتضاربة نجد نائب بن كيران، أو” العلبة السوداء”، عبد الله باها ابن قبيلة “اد وشقراء” غير بعيدة عن قبيلة الإتحادي لشكر، والتي تحتضن مقبرة اليهود بافران الصغير، والتي رممها مؤخرا المستشار الملكي أزولاي حينما وضع لها سورا تقديرا لسبعة رجال اليهود الذين دفنوا بالمنطقة، شخص عبد الله باها والذي ارتبط اسمه عند “البجديين” بالحكيم، ربما حكمته برزت بعد نجاته من موت محقق في حادث سير بجانب صحراويين على مشارف إقليم السمارة، فنجا بأعجوبة، بينما توفي مرافيقه من الصحراويين وعلى متن نفس السيارة التي ركب فيها حكيم “البيجدين”، وعادت قافلة المصباح بأسى وحزن عميقين على فراق ممثليها بالصحراء، وتلقوا تعزية من الملك محمد السادس للتخفيف عن كربة من كرب الدنيا، رغم أن “دار المخزن” لاتريد تمثيلية للإسلاميين بالصحراء رأفة بالأعيان وتجار الحرب.

اليوم الإتحاد الاشتراكي يريد أن يلعب اللعبة التي لعبها حزب الأصالة والمعاصرة من قبله، والذي فشل في اختراق الصحراء بعد أحداث “اكديم ايزيك”، لكن لا الإتحاد ولا الأصالة غير قادرين الى اليوم بالإطاحة بأهل الرشيد، الذي يحتضنهم حزب الإستقلال، وسبق لهم ان اجتمعوا مع “الكجيجمات”… قبل أن يكون الرأي العام مصدوما ويجد أنها خدعة مدبرة، وعاد أهل الكجيجمات الى حيث أتوا، بعد تنفيذ عملية سطو فريدة من نوعها، مدبرة من صانعي مسرحيات مهربي الشيوخ والجمال ..

لاعتاب على مغاربة “البوليساريو”، فهم كانوا وما زالوا يتصرفون بعقلية الغنيمة، والتعامل بالعرض والطلب في السوق البشرية بـ”تندوف”، وهم يعرفون أيضا أنهم في مواقع مهمة، وأن لا حساب لأحد في عنقهم، أو عنق الحزب الذي يقودونه. بن كيران وعد الناس بأن يكون ملف الصحراء بيد الشعب وقد خالف وعده، وسيجبر على ترك مفاتيح وزارته الخارجية حتما. طبعا ليس الغرض عند الناخبين الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية وجود حكومة مثل سابقاتها، لدى فحكومة السيد بن كيران على ما يبدو مفرملة، عيونها جاحظة، لاتقوى على الرؤية، هذا ما يحصل ويحصل عندنا بالضبط عندما تسند الأمور الى غير أهلها.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *